مقالات سياسية

محمود ابوبكر كان تجسيدا للتنوع أرشح “صه يا كنار للنشيد الوطني

على رأي شاعر الشعب محجوب شريف وقيثارة الوطن ووردي لهما الرحمة “وطن حدادي مدادي وما بنبنيهو فرادي” .. وعلى الرغم من ذلك وبمساعدة غباء الحكام  ضاق بمحبيه من المبدعين وأهل الفكر فماتوا غرباء تتقاذفهم طرقات ديار الدياسبورا ..

على هذا الاساس قمت بجولة شعرية في حب الوطن مسترجعا كلام الشاعر الفذ نزار قباني

وهو محب للسودان وشعبه فقد قال متأثرا بالحفاوة والفهم والتقديرلفنه الذي قوبل به خلال زياراته للسودان قال:

“في السودان إما أن تكون شاعرا أو أن تكون عاطلا عن العمل” ..

لقد كتب كثيرا عن الحس والذوق الفني الرفيع لإنسان السودان وعن الحشود التي ملات القاعات والشوارع وعلى الأشجار للاستماع اليه .. وروي انه في احدى زياراته ذهب الى مدينة ود مدني حاضرة الجزيرة وقبل بداية اللقاء تقدم نحوه رجلان كبار في السن أحدهما أكبر من الآخر فقال له الأكبر هذا ابني نزار واخترت له هذا الاسم تيمنا بك وقد كنت متابعا لإنتاجك الشعري منذ البداية ويواصل نزار قائلا أنه قام بعملية حسابية سريعة فوجد أن هذا الابن ولد عندما ظهر للجمهور أول ديوان له ولم يكن معروفا على نطاق واسع فطفق يغالب دموع الفرح وهو يتحدث لهذا الرجل وابنه اللذين تكبدا مشقة السفر من أحدى قرى الريف البعيدة لرؤيته والاستماع إليه .. هكذا كان السودان لذلك هذه أمة تستعصي على الموت فليخسأ هؤلاء البلهاء مشعلي الفتن ..

وتحفيزا  للجوانب الايجابية في نفس الانسان السوداني ضد ما تبثه الحرب في النفوس من يأس وسوداوية وقنوط وجلد الذات وبعيدا عن حماقات الحرب وريبها وتدميرها للبلاد وتشريدها للعباد وغباء من يقودونها لجأت إلى واحة الكلمة والشعر والفن ..

وبدأتُ بما كان يدعوه البحتري بـ “براعة الاستهلال” .. إنها قصيدة تعتبر من عيون الشعر في ديوان العرب القصيدة الرمز “صه يا كنار” التي كتب كلماتها الصاغ محمود أبوبكر حسن أحمد الملقب بالنسر..

لا شك أنه كان شاعرا مطبوعا امتلك الأدوات الشعرية في اعلى مراتبها ويمكن أن يوصف شعره بـ “شعر النفس الممتازة” العبارة النقدية التي وصف بها عملاق النقد الادبي عباس العقاد هذا النوع من الشعر ..

وكنت قد تعرفت على اسرته وقابلت فاطمة مدني زوجته التي اوحت له قصيدة “زاهي في خدرو” التي شدا بها العميد أحمد المصطفى .. عندما لاحظت إحدى كريمات الاسرة اهتمامي الزائد به وبفنه أهدتني مجموعته الشعرية التي احتواها ديوانه “اكواب بابل من ألسنة البلابل” .

وقد وضع لقصيدة صه يا كنار الموسيقار الفذ إسماعيل عبد المعين لحنا عبقريا شدت به مجموعة من رواد الفن العظماء في مهرجان الثقافة وكان أداءً متميزا مازال يأسر القلوب ليزداد تعلقها بحب الوطن ..لذلك ارشح هذا اللحن ان يكون السلام الوطني لدولة السودان ..

يمثل شاعرنا قمة التنوع الذي يتصف به السودان وهي الإمكانيات والميزات التي جعلت من أمريكا قوة عظمى في عصرنا .. يحتضن السودان جميع أنواع المناخات الجغرافية المعرفة .. في الشمال الصحراوي وكلما اتجهنا جنوبا يتدرج الى ساڨنا غنية ثم سا ڨنا فقير مرورا بالوسط نحو جنوب السودان المناخ الاستوائي “قبل حماقة فصل الجنوب”  ولم يفطن الي ذلك قادتنا الاذكياء الاغبياء .. فمن نعمة من نعم الخالق تحول التنوع الى نِقمة من حبائل الشيطان ..

وتجسيدا لهذا التنوع والاتحاد فقد ولد الشاعر في بور جنوب السودان وينحدر والده من قبيلة الحلنقة بشرق السودان ووالدته من تعايشة دافور غرب السودان وترعرت في بيت سلطان قبيلة الدينكا .. وينتسب محمود أيضا الى الوسط بالتعليم حيث التحق بكلية غردون في الخرطوم وتخرج من قسم الإدارة …

اما القصيدة فهي فعلا تعكس في بدايتها براعة الاستهلال التي عناها البحتري .. والبيت الأول يعكس تمكن الشاعر من مفردات اللغة العربية ويقال – والعهدة على الراوي – إن كلمة “الدد” التي وردت في أول بيت هي كلمة نادرة فصيحة لم يستخدمها إلا الرسول الكريم الذي يوصف بأنه افصح من نطق بلغة الضاد حين: ..” لَسْتُ مِنْ دَدٍ ولا الدّدُ منّي“قال عليه افضل الصلاة والسلام

قال مستهلا القصيدة مخاطبا طائر الكنار الذي يقال انه يرمز لصديقه عقيل احمد عقيل الذي حاول اثنائه عن السفر للاشتراك في الحرب العالمية الثانية في صحراء “الكفرة” التي نيرانها كجهنم قال في مطلع القصيدة :

صَهْ يا كنارُ وضعْ يمينكَ في يـدي

ودعِ المزاحَ لذي الطلاقـةِ والددِ

صه غيرَ مأمـورٍ وهـاتِ هـواتناً

دِيَماً تهشّ علـى أَصِـيد الأغـيد

وختام القصيدة يعكس حبه للوطن واستعداده للتضحية في سبيله:

أنا لا أخاف مـن المنون وريبِها

مـا دام عزمي يا كنارُ مُهنَّـدي

سـأذود عن وطني وأهلك دونَهُ

في الهالكـين فيا ملائكةُ اشهدي

ومن مفارقات الزمان واعاجيب القدر ان بلادا وأمة تنجب مثل الصاغ محمود فهو إلى جانب نبوغه في العسكرية شاعر عميق الحس وجنديا وطنيا قمة في الإخلاص للوطن وانسانه ..وقد جسدت حياته الوحدة الوطنية والاحتفاء بالتنوع في الامة السودانية ..  وفي المقابل ينتسب اليها والى جيشها الآن نفر من أبنائها الذين يشعلون الحروب ويبثون الفرقة والشتات ولا يخدمون

إلا أهدافهم واطماعهم الذاتية الضيقة الأفق .. ولله تعالى جلت قدرته في خلقه شؤون وحكمة بالغة في إدارة شؤون الكون والبشر قد تقصر عقولنا المحدودة في ادراكها ..

د. الفاتح إبراهيم

العاصمة الامريكية واشنطن

‫2 تعليقات

  1. أنت تمثلني تماما ليس بسبب الشاعر ولكن صه يا كناري استطيع ان احفظه واستمع اليه و استمتع به ولكن النشيد الوطني لم استطيع ان احبه او احفظه بل اكرهه هو والعلم الما تعرف تفرق بينه وبين بعض الدول العربية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..