مقالات سياسية

ثورة جيل

يوسف السندي

في كل وطن هناك أجيال متعاقبة ، و لكل جيل طريقته الخاصة في التعبير عن نفسه ، لوقت قريب كان الظن ان الجيل الجديد في السودان – الذي ولد و تربى في ظل نظام الانقاذ – هو جيل بلا هوية ، كان يعتقد ان الثقافة الانقاذية شوهت هذا الجيل و جعلته بعيدا عن الهموم الوطنية ، فاقدا لعزيمة التغيير و مستلبا لأفكار الدونية و الاستسلام .

لهذا واجه هذا الجيل كثيرا من النقد من الأجيال السابقة و التي وصفته في بعض الأحيان بانه جيل عديم المسؤلية و جيل انصرافي .

و لكن المفاجأة التي لم يتوقعها احد ظهرت مع تفجر ثورة ديسمبر حين استلم الجيل الجديد زمام المبادرة تماما و انطلق في ميادين الثورة متحملا مسؤلية وطنية عظيمة ناءت بحملها ظهور الأجيال السابقة .

لأكثر من خمسة شهور واصل هذا الجيل التحدي امام سلطة غاشمة مدججة بالأمن و الأسلحة، لم يرهبه الرصاص و لم يوقفه البمبان و لم تفزعه السجون ، واصل في شجاعة نادرة و تضحية فائقة مسيرة المواكب في الشوارع و الجامعات و المستشفيات و المدن و القرى ، يهتف بالحرية و السلام و العدالة .

فخر الأجيال القديمة بظهور هذا الجيل بهذه المسؤلية الوطنية ربما يساوي او يزيد عن فرحهم بذهاب نظام الانقاذ ، فالانظمة الظالمة لا محالة ذاهبة و لكن ميلاد الأجيال المليئة بالوعي الوطني المسؤل أصبح عملة نادرة في هذا الزمان .

الطريقة التي عبر بها هذا الجيل عن نفسه من خلال الثورة تحتاج كثير من الانتباه و الدراسة ، ليس فقط من قبل الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني ، و إنما من الأسر نفسها التي في لحظة فارقة وجدت أبناءها في طريق لم يكن في الحسبان ، لقد بدأ هذا الجيل الثورة ثم أجبر بفاعليته جميع الأسر على الانضمام للمواكب و الهتاف .

الانفجار الذي عبر به هذا الجيل عن رفضه للظلم و الدكتاتورية و تقبله التضحية بالدماء و الدراسة في سبيل تغييره ، ينبيء الجميع بأن المستقبل في حضرة هذا الجيل لن يكون إلا كما يريد هو ، و أن متغيرات ثقافية متعددة سوف تجري في صميم المجتمع من قبل شريحة الشباب .

التغيير الذي قاده هذا الجيل لن يقصي بالطبع مساهمة و مشاركة أجيال الآباء و لكنه بكل تأكيد لن يسمح لها بأن تكون حاسمة و نهائية في كل شيء في الوطن .

الاوطان الحديثة تبنى على روح القيادة المشتركة ، على المنافسة و الفاعلية ، و هذه نفسها هي سمات التطور في العصر الحديث ، و كل ذلك متوفر في هذا الجيل المتمرد الثائر .

هل رفعت سقف التوقع ؟! ربما ، و لكن في كل الأحوال ما جري على الشوارع في السودان لم يكن ثورة سقفها الإطاحة بالبشير فقط و إنما سقفها التغيير بمعناه الشامل .

يوسف السندي
[email protected]

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..