مقالات سياسية

تدخلهم بشؤون السياسة أفسد الحياة السياسية.. 

عثمان قسم السيد
أدى تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية السودانية إلى دفع المحللين والباحثين إلى دراسة الدور ما فوق العسكري للجيش ، وتحليل الظاهرة العسكرية التي تجاوز تأثيرها البنية المحلية والإقليمية للدولة .. حيث تُعد جدلية العسكر والسياسة فى الدول العربية والإفريقية والسودان بشكل خاص إحدى أبرز المشاكل الكبرى.
فالمؤسسة العسكرية كانت في دول العالم الثالث والشرق الأوسط ومازالت وراء تدهور الديموقراطيات المدنية .
وبإعتقادي حان الوقت لتسليط مزيد من الضوء على أدوار المؤسسات العسكرية في السودان ، وإعادة قراءة تلك الأدوار من جديد .. فهناك الكثير من الأسئلة التي لم تعد محرجة خصوصاً في سياق العلاقة بين العسكر والسياسة.
ففي نهاية ستينيات ومنتصف سبعينيات القرن الماضي لعبت المؤسسات العسكرية السودانية أخطر الأدوار في الحركة السياسية الرسمية بالبلاد  ، إذ كانت الإنقلابات العسكرية على الحكومات المدنية ظاهرة متكررة في أغلب الأنظمة الحاكمة بداية بانقلابات عبود والنميري والبشير وبعض انقلابات الصغيرة للعسكر بين الحين والأخرى ونهاية بانقلاب البرهان الأخير…..
 وكل تلك الأحداث المترابطة غيرت جذرياً السياسات الداخلية للسودان كثيرة ، مما جعل العلاقة بين السلطة السياسية والجيش تعود للواجهة مجدداً.
ويرجع التأكيد على عدم مشاركة العسكر أو تدخلهم في السياسة لعدة أسباب :
أولا :-  قلة خبرتهم في هذا الشأن .
فتدخل المؤسسة العسكرية السودانية في العمل السياسي يُضعفها من جانب ، ويضعف ويُكلس الحياة السياسية ويفسدُها من جانب آخر ، ويكمم الأفواه ، ويتم توجيه القرار السياسي بناء على إرادة قادة العسكر .. فالدور الطبيعي للعسكر وقادتهم هو بالدرجة الأولى إهتمامهم بالمهام المنوطة بهم للحفاظ على الدولة وصيانتها من أي إعتداء خارجي ..
ثانيا : التمكين والتشبث بالكراسي
فالجيش يجب أن يكون مستقلاً عن السلطة السياسية ، وإذا ما تدخل في السياسة فلا يُنتظر منه أن يخرجَ منها .. فالتاريخ السودانى يقول والشواهد كثيرة إذا ما تدخل الجيش في الشؤون السياسية يصبح من العسير جداً إرغامه على التخلي عن هذا الدور ، ولن يقبل بتسيبج دوره داخل حدود مرسومة . نظام البشير والنميري  مثالا داما أكثر من عشرين عاما …
وإذا كان لدى رؤية في ذلك ألخصها بالآتي :
 “أنه لا سياسة في العسكرية ولا عسكرية في السياسة ، والرهان هنا على النُخب السودانية ورجال الدولة لا على الثكنات .. فالجيش يجب ألا يتجاوز مجال عمل حدود ثكناته .. فهو لا يستطيع أي كان أن يقوم بدور ليس له أصلاً ، وإن حاول فإنه لن يتقن الدور الجديد ، كما أن كفائته في دوره الأصلي ستُضعِفه بشكل كبير” .
أسوق هذا الكلام في ظل ظروف غامضة تُحيط بنا في سوداننا .. فالعمل السياسي المدني هو أسلوب من أساليب إدارة شؤون الدولة يتطلب في كثير من الأحيان المناورة والتكتل مع بعض الأحزاب ضد أحزاب أخرى ، وهذا يتنافى مع طبيعة وتفكير العسكر .. فتدخّلهم وإبداء رأيهم في أي صراع سياسي سيكون خطراً على الدولة والمجتمع .
طرح العالم السياسي والقاضي الإنجليزي “Samuel Vagner”  أطروحة حول دور الجيوش في السياسة وارتكازهم على عدة مبادىء أساسية وهي خضوعهم للسلطة المدنية الديموقراطية والولاء للدولة ، والإلتزام بالحياد السياسي .. وأشار أن دور الجيش مرتبط بالثقافة السياسية للمجتمع ، ولا بد من تحديد مجال تحركه القانوني خارج ثكناته في الفضاء العام ، وتقنين أدواره الدستورية داخل الدولة والمجتمع ، وأن لا يمارس إلا المهام المقررة له دستورياً.
 “وكل سودانى وسودانية من زاروا أوروبا يستغربوا  وكأن تلك الدول ليس لها جيوش أو عسكر .. فالسياسة عندهم يصنعها المدنيين ويديرها السياسيين .. ومع ذلك نراها دولاً قوية يهابها القوي قبل الضعيف” .
ختاما
وبعد كل تلك الطروحات لدي سؤال : هل يمكن للشعب السودانى أن يحكم من دون عسكر ؟ والجواب هو نعم فالإنتقال الديموقراطي يبدأ بإعادة التوازن داخل بنية الدولة وبين القوى السياسية والمجتمعية ، وإعادة الجيش إلى دوره الطبيعي بعيداً عن المشاركة في السياسة.

تعليق واحد

  1. لكن يا شيخنا إذا كان نخبنا واحزابنا وسياسيين بهذا المستوى الوضيع فمن يستطيع منع الجيش من التدخل وهو الذي يدفع فاتورة الدماء من أفراده.. علينا اولا إصلاح حال المدنيين وسيجد الجيش نفسه مرغما على الابتعاد من السياسة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..