حتى لا يطير الدُخان .. !!

وزير العدل في تصريح بالأمس أمام البرلمان يقرُ بإكتشاف حالات فساد تورط فيها عدد الموظفين المنتسبين لبنك السودان قاموا بتسجيل شركات و أسماء أعمال متخصصة في إستيراد الدواء للإستيلاء على فروقات سعر الدولار الدوائي إبان كان دعم الدواء قائماً ، 34 شركة إستولت على 230 مليون دولار كانت مُخصصة لسبر أغوار شبح المرض و المعاناة من كاهل المواطن السوداني البسيط الذي تم لفظهُ مؤخراً خارج دائرة الحياة الكريمة و أسباب التمتع بالصحة و العافية البدنية و النفسية ، و في هذا الخبر السابق عدة مدلولات تجب الإشارة إليها ( حتى لايطير الدخان ) و يتبدد ، أولها أنه قد آن الأوان لولاة الأمر و المؤسسات المنشأة لمعالجة أمر الفساد و التعدي على المال العام أن تعلم أن أمر الفساد في هذه البلاد قد أصبح هرماً ذوبُنيان مرصوص و خلايا متشابكة و متعاونة ، إذ أن معظم أنظار المهتمين و المتخصصين في هذا المجال يُركِّزون إستقصاءاتهم و ملاحظاتهم حول القيادات العليا و أصحاب المناصب الدستورية بإعتبار أنهم الأقدر من منطلق الصلاحيات المتوفرة لديهم على تجاوز قوانين و لوائح تسيير و صرف المال العام ، غير أن الأمر قد إتضح أنه إستفاد من نظرية ( إذا كان رب الدار للدف ضارباً ) .. بإعتبار أن أمر منظومات الفساد قد أصابت حتى الشرائح الصغيرة على المستوى الهيكلي الإداري و الفني داخل المؤسسات ، غير أن ما يتم نهبة يفوق بكثير ما يمكن أن يطمع فيه قيادي أو ذو منصب كبير ، أما المنظور الثاني فيتعلَّق بكون الرأي العام و على رأسه الهيئات الصحفية و الإعلامية الأخرى مُضافاً إليها المستنيرين من عامة الشعب يراقب عن كثب و شغف كيف ستكون الإجراءات الإدارية و القانونية التي ستتخذ ضد هذه العصابة التي خانت أمانة البسطاء و الضعفاء قبل أن تخون مؤسساتها التي تنتمي إليها عبر إفشاء الكثير من أسرارها الفنية و الإدارية و القانونية للغير بغية التكسُّب الحرام و الثراء غير الشرعي ، فآخر حوائط الثقة المتبادلة بين المواطنين و الدولة على مستواها الرسمي هو المؤسسة العدلية و مبادئها المتفق حولها و المتعلقة بقداسة تطبيق القانون و شرعيته المستمده من مبدأ المساواة أمام حدوده و نصوصه و الذي كان قد إبتدره سيد الخلق أجمعين صلى الله عليها وسلم عندما قال ( و الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ) ، أما المنظور الثالث فعنوانه ( و ماذا بعد ) .. هل سيكون هناك أدنى شك لدى القيادة العليا للبلاد ودستوريها و برلمانها و منظروها الإقتصاديين بأن التمكن من ( إنقاذ ) 30 % من المال العام المنهوب بأداة الفساد الإداري و السلطوي و السياسي قادر على سد الإحتياجات التمويلية من العملة الصعبة الموجهه لدعم الدواء ، في إعتقادي أن حماية 50 % مما يُنهب سنوياً من المال العام تُمثِّلُ بديلاً أقل ( تكلفة ) و ( إيلاماً ) لرفع الدعم عن الوقود و الدواء ، و هي في ذات الوقت أقصر الطرق لتمويل حركة التنمية العامة و الرفع من المستوى الكمي و النوعي للناتج القومي الإجمالي .. عينك في الفيل تطعن في ضُلو !!.
الجريدة