أخذتني الحقيقةُ المجردة من أوكرانيا إلى أفغانستان والعراق ولبنان ورمتني في غزة !

* يتحدثون عن أعمال بوتين (الإجرامية) في أوكرانيا ، فأتساءل عما إذا كان وَسْمُ الفعل الدال على الجريمة بمَيسم (الجريمة) يتم في كل زمان ومكان ، مهما اختلف الفاعل ، أم أن اختلاف الأزمنة والأمكنة والشخوص هو الذي يحدد وسم نفس الفعل بذلك الميسم ؟! ولماذا تسمي الدول الغربية ما يفعله بوتين في أوكرانيا بالجريمة ولم تجرؤ على تسمية ما فعلته أمريكا في الدول الاسلامية بذات التسمية؟ ولماذا لم تسمِ مشاركتها لأمريكا في نفس (الفعل) جريمة.. ولماذا لا تسمي ما فعلته ، وتفعله ، إسرائيل في غزة ولبنان جريمة؟ .
* إيماني المطلق بالقرآن الكريم يجعل مرجعيتي ، في ما يتعلق بقتل الإنسان لإنسان آخر ، تتلخص في:- “مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً..” .
* وتوجعني مشاهدة القنوات التلفزيونية وهي تعرض مآسي (الأنفس) تُزهق في أوكرانيا .. وهي توجعني ، في الواقع ، وجعين ، أولهما وجعٌ أوكرانيٍّ قاسٍ يأخذني من أوكرانيا إلى الوجع الأشد مضاضةً يلخص في هدر دماء مسلمين أراقتها أمريكا في أفغانستان والعراق .. ودماء أراقتها إسرائيل في لبنان وغزة التي لا تزال دماء شعبها ، مسلمين ومسيحيين ، تسيل ..
* وما يضاعف الأوجاع ، هذا الكم الهائل من النفاق العالمي حول عدوان روسيا على أوكرانيا .. مع ان مشاهد مأساة الإنسان ، الهارب منها إلى دول الجوار ، أقرب إلى مشاهد سياح يتنقلون من بلدانهم إلى أماكن سياحية في بلدان أخرى ، ومعهم حاجياتهم الضرورية وحتى بعض كلابهم المدللة .. وتُفتح لهم (ممرات آمنة) للخروج من مواقع الخطر ! .
* هذا، إذا ما قيست تلك المشاهد بمشاهد الهروب الهلِع والرعبُ ينتاش كل لحظة من أيام الأفغانيين والعراقيين واللبنانيين والفلسطينيين الهاربين من خطر القنابل ، تمطرها الطائرات والصواريخ الأمريكية في شبه دمار كامل ، إلى (أي) مكان (آمن) .. لكن القنابل لا تليث أن تنهمر على رؤوسهم حيثما تنقلوا .. والمباني التي يلجأون إليها تتصدع وتنهار وهم تحتها..
لم تكن هماك منطقة آمنة في البلدان المذكورة .. فكل منطقة في أفغانستان والعراق ولبنان وغزة ، كانت تحت القصف ..
* هذه هي الحقيقة .. وقد كشفت حرب أوكرانيا نفاق أمريكا والدول الغربية حول الإنسان وحقوق الانسان ، بمطالبتها الملحاحة بخلق مناطق آمنة لسلامة الأوكرانيين ، مناطق لم تكن تطالب بها لسلامة سكان البلدان المنكوبة بالعدوان الأمريكي على العراق تحت اسم تحالف الراغبين (Coalition of the Willing).. والعدوان الاسرائيلي على غزة تحت اسم (الرصاص المصبوب).
* ويزداد النفاق اتساعاً بصورة مزرية في القنوات التلفزيونية الناطقة بجميع اللغات ، رجع صدىً لما تقوله أمريكا ..
* فحين تغني أمريكا ، أوروبا الغربية (تشيل) .. والعالم كله (يشيل الشيلة) من اوروبا .. ويصفِّر (المجتمع الدولي) صافرةَ تأييد وتشجيع بمزيد ومزيد من النفاق .. فأمريكا هي ” الطائرُ المحكيُّ والآخرُ الصدى!”..
* أيها الناس ، لا أحد سعى لإدانة أمريكا أمام محكمة الجنايات الدولية .. ولا أحد فعَّل قوانين محكمة الجنايات الدولية لإدانة إسرائيل .. لارتكاب الدولتين جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية ..
* أما في الحالة الأوكرانية، فقد تطوَّع المدعي العام ، كريم خان ، وشرع ، على الفور ، في البحث عن أدلة إدانة الرئيس الروسي بوتين بجرائم الحرب ، ووجد ما يخوِّل له تلك الإدانة .. وجده بسرعة يُحسد عليها ! .
* إننا نعيش في عالم تعلو فيه القوة على الحق .. ولن تشعر بذلك إلا حين تأخذك الحقيقة من حرب أوكرانيا إلى حرب أفغانستان والعراق ولبنان ثم ترميك في حروب غزة المدمرة ! .
________________
حاشية.:-
– إليكم بعضاً من بعض المعلومات عن حروب أمريكا وإسرائيل في الشرق الأوسط :-
– “من ليس معنا فهو ضدنا!”، كانت هي عقيدة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش ، والتي على أساسها بدأ غزو العراق يوم 19 مارس 2003 ، تحت اسم تحالف الراغبين Coalition of) the Willing..).. ووفق عقيدته تلك ، كان كل العراق ضده ، ويجب تدميره ..
– انتهى القتال الرسمي يوم 1 مايو 2003 تحت اسم تحالف الراغبين شاركت في القتال 34 دولة إلى جانب أمريكا .
– قُتل مئات الآلاف من العراقيين ودمرت البنى التحتية العراقية بما عطل العراق عن النهوض حتى الآن ، علاوة على خلق بيئة سياسية واجتماعية متنافرة ..
– إضطر ملايين العراقيين للجوء إلى دول أخرى
– لا تزال الاضطرابات الأمنية هي السائدة ..
– أما عن العدوان الإسرائيلي على لبنان ، فقد بدأ في 12 (يوليو) 2006 .. واستمر 34 يوما وتم تدمير العديد من المناطق (دماراً شاملاً) ..
– قتل آلاف اللبنانيين مع سبق الاصرار على هدم المباني فوق رؤوسهم .. وتم تشريد آلاف الأسر ..
– هذا ، وشنت إسرائيل ثلاثة حروب على غزة .. وكل حرب تكشف عن عن كوارث إجتماعية ومعاناة إنسانية ..
– بدأت الحرب الأولى (2008) في 27 ديسمبر وانتهت في 18 يناير 2008) ، تحت مسمى “الرصاص المصبوب” ..
– تقول التقارير الدولية أن الجيش الإسرائيلي ألقى في تلك الحرب قرابة “مليون” كيلوجرام من المتفجرات … وهدمت أكثر من (4100) مسكن بشكل كلي ، و(17000) بشكل جزئي .
– أدت عملية “الرصاص المصبوب”، إلى مقتل أكثر من 1436 فلسطينيًا بينهم نحو 410 أطفال و104 نساء ونحو 100 مسن ، وإصابة أكثر من 5400 آخرين نصفهم من الأطفال
– يُعد حوالي 60 ألف فلسطيني من مشردي الحرب الإسرائيلية عام 2015 ، ولا أماكن تأويهم..
– كل ما جاء في الحاشية إلا النذر اليسير من مآسٍ لا تثير انتباه أمريكا وأوروبا الغربية ..
بوتين ليس مغامر كما يصفه البعض لكنه رجل مثقف وقاري جيد للتاريخ وهو شخص طموح يبحث عن مصالح روسيا وأمنها القومي ويريد الرفاهية لشعبه وهو متيقن من أن التحالف الغربي يريد إهانة روسيا وتقليص دورها السياسي.
وبوتين بقراءته الجيدة للتاريخ يعرف موقف أمريكا المتشدد ضد فيدل كاسترو الذي قام بتأميم جميع الشركات المملوكة لأمريكا في كوبا ورفض دفع تعويضات لها وجعل من كوبا دولة شيوعية في الحديقة الخلفية لامريكا ووقتها قام الاتحاد السوفيتي بتنصيب صواريخه في كوبا في عام 1962 وكادت الحرب العالمية الثالثة أن تنشب لو لم تتعقل روسيا وتسحب صواريخها مقابل تعهد أمريكا باحترام استقلال كوبا وسيادتها ومن سخريات القدر ان ما أبته امريكا لنفسها في ستينيات القرن الماضي تريد من روسيا ان تقبل به في عشرينيات هذا القرن.
وكما في الماضي ادرجت الولايات المتحدة الامريكية دولة كوبا ضمن حزامها الامني فبذات المنطق فأن روسيا اليوم تدرج أوكرانيا ضمن حزامها الأمني الذي لا يقبل المساومة وكما رفضت امريكا اقامة قواعد وتنصيب لصواريخ الاتحاد السوفيتي في كوبا فبذات المنطق ترفض روسيا اليوم إقامة قواعد لحلف الأطلسي على حدودها في اوكرانيا لكن حماقة الغرب وعدوانيته جعلا أوروبا الغربية لا تأخذ هذا المطلب في الحسبان لذلك فهي تتحمل وزر اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي ستنعكس تبعاتها على العالم قاطبة.
روسيا دولة عظمى وهي قادرة عسكريا وبوسعها اكتساح أوروبا مجتمعة في ايام وتستطيع تسوية قرى ومدن اوربا بالأرض بالصواريخ العابرة للقارات في ساعات فقط ورؤساء أوروبا ومن خلفهم امريكا رغم تكبرهم يدركون هذه الحقيقة جيدا وكلهم يتذكرون تجربة الغزو النازي للاتحاد السوفيتي لقد كان ذلك سببا في هزيمة هلتر والمعلوم ان كل دول اوربا تعاني اليوم من أزمات اقتصادية طاحنة بسبب جائحة كرونا وهم ذاهبون الي انهيار اقتصادهم وانتهاء زمن رفاهية شعوبهم اذا أقدموا على مغامرة غير محسوبة مع بوتين او جرحوا كبرياءه ولو تمادوا في إستفزازه سيجعلوا طموحاته حاضرة وقوية لاستعادة كل شبر من دول الاتحاد السوفيتي الذي تفكك بسبب رؤساء ضعاف لم تكن لهم نفس قوة او كريزما شخصية بوتين.
أخيراً استفاق الدب الروسي من سباته الطويل، ونحن نشعر بتعاطف جارف معه، ونحس اننا ضد اوكرانيا وضد امريكا وضد واوربا، برغم ما يجمعنا مع بعض دولها من صداقات، لقد آن الأوان ان نُخرٍج من ارشيفنا كل ملفات الالم، عندما كان المسلم يموت في اليوم الواحد الف مرة بسبب الحصار والتجويع والقتل، وكانت امريكا تغزو افغانستان والصومال والعراق، وتحاصر السودان واليمن،وعندما كانت اسرائيل بدعم امريكي اوربي مشترك تقصف بطائراتها مصر و لبنان وفلسطين وقطاع غزة الفلسطيني.
لقد رأينا في سنة “2006” كيف تم تدمير لبنان، من أجل جثتين لجنديين يهوديين كانتا بين يدي الفارس “حسن نصرالله”، في الوقت الذي لم تجد فيه جثث اللبنانيين والفلسطيين والعراقيين والافغان الاهتمام اللازم،وقبلها لم تطرف عين لامريكا ولا لاوربا حين دفنت اسرائيل المحتلة المجرمة مئات الأسرى المصريين في صحراء سيناء وهم احياء في عمر الزهور، ولم تجد جثة الاسد المسلم “اسامة بن لادن” مجرد الاحترام، حينما تم رميها في البحر وهي سجينة داخل صندوق خرصاني.
كل هذه الاحقاد والعنصرية ظهرت في حرب روسيا على اوكرانيا البعيدة عن حدودنا الجغرافية، لكنها اكدت على أننا يجب أن نعيد كتابه التاريخ بنفس الأحقاد التي يحملونها ضد المسلمين، لا بعدد القتلى والخسائر المادية التي تكبدناها.
لقد قالوها بلا حياء، “أوكرانيا ليست العراق ولا أفغانستان حتى يصمت الناس، فهي موطن أوروبي متحضر لا نتمنى أن تذرف فيه قطرة دم” وقالوها بلا حمرة خجل “يؤلمنا ان نرى اطفالاً بعيون زرقاء وشعر اشقر يقتلون”
ويؤلمهم ان يرو اوربيين متحضرين يشردون ويصبحوا لاجئين.
صراحة انا أشعر اني اعبر عن مشاعر ملايين المظلومين، وأشعر اني سعيد بتقليم أظافر امريكا والاوربيين المتجبرين وسعيد لانهم جرحوا كبرياء “بوتين”وأستفزوه، وأتمنى ان يتمادوا في إستفزازه حتى يجعلوا طموحاته حاضرة وقوية لاستعادة كل شبر من دول الاتحاد السوفيتي الذي تفكك، لانالعالم يجب ان لا ينفرد به الغرب الجاحد ولا الشرق الملحد..
احسنت تماما تحليل رائع جدا بوتين بطل قومى يحب وطنه و لا يساوم فى سلامته وهو يشعر بالخداع و الالم بسبب خداع الامريكان بوعد روسيا بعدم تمدد الناتو الى حدود روسيا ابان تفكك الاتحاد السوفيتى والحصل عكس ذلك فى اعتقادى بان الريئس الاوكرانى الذى كان ممثل كوميدى عديم الخبرة و ساذج لايعرف بان الامريكان قد استغلوه وجعلوه مخلب قط وهو بكل سذاجة اندفع ليتحدى الدب الروسى العملاق وهاهم الامريكان و الاوربيين يتفرجون عليه وهو يتلقى الضربات الموجعة ولا احد منهم يجرؤ على الدخول فى معركة مع الدب الروسى والذى اعلنها صريحة حين قال بوتين الراجل يجى خاشى
دولة قامت على إبادة السكان الأصليين. شعارها Might is right. تتمدد و تتوسع أطماعها، ولا تحتمل المنافسة!
عندما يكون هناك نظام مستبد في العالم حليفاً لأمريكا فهي لا تصفه بالاستبداد وعندما يكون هناك نظام ديمقراطي غير حليف لأمريكا فهي تصنفه بالدكتاتوري والمستبد”
— بروفسور محمود مامداني —
عندما يكون هناك نظام مستبد في العالم حليفاً لأمريكا فهي لا تصفه بالاستبداد وعندما يكون هناك نظام ديمقراطي غير حليف لأمريكا فهي تصنفه بالدكتاتوري والمستبد”
— بروفسور محمود مامداني —
أستاذ عثمان محمد حسن
طاب نهارك
كتاباتك دائماً موضوعية ومفيدة وقد ظللت شغوفاً بها منذ أن عهدتها في المواقع الاسفيرية، فأنت تضعها على نار ساخنة فتنضج غاية الإنضاج. حفظك الله أيها الهمام.
العالم يحكمه الاقوياء إقتصاديا و عسكريا أما الضعفاء فلا صوت لهم و عليهم الوقوف على الأرصفة و الانحناء دى قوانين اللعبة و لا عزاء للضعفاء.