مقالات سياسية

قصة أصحاب الحافلة

علاء الدين الدفينة

مهدي أحمد عبدالله (ود الافندي) من رجال رفاعة النبلاء… كان في طريقه من القضارف نحو رفاعة مستقلا احدى الحافلات السفرية… على متن الحافلة امرأة يتوكأ على ساعدها زوجها المريض ويستند على كتفها وهو في لحظاته الأخيرة… الموت يخيم على الحافلة والوجوم يسيطر على الركاب…الزوج ذهب للقضارف باحثا عن غسلة واحدة لكليتيه المصابتين بالفشل الكلوي…لكنه لم يتوفق فقرر وزوجته العودة لمنزلهم… وكان الموت اسرع من كل شئ واريح له من كل استطباب الاطباء ورهق المستشفيات وعجز الوزراء والوزارات…. صعدت روح الزوج في الطريق بالقرب من قرية الدباسيين… قرر الركاب التوجه للقرية واستئذان اهلها في دفن الميت.

طرقوا احد الأبواب واخبروا اهل الدار ان بالحافلة رجل قد انتقل لربه وانهم يريدون ان يغسلوا الجثمان ويكفنوه ويحنطوه ويدفونه في أرض ليست ارضه ووسط اهل ليسو اهله… وان يجعلوا له قبرا كقبر حرب بمكان قفر وليس قربه قبر… وان يصبح قبره كقبر ليلى العامرية لو شهدوه اعولت عليه نساء من فصيح ومن عجم… وان تثكله الثاكلات وتنوحه النائحات بان صاحبه غريب على ارضه حيث لا خال لديه ولا عم… وان صاحبه قد غابت حين موته ودفنه أمه وخالته والحافظون له الذمم.
…….

تنادى أهل القرية وتجمعوا واكرموا وفادة الوافدين… غسلوا جثمان الغريب وحنطوه وكفنوه وحملوه على أربع وحفروا له قبره ودفنوه.
ثم اقسموا على الأهل الغرباء عن بعضهم والغرباء عن القرية والغرباء عن الزوج والزوجه والغرباء في وطنهم عن وطنهم ٫اقسموا عليهم بالمبيت… وذبحوا لهم (الكرامة) واكرموا وفادتهم… وعزوهم في المصاب والمصائب واعزوا مقامهم.
وعند صبيحة اليوم الثاني زادوهم كرما بلسان اخوي أخوي مفاده (ونمير اهلنا) ونزيدهم في الكرم كيل بعير.
وجمعوا من المال مبلغا طيبا وضعوه (غمته) في يد الارملة لتستعين به على الحياة.
ذاك ما كان من شأن اصحاب الحافلة مع مضيفيهم المضيافين في قرية الدباسين.
وهو حال الارملة مع أهلها الجدد في وطنها الجديد (الحافلة) وشعبها الجديد (ركاب الحافلة).
……

عاد مهدي أحمد عبدالله ود الافندي لرفاعة وهو يحمل هذا السفر الرباني… الواح ابراهيمية موسوية عيسوية محمدية… عاد لنا بما هو بين ايديكم يصبرنا على تحمل جهل الجهلاء وسفاهة السفهاء وطمع الطامعين من أصحاب التسع وتسعين نعجة.
عاد ليتلقى ردا على ما رأى وعايش وبشر به صاروخين لا هدف لهما إلا القضاء على القضاء ولكن هيهات.
……

المجلس الشعبي الذي كونته رفاعة هدفه الاساسي مثل هذه الحالات… هدفه إلا نعايش آلام ذاك الواقع… وان مرت بنا فهدف المجلس ان نتصدى لها بقلوب اهل الدباسين وروحهم ولطفهم وحسن خلقهم.
…….

يجئ ردنا على الغارة الجوية التي استهدفتنا في رفاعة بوحدة وتضامن اجتماعيين لا تراجع عنهما كخيار استراتيجي يحقق وجودنا ووجود مجتمعنا واهلنا…. وحدة اساسها ان نستمر في الوجود متمتعين بحقنا في الحياة والأمن والصحة والتعليم.
هذه الوحدة سنجسدها في التفافنا حول المجلس الذي كونه اهل رفاعة وقرروا ان يدفعوا به للامام حتى يحقق لهم الحد الادنى من ضروريات الحياة.
……

ان صح ما يدور من حديث في المدينة بان الغارة الجوية التي استهدفت حي السناب كان المقصود بها شيخ العرب الشيخ عبدالاله ابوسن لانه الاب الروحي لمجلس رفاعة الشعبي الذي حقن الدماء وحفظ العروض فإن ردنا هو ما قاله الاوائل حينما اختطف الموت الشيخ عوض الكريم ابوسن: ( اندخر ليك يا الموت العينك في الكلاب وبتشيل في السناب).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..