حليمة التي افتقدت..

خالد عبدالله – أبوأحمد
الفقيدة العزيزة (حلوم) التي كنت اناديها بهذا الاسم بدأت علاقتي بها في العام 1993م، وكانت في قمة تلألأها صحفيا وثقافيا، ملتزمة بالعمل على تنمية المرأة السودانية وعملت بجهد كبير في هذا المجال، وقدمت اسهامات كبيرة داخل السودان وخارجه، فقد كانت تكتب لعدد من الإصدارات في المجال النسوي تارة بالانجليزية وتارة أخرى بالفرنسية، حليمة من النوع الذي يدخل قلوب الناس بسرعة فائقة كانت متشبعة بالتراث في مجالاته كافة الشعر والغناء والحِكم والتاريخ، ولها في ذلك طرائق شتى من التميز والابداع، كما لها الكثير من الكتابات الراقية المفعمة بحب الوطن والبيئة التي نشأت فيها، ولها اعتزاز كبير بصمود المرأة السودانية على مر العصور.
تتحدث حليمة ثلاثة ألسن بطلاقة العربية والانجليزية والفرنسية، تحمل بكالريوس مرتبه الشرف من آداب الخرطوم فى اللغه الثالثة لذا تتسع دائره قراءتها واهتمامها وهذا مكسب للمتابع، قال الاخ محمد الأمين محمد مرحبا بها في منتدى سودانيزاونلاين “في تسعيينات القرن الماضى كنت استمتع بقراءه الكثير من مقالاتها وتحقيقاتها بالانجليزية فى مجله (سودانا) و وكنت اخالها عطرا جديدا فى جسد الصحافه السودانيه لماتتمتع به من مقدرات ادبيه ولغويه لكنها اختفت عليه اتمنى ان يكون هذا المنبر الاسفيرى حديقه تزرع بها ورودها ورياحينها التى اغتنتها عبر اطلاعها باكثر من لسان فى ثقافات عديده فمرحبا بها”.
توطدت علاقتي بها أكثر من خلال صحيفة (الانباء) عندما ارسل لها زوجها المكلوم الاستاذ مصدق الزيارة من المملكة العربية السعودية لكن السفارة السعودية ماطلت في اعطاءها الفيزا لتلتحق بزوجها في الرياض، حينها كانت اعمل في الشؤون الدولية بصحيفة (الانباء) وعندما حكت لي هذه المشكلة على الفور اتصلت على نائب السفير السعودي بالخرطوم ونقلت له رغبتي في زيارته لأمر هام، فوافق على الفور وكانت معي حليمة ومها كل الاوراق المطلوبة بفضل الله قام بإجراء اللازم وفي اليوم الثاني ذهبنا سويا استلمت أوراقها ورتبنا سويا موضوع سفرها للسعودية.
لم تنقطع صلتنا ببعض لأنها كانت مثل أختي تماما، ومن (الرياض) عرفتني على زوجها الكريم الاخ العزيز استاذ مصدق وهو رسام (كاركتير) هاوي، وفنان ويشبه حليمة في طيبتها، وبقينا على تواصل منذ ذلك الوقت حتى قبل شهرين تقريبا اتواصل معها لأطمئن عليها، ومع ابنها خالد الذي يقيم في الدوحة، وكان بينها تواصل مستمر، وعندما وصلت البحرين أصبحنا في تواصل دائما بالهاتف، واتذكر عندما انشئت موقعي الالكتروني الاولى في مايو 2001م، وبدأت في نشر مقالاتي، اتصلت بي حليمة وكانت سعيدة جدا جدا بهذا الامر..
في هذه المداخلة في (سودايزأونلاين) -2005- كتبت مداخلة طويلة عندما تسآل البعض عن من هي (حليمة عبدالرحمن)..؟، فطلب احد الاخوة من إدارة المنتدى العضوية للاخت حليمة، فقد كانت ودخلت المنتدى وكتبت في ذلك البوست مداخلات كثيرة، ولم تغفل شخصي الضعيف..فكتبت هذه المداخلة التي وجهتها لشخصي الضعيف:
الاخ العزيز خالد احمد عبد الله (ابو احمد)..
اذكر اننا التقينا ذات يوم غائظ نهاره، في رحاب الصحيفة التي كانت تعد عدد خاصا عن المراة السودانية بمناسبة مؤتمر بكين للمراة في عام 1995. يومها قدمت السيدة هدى عبدالحميد خليل، المشهورة بالمراة صائدة الاسماك والتي تمتلك مركز الهدى للأسماك بجبل أولياء بالاضافة الى عدة مراكز على الشريط النيلي حتى الدويم، فضلا عن مركز اخر لتصنيع الشباك يعمل فيه عدد من نساء المنطقة… قادت تلك التغطية المميزة هدى الى ان تنال جائزة عالمية متقدمة..
يومها عرفتك وعرفت العديد من الاخوة من بينهم المرحوم الكارتونست، عمر جاد الرب، لعلك تذكر يوم قابلتك في (المسنجر) واخبرتني انك انشأت موقعا الكترونياَ واعطيتني الرابط..فقلت بسخرية وتهكم: يعني يا خالد هسع قاعد تشرط في النطاقات وتوزع؟ فاجبت بالايجاب، فاردفت بنفس اللهجة:
خلاص اقطع لي اربعة متر ونص نطاق..
لم اكن لحظتها جادة تماما.. وكانت خطواتي في الانترنيت ما زالت في بدايتها..
لعل شئ في داخلي يدفعني إلى ارتياد التجربة..ولدهشتي الشديدة، بعد يومين فقط اتصلت علي وطلبت منى مشاهدة موقعي الالكتروني الجديد الذي قمت بكتابة المقدمة التعريفية بي..
لم اصدق عينيَ.. كان ذلك في اكتوبر 2001.
تراء أمام عيني اسمي وقد توسط علم السودان ذات اليمين وذات اليسار وفوقه بسملة ذهبية تعلو وتهبط، مثل قلبي تماما..
في البداية كنت ارسل المادة التي اكتبها وتقوم انت برفعها إلى الموقع.. ثم تشعبت مسئولياتك. وقررت ان استقل عنك.. نعم الاستقلال عنك هو ما يجب ان يكون.. لابد من الوقوف على قدمي.. الما بياكل براهو ما بشبع.. عبارة كانت ترددها جدتي.. ووجدت صداها يتردد في اعماقي، ويدفعني بقوة ان اقف على قدمي..
في ذات صباح شديد البرودة اشتريت بطاقة الاتصال المدفوع بمبلغ مائة ريال، واتصلت على احد اقربائي، يعمل مبرمجا.. وطلبت منه تعليمي كيفية التجديد والحذف وكافة الاعمال الروتينية..وحينما نفدت قيمة البطاقة، كنت قد قطعت شوطا كبيرا.. وقررت المضي قدما.. ساء حال موقعي الالكتروني، خاصة وان الصفحة الرئيسة كانت تظهر باحجام مختلفة، ولم (تظبط)، الا بعد جهد جهيد.. اول ما عمدت اليه هو تغيير كلمة المرور حتى لا اعود ثانية الى طلب المساعدة منك..
اذكر كيف انك تفاجات بحال الموقع، فقابلتني في (المسنجر) وطلبت منى اعطاك كلمة المرور حتى تصلح الحال (المايل)، فرفضت.. رغم التخاذل الداخلي الذي كان يدعوني لان ارفع الراية البيضاء واعود الى الاعتماد عليك.. غير اننى وقفت (دُتْ).. وقررت الاعتماد على نفسي وطفقت اردد واحد من الامثال التي دأب المرحوم عمر جاد الرب على رسمها في صحيفة دارفور الجديدة..(ام سلمبويتي ولا كِدْكِداي زول)..
كلما الحفت في الطلب، كلما اوغلت في الرفض..كان طلبك مبررا، فالموقع يحمل اسمك كمصمم، وكان رفضي مبرراَ، فانا اريد التعلم..والما بياكل براهو ما بشبع..
المهم..تعلمت ووصلت الى مرحلة التصميم..
لابد من شكر دكتور على سعد على، الذي ساهم هو هو الاخر في اعتماد تصميم جديد واضفت اسمه الى جانب اسمك كمصمم، احتفظت بتصميم هنيهة ثم غيرته..رغبة في متابعة طريقي الاول في التعلم..فصممت الشكل الحالي..
تعرف يا خالد شئ لابد من ذكره..
يجب الاعتراف انه لولاك، لربما ظللت حتى الآن بعيدة عن عالم الانترنيت.. بفضلك يا خالد اوشك موقع حليمة على اكمال عقد من الزمان..
كلمة شكراَ غير كافية في حقك..
ان خالد الذي عرفت لا ينتظر شكراَ لعمل يعتبره عمل خير، ولم يحدث قط ان طلبت منه تصميم موقع لاحد الاخوة ، الا وقال لبيك.. ويفاجاني انه في خلال يومين او ثلاث، يكون قد جهز الموقع وارسله الى صاحبه دو ان ينتظر جزاءَ او شكورا..
احب ان اعلمك بانني توقفت عن تجديد موقعي الاول لصعوبة التعامل مع الفرونت بيج، مقارنة بالمدونة السهلة الشديدة..
اعكف حاليا، على نقل العديد من الموضوعات السابقة في (حليمة) إلى مدونة حليمة..
اما المعلومات التي اوردتها عن حليمة عبد الرحمن، فقد صححت بعضا منها وذلك في متن ردي على الاخ محمد الامين محمد..
فائق تقديري وجزيل شكري وعميق امتناني..
ودمت اخا كريما، شهما، مقداماَ وبازل نفسك في خدمة الاخرين.
طبت ابا صفية..
تحياتي للاخت نجلاء هارون والعيال..
***
اللهم أرحم حليمة برحمتك الواسعة وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة مع المصطفين الأخيار وأجعل البركة في زريتها وصبرهم وصبرنا جميعا على فقدها الكبير، إنا لله وانا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
7 سبتمبر 2023م