مقالات وآراء سياسية

على هامش الحرب

نهى محمد الأمين أحمد 

ربما تكون حرب رمضان ٢٠٢٣م هذه هي أصعب وأفظع ما واجهه السودان كدولة طيلة تاريخه الطويل ، وبالرغم من أن هذا البلد كان دوما موعودا بالحروبات ، وليست ببعيدة حرب الجنوب التي استمرت لعدة عقود ، وحروب دارفور والنيل الأزرق ، إلا أنني أعطيت نفسي الحق في تصنيف هذه الحرب بأنها الأفظع للكم الهائل من الانتهاكات التي ارتكبت فيها ، فهي ليست حربا عادية بأي حال من الأحوال ، فلا يخفى على أحد الخراب والرغبة في الهدم والتدمير التي لازمت هذه الحرب ، من استباحة للمرافق المهمة على رأسها المستشفيات ، والكم من البشر الذين انتهت حياتهم جراء ذلك ، بالإضافة إلى إحراق كل المؤسسات بما في ذلك المؤسسات العدلية من ناحية والتاريخية من ناحية أخرى وهذا يعكس جليا الرغبة في تدمير هذا البلد بتاريخه ونظامه .
وفي جانب آخر استعمار منازل المواطنين العزل بقوة السلاح ، تشريدهم في البقاع ، وتعرض الحرائر للاغتصاب والضرب والإهانة دون أي ذنب أو جريرة .
بعد هذه المقدمة التي اعتقدت أنه لا بد منها ، نعرج إلى الأمر الذي أحببت أن أتحدث عنه ، كما أسلفت ، أضطر الكثيرون للهروب من منازلهم فرارا من خطر الحرب ، بإرادتهم أو بطردهم واحتلال منازلهم من قبل هذه المليشيا الغاشمة التي استحلت الآثام واستباحت الحرمات في سابقة لم يشهدها تاريخ السودان ، ولا حتى قبل دخول الإسلام .
الذين سمحت لهم ظروفهم المادية بالسفر إلى الخارج ، اتجهوا إلى دول الجوار وعلى رأسها مصر لقربها وأنها مألوفة للناس ، وبشكل عام وبالرغم من علمي بأن السياسة لعبة قذرة وأن المحبة بين الحكومات أمر وهمي تحكمه المصالح ، إلا أن مصر بصورة عامة ، حكومة وشعبا قدمت صورة مشرقة في التعامل مع الفارين من أتون الحرب على كثرتهم ، وهذا بالطبع لا ينفي وجود من تعرضوا للمعاملة غير الكريمة ، التنمر والإذلال ، ولكن يمكننا القول أن ذلك يمكن إدراجه تحت بند الحالات الفردية ، في الجانب الآخر ، اختار الأكثرية من الفارين من بيوتهم ، وخاصة المنتمون أصلا إلى الولايات ، آثروا الذهاب إلى جذورهم بالولايات وضرب السودانيون مثلا رائعا في التكافل والتعاضد وفتحت البيوت بكل كرم وشهامة لإيواء القادمين من العاصمة ، وقاسموهم اللقمة واللحاف في تجرد ونكران ذات ، وبالرغم من صعوبة أن تخرج من دارك، دون ذنب ، وتفقد مالك وممتلكاتك في لحظة ، وأن تفقد الأمان والاطمئنان ، تفقد حياتك الهادئة ، عملك واستقرارك ، فهذه كانت فرصة ليتعرف سكان العاصمة على أهلهم في الولايات ، يتعرفوا على نمط حياة مختلف تماما عن العاصمة وإيقاعها السريع ، يتعرفوا على نوع من العلاقات أكثر ، انفتاحية وحميمية ، ينصهروا في مجتمع مسالم ، نقي وبسيط ، مجتمع لم يعرف تعقيدات الحياة العاصمية ، ويتعرف الشباب والشابات على نمط جديد للحياة ، أناس جدد عادات وتقاليد غاية في الروعة واللطف وإن اختلفت بعض الشئ عن تلك التي في الخرطوم .
لا بد أن الخير يكمن في باطن الشر ، وليس هناك أقسى من الإخراج من الديار وذلك مذكور في كتاب الله ، فهذه دعوة للتفاؤل بالرغم من كم الحزن والمرارات ، ومحاولة للنظر للجزء الممتلئ من الكوب وأعرف مدى استعصاء هذا الأمر ، ولكن لا بد أن يأتي اليسر بعد العسر فهذا هو القسم الإلهي ، وسيبر الله سبحانه تعالى قسمه ،،
عن نفسي تجربتي كانت مختلفة فأنا لا أملك أهلا في الولايات الآمنة ، ولم يتسهل لي الذهاب إلى الخارج ، وربما تحدثت عن تجربتي الشخصية لاحقا .
ولكني في ختام مقالي هذا أطلب من الله سبحانه وتعالى أن يطيل عمري حتى أرى بأم عيني انتقامه وقصاصه في كل من أورد هذا البلد وشعبه المسكين مورد التهلكة ،
والدعوة الثانية أن أشهد هذا الوطن وهو يبرأ من جراحاته ، يتعافى وينهض ويعاد تعميره وبناؤه بواسطة المخلصين من أبنائه ، أن أراه في المكانة التي يستحقها بين الدول ، أرجو من الله أن يستجيب لدعائي،،،،

‫4 تعليقات

  1. مصر اشد حقدا وحسدا على السودان بعد الكيزان واذا انت ليس لك جذور في الولايات من اين جاء اجدادك و كيف عرفت عادات وتقاليد واعراف اهل القرى وتوصيفها وهل كنت حضورا في المنافذ المصرية لتلقي الكلام على عواهنة ام تعرفين بما لا تعرفين
    عموما نتفق معك في ان يحفظ الله اهل السودان ولكن ثقي ان الله ينصر من ينصره حتى يغيروا ما بانفسهم والبلد كلها رباء وزنا وفحش وحسد وبغضاء وتنابز بالالقاب شرطة وجيش وامن رشاوى اثناء رمضان وقبل الاذان وعند كل تكبيرة كل الموبقات سمسرة وهرجلة وفهلوة انها القرية الظالم اهلها

    1. شكرا الأخ الفاضل على رأيك، بالرغم من لهجتك الهجومية للغاية، أنا ذكرت أنه لا أهل لي بالولايات الآمنة، لأن أهلي بمدينة الأبيض التي تشهد ذات الوضع الأمني كما الخرطوم،
      وولدت ونشأت بالأبيض، وأعرف عادات وتقاليد الولايات تماما،
      بالنسبة لمصر فهي أفضل بالمقارنة مع أثيوبيا التي أغلقت أبوابها في وجهنا،
      وقد ذكرت في مقالي أن الدول تسعى خلف مصالحها وحري بنا أن نفعل المثل، ولكن مشكلتنا قياداتنا الارتزاقية والضعيفة منذ الاستقلال سواء عسكرية أو مدنية، جميعهم باعوا الوطن وقبضوا الثمن

  2. المعاملة الجيدة والمحترمة هى الحالات الفردية من المصريين ، بعدين معروف سكان العاصمة جذورهم من الأقاليم ويستقبلون أهلهم من الأقاليم للعلاج او الدراسة او العمل فى الخرطوم .. الا من كانت جذوره من مصر او افريقيا الوسطى

  3. انا شخصيا لم استغرب وقوع الحرب لان المتابع للأحداث في السنين الاخيرة كان واضح أمامه ان البلد تتدحرج نحو الهاوية وقد نبهنا مرارا وتكرارا المتخاصمين من كل الأطراف ان لا يودونا في داهية معاهم وان يتعاملوا مع السياسة باعتبارها فن الممكن لكن استهوتهم رفاهية الاختلاف عن قول الحق واستحقوا ان يكتبوا مع الظالمين فلعنة الله عليهم أجمعين.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..