مقالات سياسية

حتى الهواء؟ .. حول وزير القمامة وبيوت الصحفيين

لبنى أحمد حسين

ظن الكثيرون أن حكومة ولاية الخرطوم قد وجدت المكان المناسب و المقام الصحيح لمنتسبها حسن اسماعيل بعد اعادة تدويره من وزير للحكم المحلي بولاية الخرطوم الي منصب يتربع قمة التكليف بجمع القمامة و الحفاظ على البيئة ، غير أني لم أحسن الظن ، ذلك أن مهنة صغير أو كبير الزبالين مهنة شريفة و عمل خدميّ جليل لا يرتقي الى مداركه من باع و خان الرفقاء و دماء الشهداء . أدارة النفايات و الزبالة في يومنا الحاضر تخصص و علم لم يتأهل له الذين رموا بانفسهم في مزبلة التأريخ ، فالزبالون انما ينظفون المدن و البيوت من القازورات و يخلّصون الناس من النفايات ، لهم التحية و الاحترام في كل مكان . . أما حسن اسماعيل و اشباهه من المخلوقات، وحدهم من يأتون بالقاذورات و النفايات و يضعونها امام البيوت .. و بيوت من ؟ زملاء الأمس الذين تقاسم معهم الفول و موية الفول .. يخخخخ تووووف .. أما أكتفيت غدراً و خزياً و بؤساً يا رجل؟

في الايام الفائتات نفذ أهالي الحارات مية، اتنين وتلاتة ستين، تلاتة و اربعة و سبعين ، و المخصص بعضها للصحافيين وقفة احتجاجية للمطالبة بنقل محطة النفايات التي تتوسط بيوتهم بسبب اثارها البيئية و الصحية الضارة ، رئيس مجلس البيئة لولاية الخرطوم، الكاتب الصحفي السابق حسن إسماعيل، قال ان اضرار محطة النفايات لا تتعدى الروائح الكريهة ، و أتهم الصحافيين المطالبين بنقل مكب النفايات بعيداً عن منازلهم ، بأنهم هتافيين تحركهم اجندات سياسية..

الاجندات السياسية لا تحتاج الى ” حارة ” لتحريكها في حارات تجاوز عددها المئة في دولة أصبحت مكباً للنفايات الالكترونية و اشعاعاتها الخطرة و تشرب عاصمتها الماء مخلوطاً بمياه الصرف الصحي. و أما انحصار الاضرار في الروائح الكريهة ، فذلك قول يكذبه العلم و الدراسات كما سنتطرق لذلك لاحقا ً و مع ذلك لنفترض جدلاً انه كذلك ، أيستكثرون على المواطن حتى الهواء النقي ؟ حمدنا الله و نحمده أن الهواء لا يمكن احتكاره و لا يمكن فرض رسوم و جبايات عليه و الا لمات ملايين البشر اختناقاً في عهد البشير ، و الامر كذلك لابد للساسة الساديين من وسيلة لتكدير المواطن و تعكير الهواء و الماء بالزج بمحطة للزبالة بين بيوتهم.

حسب افادات و معلومات أفادني بها زملاء اعزاء من سكان الحارة 100 فان محطة النفايات التي تستقبل وارد محليتي امدرمان و كرري تبعد عن اقرب بيت بحي الصحفيين حوالي 300 متر و عن مخططات المدارس بحوالي 360-400 متر. بينما تبعد عن المركز الصحي و المسجد ب 530 متر.. و الخلاصة أن محطة النفايات تتوسط بيوت و مدارس و مشافي السكان.

المخاطر البيئية و الصحية لتوسط و وجود محطة للنفايات بين المناطق السكنية في دولة مثل السودان خطيرة ، ليس اولها التأثير على النظام الحيوي في المنطقة التي تتجمع فيها النفايات عبر اجتذاب القوارض والحشرات التي تتكاثر و تنتشر بسرعة لتعم كل المنطقة و جميعها تنقل الجراثيم للبشر . مروراً بالبيئة الحاضنة للطفيليات و غيرها من كائنات مرئية و غير مرئية . و ليس آخرها مخاطر انبعاث الغازات من محطة النفايات مثل غاز الميثان وثاني أكسيد الكربون و دور الاخير في تلويث الهواء و التسمم . خطورة الاجراء ليس في اضرار البيئية و الصحية و المرورية على السكان فحسب ، انما تتعداه الي اجهاض الدور التوعوي المعقود للصحفيين القيام به و الذي تعوّل عليه منظمة الصحة العالمية و البنك الدولي في نشر الوعي وإشراك الناس في عملية تنقية الهواء وتحسين صحة الإنسان ، فكيف يجرؤ الصحافيين لتوعية آخرين باهمية الهواء النقي و انفسهم يتنفسون هواءاً فائض بغاز الميثان ؟ أما عن الاضرار الصحية فأسألوا أهل العلم عن علاقة النفايات بالزئبق و بالديوكسينات والفيورانات المسببة للسرطان لدى البشر . هذا عدا خطورة حركة سير عربات و مقطورات النفايات اليومية علي حياة السكان و اطفالهم . هذا اذا غضضنا الطرف عن تشوية المنظر و الروائح الكريهة.

حتى عهد قريب، كانت الطريقة التقليدية للتخلص من النفايات الصلبة تتمثل في جمعها و نقلها ثم حرقها. تطور عالمياً مفهوم التخلص من النفايات الصلبة على مدى العقود الماضيات، وبدأ التركيز على تخفيض إنتاج النفايات ابتداء وإعادة تدوير النفايات الممكنة لإعادة استخدامها أوإنتاج الطاقة و السماد العضوي وغيرهم.

محطات النفايات المغلقة، و المحاطة بالخضرة و الورود من كل جانب، والصديقة للبيئة موجودة وسط المدن في عدد من دول العالم لكن من يتبناها مضطر لها لاسباب اقتصادية أو بسبب مساحة الارض المتاحة له، السببان لا ينطبقان على حارتنا المية . فاالمحطة التحويلية هي مرحلة وسطية بين مواقع و براميل القمامة التي يتم تجمعها من الشوارع و الاحياء وبين مكب القمامة . و هي موقع يتم تجهيزه لاستقبال المخلفات الصلبة قبل تحميلها على حاويات كبيرة مقطورة تتولي ايصال المخلفات الى المكب. و تنشاء المحطة التحويلية لسبب اقتصادي عندما تكون المسافة بين المحطة التحويلية والمكب اكثر من 25 ? 35 كيلومتر و حي الصحفيين اصلا ليس ببعيدا عن المكب ، فما معنى و جدوى المحطة ؟ و لا جدوى اقتصادية من المحطة التحويلية اذا كانت تكلفة التفريغ في بالمحطة التحويلية ثم النقل الي المكب أغلى من الترحيل المباشر للنفايات من مواقعها بالاحياء الى المكب.

أما السبب الثاني المتعلق بمساحة الارض المتاحة ، فالمحطات اما ان تكون مفتوحة في الهواء الطلق او تكون مغلقة على شكل هنجر او تحت الارض و هذه قد تكون قريبة من المناطق السكنية و هي اعلى تكلفة و تتطلب نظافة و عناية فائقة و أجهزة استشعار حساسة لقياس و السيطرة على غاز الميثان في الهواء و غيره ، في تلك الدول توجد اجهزة تنظيف و رش آلية للمحطات التحويلية و ما حولها ، بل و للطرقات التي تسير فيها عربات القمامة .. أيوجد هكذا في الحارة مية؟ المؤيدون للتجربة و ليس فيهم من يسكن المنطقة ، يحتجون بانها تقنية معمول بها و مجربة في دولة صناعية متقدمة مثل اليابان ، نعم ، هذا خيار يناسب الدول الصناعية و محدودة المساحة ، اما السودان فأن اتساع اراضيه و سخونة شمسه تجعل خيار المحطة المفتوحة البعيدة عن مناطق السكان هي الانسب و الارخص – حال جدوى و ضرورة المحطة التحويلية ابتداءاً – لان الشمس و البعد الجغرافي عن المساكن كفيلان بتقليل الاضرار البيئية و الصحية الناجمة ، و في السودان ليس هناك حاجة و لا ازمة في الارض تجبر على ” استضافة ” محطة للنفايات بين المساكن و لا وفرة في الطاقة تدعو لاستبدال ما يجففه هواء الله و شمسه ببلاش بما تفعله الماكينات بالكاش . انه كمن يتيمم في وجود الماء ، اللهم الا ان يكون الموضوع مأكلة و عقاب لمن يريدون تنفس الحرية ، فليشموا العفنة.

خطورة الاجراء ليس في اضرار البيئية و الصحية و المرورية على السكان فحسب ، انما تتعداه الي اجهاض الدور التوعوي المعقود للصحفيين القيام به و الذي تعوّل عليه منظمة الصحة العالمية و البنك الدولي في نشر الوعي وإشراك الناس في عملية تنقية الهواء وتحسين صحة الإنسان ، فكيف يجرؤ الصحافيين لتوعية آخرين باهمية الهواء النقي و انفسهم يتنفسون هواءاً فائض بغاز الميثان ؟
[email protected]

تعليق واحد

  1. هذا المخلوق تمت أعادة تدويره ولبسوهو الطرحه وشيلوهو شوال القمامه فى راسو

  2. هذا المخلوق تمت أعادة تدويره ولبسوهو الطرحه وشيلوهو شوال القمامه فى راسو

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..