مقالات سياسية
نظرة في الفكر السياسي للبجا

مقدمة
فكرة هذا المقال تعتمد على البحث في جملة من القضايا السياسية والاجتماعية للحراك البجاوي السياسي . في هذا المقال سوف اقوم بطرح عدة مواضيع كلها متشابك تحوم حول قضية التوجه السياسي للبجا في ظل الحكومات السودانية للشعوب السودانية المختلفة ونظرة المواطن البجاوي للسياسة العامة في الوطن السوداني ونظرة المواطن السوداني- البجاوي للسياسة العامة تجاهه في الوطن ونظرته إلى السياسي البجاوي الذي يمثله في الوطن وايضا نظرة السياسي البجاوي إلى الدولة السودانية وفكرته عن كيفية الوصول إلى حل يرضي مواطنه البجاوي الذي يمثله في الدولة . كل هذا في إطار التوصل إلى مفهوم أعمق لشعار بجا دولة وما الذي قد يعنيه حقيقة اولا قبل ان نتطرق إلى تفنيد مقدمة المقال علي ان أبدأ بتوضيح مهم قد يفيد القارئ في معرفة ما قد يمر به من اختلاف في طريقة الحكم على الشخصيات في المجتمع البجاوي ولهذا مدخل مهم وهو ان شعب البجا الموجود الآن ومنذ عصور قديمة يعيش كقبائل متجانسة لغويا إلى حد كبير وذات دين واحد وارض مشتركة بدون حاكم مسيطر ممتد الملك تاريخيا وجغرافيا إلى تاريخنا الحديث الذي سيكون بداية ميلاد الدولة السودانية الحديثة ما بعد الاستقلال يعتمد البجا نظاما للحكم الشبيه بالكونفدرالية في ادارة نظام الحكم بين مجموعة القبائل التي تكون البجا وتجاورها وتصاهرها . ونظرا لعدم وجود مركزية تحكم كل هذه القبائل، تطور النظام القضائي والتحاكمي العرفي بين القبائل لما يعرف بالسلف والمجلس وهو مجموعة من القوانين غير المكتوبة والتي تعتمد على القبول بالخطأ والاعتراف بالجرم من قبل الجاني مع ضمان تخفيف العقوبة وتحويلها من عقوبة جنائية مثل الحدود الشرعية او الجزاءات القضائية إلى عقوبات مالية عينية وذلك لعدم وجود سلطة مركزية يمكن أن تطبق عقوبات حدودية مدنية او شرعية ادى هذا الوضع الكونفدرالي القبلي إلى بلورة النفسية البجاوية تجاه الجاني والمجني عليه بإعتبارهم ضحية لأخطاء يمكن تجاوزها بالعرف وعدم الحكم على الجاني بحكم شخصي كسارق او معتدي مجرم او خائن ، هذا النظام المتميز الغريب سيكون له تأثير في طريقة الحكم على الأفراد والسياسيين ووجهاء القبائل فيما بعد ، وقد شرحت هذا الامر فقط لإيصال فكرة قد يستغربها القاريء فيما يأتي التوجه السياسي لشعب البجا مثل كل الشعوب السودانية منذ استقلال السودان في العام ١٩٥٦ بدأت فكرة التوجه السياسي لدى مثقفي البجا يساندهم مجموعة من القادة الاهليين واعيان المجتمع البجاوي آنذاك وكانت الفكرة تتمحور حول طريقة حكم السودان كدولة وكيفية وجودهم داخل هذا التكوين عن طريق تكوين حزب سياسي مهمته المدافعة عن حقوق شرق السودان جغرافيا بإسم البجا الشعب الذي يعيش فيه بأغلبية ساحقة توجه المثقف السياسي اسم مؤتمر البجا هنا علينا أن نتوقف ونتحرى عن طبيعة اسم الحزب ورمزيته للحراك السياسي البجاوي مستقبلا، ولكن علينا أن ندقق في مدلول الاسم نفسه وهو بطبيعته يدل على الخصوصية الشعبية الثقافية والانسانية وليس لديه رمز جغرافي ضمني ولكن ليس لديه مدلول وطني شامل للسودان مثل حركة تحرير السودان او الحركة الشعبية لتحرير السودان و ايضا ليس لديه مدلول عن انتماء ذا بعد انساني وديني مثل حزب الأمة والحزب الاشتراكي، و يدل هذا على ان تسمية الحزب و تعريفه بأنه( مؤتمر البجا) بدون تذييله بأجندة مثل تحرير او جبهة او حتى ربطه أيدلوجيا مثل الاشتراكية والانبعاث يجعل اجابة اول الاسئلة نحو التوجه السياسي العام للشخصية البجاوية سهلة جدا وذاتية التفسير وهي أن السياسي البجاوي ومعه مواطنه يرون ان لا شأن لهم ببقية السودان وكيفية حكمه وليس لهم أي طموح للوصول إلى سلطة مركزية اتحادية ويقتصر توجههم السياسي على الشرق والشعب الذي يعيش فيه ، يتضح هذا الأمر ايضا في نوعية اهداف الحزب الذي وضع نفسه في خانة المطلبية الخدماتية التي تعتمد بالاساس وجود دولة لا يكون هو جزء من منظومة حكمها الاتحادي والاقتصار المطالبة بالحكم الفيدرالي الذي يظن ان سوف يمنحه السلطة على الإقليم الشرقي تحت مسمى تظلمات البجا التاريخية من خلال ماسبق يتضح للقاريء ان التوجه السياسي للسياسي البجاوي يقتصر على المطلبية الخدماتية لمنطقة جغرافية بعينها عبر عباءة اسم شعب البجا ليزيد من خصوصية المطالب وتعيينها والمطالبة بالحكم الفيدرالي لإقليم شرق السودان ، وهذا مهم لأنه سيكون لهذا التخصيص والتعيين تأثير تسهيل لشرح الفصل القادم توجه الشارع البجاوي السياسي صقلت تجارب مؤتمر البجا الفكرة العامة للشارع البجاوي مع عدد مقدر من العوامل الاخرى منها حركات التحرر في دول الجوار مثل ارتريا وجنوب السودان وغرب السودان وجبال النوبة كلها اثرت في تكريس فكرة أن شعب البجا ليس بعيدا عن المطالبة يمكنه ان ينفصل عن السودان او على اقل تقدير يمكنه التفكير في أن الانفصال متاح اذا توفرت بعض العوامل ، وهذه الفكرة نفسها أدت إلى خلق شعور آخر بالإقصاء عن المركز مع العلم ان مقفي البجا لم يحاولوا معالجة قضية نظرة الشارع التي زرعوها فيهم أن المركز وتحديدا نخبة الشمال والخرطوم تخصيصا هم عدو سارق للأموال والثروات والوظائف واضافة إلى ذلك هم نخبة متعالية متغطرسة . مع ان السياسي والمثقف البجاوي في كثير من الأحيان قد يكون أقرب إلى هذه النخبة الخرطومية المتغطرسة منه إلى رجل الشارع البجاوي . إذن يجد القارئ أن الشخصية العامة البجاوية في كل مكان تتبنى فكرة السياسي البجاوي في ما يسمى الظلم والتهميش كفكرة عامة عن وجوده في السودان وتغول بعض المجموعات من مناطق جغرافية محددة على ثروته و مستقبله . خطورة هذه الفكرة التي نشرها السياسي بدون معالجة جوانبها الاخرى وتفصيلها وتوضيحها انها جملة مطالب تتعلق بطريقة الحكم وتقسيم الثروة ، خلقت فجوة بين المواطن البجاوي وبين الحكومة المركزية والاقليمية في كل الشرق وجعلت الشخصية البجاوية تقع في هاجس الاستهداف المستمر حتى مع وجود امثلة كثيرة جدا للنجاحات لشخصيات بجاوية من الجنسين في كل المجالات مازالت فكرة عدم المساواة موجودة في العقل الباطني البجاوي وإن سلمنا بأن جزء منها حقيقي في بعض المناحي فلا يمكن ان نسلم ان كل انواع الفشل وعدم التوظيف او المنافسة في العمل العام ان يكون مرده – تهميش النخبة الخرطومية المتغطرسة – ومعالجة هذا الأمر تقتضي معالجة للخطاب السياسي للمثقف البجاوي حين طرح رؤيته للمجتمع وشرحها جيدا وتبيين الفرق بين الأطروحة السياسية لمعالجة قضية شاملة و فكرة زرع رهاب وسواسي يسيطر على الشارع البجاوي ويجعله يظن ان هناك قوة خارقة تجره نحو الأسفل و ان لا حظ له في الدولة او الحياة حتى يكتمل مشروع السياسي . بجا دولة .. لا ادري حقيقة متى بدأ هذا الشعار في التداول كشعار متاح ببساطة للعامة وهو يرمز إلى السقف الأعلى من المطالب لأي امة او شعب وهو تكوين دولة . وهي دعوة صريحة بالانفصال نحن لا نعرف وقعها على السامع من الطرف الاخر ، مثلا حين تردد بجا دولة داخل ولاية البحر الاحمر ما هي الرسالة التي نرسلها إلى مواطن سوداني اخر قد يكون جارك او زميلك في العمل او حتى إلى الأجهزة الأمنية والاستخبارية والعسكرية وحتى على المثقف والسياسي من الجهة الاخرى ماذا تتوقع ردة الفعل من الآخر ؟ للاهمية انا لا ادعوا لتكبيل التعبير فكل شخص له الحرية في ان ينادي بما يشاء ، فقط أحاول البحث عن إجابة من المثقف و السياسي في تحمل تبعات الخطاب الرنان المثير للعواطف والذي يرفع سقف المطالب إلى أقصاها في وقت لم يحصل هو على أقلها اظن ان على المثقف والسياسي البجاوي ان يعي مخاطر الخطاب الأجوف الذي يزرع الشك والريبة وفي نفس الوقت ليس لديه الفاعلية والقدرة لتحقيقه حاليا على الاقل . التنافر المعرفي cognitive dissonance التنافر المعرفي حالة توصف بجمع الشخص لفكرتين متنافرتين في الأصل والمبدأ وقد تشمل الدين و العرف وحتى السلوك . وهي حالة طبيعية في كثير من البشر وآلية قبول وتأقلم تنتج لأسباب كثيرة منها الضعف في تحديد الاتجاه ولكن اهمها هي الية لعدم خلق اشكاليات وتعقيدات في حياة الانسان لمواجهة واقع لا يستطيع تغييره هذه الحالة من التنافر هي أساس في نظرة المواطن البجاوي للسياسي والمثقف والوجهاء والأعيان وقد خلقتها حقيقة ذكرتها سابقا في الاحتكام والتحاكم القبلي بين العشائر ضمن قوانين المجالس العرفية وتعطي هذه الحالة الية للشخص البجاوي في تجاوز أي خطأ يقع فيه السياسي بدون الاتجاه إلى المحاسبة والعزل مهما تكررت الاخطاء والجنايات ويتم عن طريقها قبول فكرتين متناقضتين ان السياسي مخطيء إذا اخطأ في التقدير ولكن يمكن تجاوز خطأه باعتبارات قبلية وعرفية فور اعترافه بالخطأ ولو كان اعترافا ضمنيا غير صريح الخفير القديم والحديث يجتمع البجا في ادبياتهم على أنهم حماة بوابة السودان الشرقي ويبدأ هذا السرد من عصور قديمة جدا تحتمل الخطأ او الصواب ولكن اهم هذه السرديات التي يفخر بها البجا انهم حماة السودان المهدي عبر عثمان دقنة ويفاخر البجا انهم من هزموا الانجليز وهذه حقيقة تدعوا للفخر دون شك . المشكلة في هذه السردية ان البجاوي لديه حالة التنافر المعرفي في هذه الحالة ايضا فهو ينظر إلى نفسه حاميا للسودان ومع ذلك ينكفيء على نفسه سياسيا وينحصر فقط في حدوده الجغرافية مخصصا مطالبه لجغرافية صغيرة ضمن الجغرافيا التي يفخر انه هو من حماها تاريخيا . بمعنى انه يكتفي بدور المتفرج إلى المركز وينتظر هجوما خارجيا حتى يؤدي وطيفته وهي حماية البوابة الشرقية وقد رأينا مثل هذه الحالة تتكرر في رفض السياسيين البجا والمثقفين لأي تدخل دولي خارجي (استثماري) في ساحل البحرالاحمر وكان الشعارالمرفوع ان البجا هم حماة البوابة الشرقية ولن يسمحوا لاحد من (الخارج) بالدخول عبرهم هذا كله يدور في وقت لا يجد فيه السياسي والمثقف الا ان يستجدي من المركز (المتغطرس) بعض الوظايف هنا وهناك ، لذا ترى حالة من التنافر المعرفي في قبول فكرة وجود شخص مسيطر من المركز وايضا عدم قبول شخص او شركة من الخارج بحجة حماية البوابة . الحقيقة ان هذه النفسية خلقت في البجاوي مشروع خفير لحقوق المركز فهو يفخر بأنه يحارب لحماية موارد السودان ولكنه يعجز في المحاربة من أجل حقوقه هو شخصيا الخلاصة هناك مجموعة افكار شكلت الوعي الثقافي السياسي البجاوي عند نخبة المثقفين والاعيان وهي الانحصار في المطالبة الخدماتية مع عدم التطرق للموضوع الاهم وهو وجود البجا ضمن الدولة نفسها وكيفية حكم السودان وتحديد موقفهم من المركز هل نريد ان نشارك في حكم السودان ام اننا نريد حكم جغرافيا البجا فقط ؟ هنا يمكن الفرق بين الوعي السياسي لحركات الكفاح الشعبية السودانية الاخرى، انهم يريدون حكم السودان من المركز والمشاركة في تشكيله بحيث يكون لهم نصيب مكتمل من الدولة أما نظرة البجاوي تكمن في حكم جغرافيا البجا بدون التطرق إلى المشاركة في حكم السودان من المركز وهذا يعيدنا إلى التسميات الحراكية الشعبية وتأثيرها مثل مؤتمر البجا وهو اسم لعشرين حزب تقريبا المجلس الأعلى لنظارات البجا وهم اثنان يحملان نفس الاسم . اذن على المثقف والسياسي البجاوي قبل أن يبدأ مشروعه عليه الاجابة بصراحة عن الاسئلة ماذا يريد من الدولة السودانية ؟ هل يريد أن يكون خفيرا للبوابة الشرقية وأن يطالب الدولة بالوظايف والتنمية ام ان هناك مشروع حقيقي لشعار بجا دولة في أدبيات السياسي . السؤال الثاني ماهي آليات هذين المشروعين ؟ هل المطالبة بالحقوق ممكنة بدون استجابة الطرف الآخر ؟ هل تقديم الولاءات والفوز يرضى جهة مثل عسكر المركز على مدنيي المركز او بالعكس هو انسب طريق لنيل الحقوق؟ ام عليه ان يبحث عن الية متفردة يتم الضغط بها على الجميع ؟ اخيرا حاولت ان اقدم نظرة عامة لتقريب القارئ من طريقة التفكير البجاوي في السياسة العامة ومحاولة لطرح اسئلة عن مشروع السياسي والمثقف البجاوي ونظرته للدولة السودانية وحقوقه ضمن هذا التكوين وفتح باب اكبر للأسئلة في كيفية التعامل مع المثقف والسياسي والشارع مع بعضهم البعض الامين موسى محمد الحسن