حوارات

الحلقة الأولى من الحوار الذي أجرته معي صحيفة “إدراك”

د. النور حمد

ماهى رؤيتك التحليلية لإزدواجية المعايير فيما يتعلق بالانتهاكات المصاحبة للحروب فى السودان؟

الانتهاكات والتجاوزات سمةٌ ملازمةٌ لجميع الحروب ، ليس في السودان وحده وإنما في كل أنحاء العالم وعبر كل العصور المختلفة. وأسوأ الحروب هي الحروب التي يشعلها طرف ما على طرف داخل البلد الواحد ، وهي ما تسمى بالحرب الأهلية. هذه الحروب التي تجري داخل البلد الواحد تفتح أوسع الأبواب للانتهاكات. وعمومًا ، فإن الحرب تعني ، من الناحية العملية ، تقويض حكم القانون. فالحروب والتوترات والاضطرابات الداخلية يصحبها عادةً ، وفي أحسن الحالات ، إعلان لحالة الطوارئ. وإعلان حالة الطوارئ تعني تعليق حكم القانون وإخضاع كل شيء للتقديرات العسكرية. تمنح حالة الطوارئ الفرد العسكري سلطات تقديرية تصل حد إطلاق النار، وفقًا للتقديرات الميدانية لذلك الفرد ؛ سواءً كان من قوات الشرطة أو قوات الجيش أو من الأجهزة الأمنية. كما تمنحه ، أيضًا ، حصانةً من المساءلة القانونية ، لا يجدها عادةً حين يكون حكم القانون قائما.

الحرب بهذه السمات التي ذكرناها تفتح الباب واسعًا للتجاوزات ، بما في ذلك القتل غير القانوني والاغتصاب والنهب ، وغير ذلك. لذلك من يشعل الحرب عليه ألا يشتكي إطلاقًا من الانتهاكات والتجاوزات. لقد أشعلت كتائب الإسلاميين الحرب لضرب قوات الدعم السريع لأنها وقفت مع الاتفاق الإطاري ، وهذا ما أثبتته إفطارات رمضان المصورة والموجودة على تطبيق يوتيوب. لكن ، بسبب سوء التقدير وعدم التحسب للعواقب فشلت خطتهم للحرب ، وأصبحت البلاد برمتها في كف عفريت.

لو نظرنا إلى التسليط الكثيف للضوء على انتهاكات قوات الدعم السريع فإننا نجده تسليطًا انتقائيًا أحادي الجانب ، لا يتعدى كونه جزءًا من بروباغندا الحرب التي تقف وراءها الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن ، يعاونهم في ذلك أُجراؤهم من إعلاميي النظام البائد. لكن ، ما من شك أبدًا أن قوات الدعم السريع قد قامت بانتهاكات واسعة النطاق. وبعض هذه الانتهاكات مصورٌ ومنشورٌ، ولا يستطيع أحدٌ إنكار ذلك. بل ، إن قيادة الدعم السريع، نفسها ، لم تنكر وقوع تلك الانتهاكات.

لكن ، في المقابل ظل الجيش السوداني يمارس نفس هذه الانتهاكات منذ الاستقلال وإلى هذه اللحظة. ولو بقي الجيش بصورته الراهنة وبقياداته الراهنة فسوف يواصل في نهج الانتهاكات هذا ما بقي ممسكًا بالسلطة ، فهو ليس جيشًا مهنيًا احترافيًا. لقد تحول الجيش السوداني منذ أن قام الإسلامويون بانقلابهم على النظام الديمقراطي في عام 1989م ، إلى مليشيا تخدم تنظيمًا عقائديًا تقوم عقيدته ، في الأساس ، على ألا بأس أن يقتل المرء مخالفيه في الرأي. فحرب الجنوب ، على سبيل المثال ، التي اشتعلت عشية الإستقلال ومُورس فيها قتل المدنيين الجنوبيين على نطاق واسع ، حوَّلها الإسلاميون حين جاءوا إلى السلطة بالانقلاب في عام 1989م إلى حرب بين المسملين والكفار. وقد شهدت حرب الجنوب انتهاكاتٍ مروعةً على مدى عقود ؛ شملت حرق قرى المدنيين برجالها ونسائها وأطفالها. كما شملت اغتصابات لا عدَّ لها. وقد جرى نفس الشيء في دارفور وفي جبال النوبة وفي النيل الأزرق على مدى سنوات عديدة. وجرى في بعض تلك الانتهاكات محو مئات القرى ، بأكملها ، من الوجود تمامًا ، وهذا موثق بصور الأقمار الصناعية.

أما مؤخَّرًا جدًا ، بعد أن استعاد الجيش الجزء الشرقي من مدينة أمدرمان القديمة ، فقد تواترت الأنباء حول قيام أفراده بنهب البيوت في أحياء ودنوباوي والعمدة والقلعة والركابية والمسالمة وأبوروف وغيرها. بل وأنشأ أفراد الجيش سوقًا علنية للمسروقات في موقف صابرين للمواصلات في محلية كرري. وأيضًا مثلما نهبت قوات الدعم السريع سيارات المواطنين بغير حق، نجد أيضًا أن والي النيل الأبيض أمر قبل أسبوعين تقريبًا سكان ولايته الذين يملكون عربات ذات دفع رباعي بتسليمها للجيش! فعلى أي قانون استند هذا الوالي سوى قانون الحرب الذي يعني اللاقانون؟ ما قام به والي النيل الأبيض انتهاكٌ وتجاوزٌ لا يختلف عن ذاك الانتهاك والتجاوز الذي جرى من قوات الدعم السريع. ولا سبيل هنا لاستخدام معيارين ، لأن المعيار واحدٌ وهو مخالفة حكم القانون في الحالتين.

لقد سبق أن قلت في تسجيلٍ راج كثيرًا في وسائط التواصل الاجتماعي ، أن الجيش الأمريكي على ترابط وحداته وتماسكها وحداثة أجهزته الإلكترونية التي تربط كل جندي بمسلسل التراتبية القيادية ، حدثت منه انتهاكاتٌ مروِّعةٌ في العراق. وقد حدثت منه مثل تلك الانتهاكات في أفغانستان ، ومن قبل ذلك في حرب فيتنام. ففي العراق نهب الجنود الأمريكيون المتاحف وبيوت الناس ، كما جرت انتهاكات للأعراض. ووفي الحرب العالمية الثانية ، في الفترة ما بين 1932م و1945م ، أجبر الجيش الياباني 200 ألف إمرأة في الصين وكوريا والفلبين وغيرها من مناطق شرق آسيا على أن يصبحن مستعبدات لممارسة الجنس مع الجنود فيما سمي معسكرات الاغتصاب. وهي معسكرات هيأها وأشرف عليها الجيش الياباني لراحة جنوده. وقد تقدمت اليابان بالاعتذار عن هذه الفظائع لكلٍّ من الصين وكوريا والفلبين.

الشاهد في كل ما تقدم ، أن على من أشعل الحرب ألا يشتكي من التجاوزات والانتهاكات. وقديمًا قال الشاعر زهير بن أبي سلمى:

وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ

من يرد إيقاف الانتهاكات ، عليه أن يوقف الحرب ، بدل أن يتحدث عن الانتهاكات ، لأنه لم توجد قط حربٌ نظيفة ؛ في أي زمان وأي مكان. فسبي النسار ظل يجري في مل الحروب ، بما في ذلك الحروب الإسلامية. ولا يعني استمرار الحرب ، ومن ثم استمرار ذوبان سلطة القانون ، سوى الاستمرار في الانتهاكات وفي كل أنواع الفظائع التي تتبع الحرب ، وعلى رأسها موت الناس بالسلاح وموتهم جوعًا ورهقًا ، وبسبب الأوبئة ، بل وبسبب الضغوط النفسية الهائلة التي تفوق طاقة البشر على الاحتمال.

هل يمكن أن تقود تداعيات الحرب إلى تحقيق سلامٍ مستدامٍ يصبح قاعدة لبناء مشروع الدولة السودانية؟

تاريخنا السياسي ، بمجمله منذ الاستقلال ، كان يشير إلى أن هناك حربًا طاحنةً قادمة. كل المبصرين المدركين كانوا يعرفون ذلك. وقد نبهوا إلى خطورة اندلاع حرب شاملة كانت كل الممارسات السياسية الخاطئة تشير إلى أنها قادمة ، لا محالة. وذلك ، بسبب تطاول الفعل السياسي المضطرب ، كليل البصيرة. لقد كانت الحرب تدور في الأطراف البعيدة من المركز. وكانت الانتهاكات الفظيعة تجري ، منذ الاستقلال. لكن أهل الوسط والشمال لم يكترثوا لما ظل يجري عبر كل تلك العقود الطويلة. ولم ينتبهوا إلا بعد أن زحفت الحرب من الأطراف واشتعل أوارها في المركز ومحيطه.

هذه الحرب كانت ضرورية لكي تتغير بنية الوعي وسط قطاعٍ عريضٍ من العسكريين ومن السياسيين وكذلك من المواطنين ، لكي ترتفع درجة الحساسية والتعاطف لديهم مع من ظلَّوا يكتوون بفظائع الحرب لعقودٍ طويلة.

أيضًا ، كسرت هذه الحرب شوكة العنف التي استند عليها الإسلامويون في إبقاء السلطة في أيديهم وإقصاء جميع من عداهم عنها ، حتى أضحوا مثل الضيوف في بلادهم. من يستقوي على العزل باستخدام العنف سيواجه حتمًا من هو أقوى وأعنف منه. وهذا ما حدث لصلف الإسلامويين وطغيانهم وتجبرهم. أشعلوا الحرب فمرغت الحرب أنوفهم في الرغام وفضحتهم وسط السودانيين وعلى مستوى العالم.

عمومًا ، كل فترات السلم الراسخة التي نعمت بها الكثير من الشعوب عبر التاريخ القديم والحديث ، لم تأت إلا بعد حربٍ طاحنة. لذلك ، أنا متفائل أن هذه الحرب ، رغم هذه المأساة الضخمة التي تسببت فيها ، ستكون الجسر المفصلي الذي ستعبر منه البلاد إلى حالة السلام المستدام.

لقد أوصلت هذه الحرب العنف والوحشية إلى أقصى مدى يمكن لهما أن يبلغاه، ومن ثم ، فقدا فعاليتهما كأداتين لممارسة السياسة. كان لابد لنزعات العنف والوحشية الكتيمة المداراة لوقتٍ طويل بالزيف والتمظهر الكاذب ، أن تنفجر ، لكي تبرأ. فقط ، حين يستوثق الناس عبر التجربة العملية بالغة الإيلام من لا جدوى العنف، ستقوى نزعة السلام، وستسلس الحياة وتلطف ، ويبدأ الاستقرار والسلام المستدام. حيث تبدأ التنمية الحقيقية للأفراد وللبلاد. وهو ما سيقود إلى النماء والازدهار المتصل الحلقات.

 

[email protected]

‫8 تعليقات

  1. خسئت يا ايها العلماني الوغد هل انت سوداني فعلا ؟ مترجم الجيش الامريكي الغازي للعراق ……. الفرق بين انتهاكات الجيش وانتهاكات الدعم الصريع كما الفرق بين القاتل عمدا مع سبق الاصرار والترصد والقاتل بالخطأ او اكبر من ذلك ( الدعم الصريع عبارة مجرمين بدون وازع من ضمير او دين او اخلاق (قوات غير نظامية اصلا )…….) نعم انشأها الكيزان وهم يتحملون وزرها والايام بيننا وبينهم وبين برهان الذي سمح لهم بالتمدد ولكن الحقيقة انه لا توجد مقارنة بين انتهاكاتم وانتهاكات الجيش مهما يكن من امر انت تتحدث من منطلق حقد وغبينة سياسية والمواطن البسيط ذاق الامرين من قوات الدعم الصريع لا تساوي بين المغول والتتار والانتهاكات الطبيعة التي ذكرتها في اول المقال والتي عادة تحدث في زمن الحروب ……. المقاتل الشريف صاحب القضية يذهب الى مناطق الخصم العسكري للمواجهة العسكرية النظيفة بينما الدعم الصريع يذهب الى اماكن المدنيين في القرى والنجوع حيث لا يوجد جيش للسرقة والنهب والترويع والتهجير القسري للمواطن البسيط من دياره والمواطن يفر الى مناطق سيطرة الجيش لترى الفرق هذا هو الفرق الشاسع …….( الدعم الصريع عبارة عن عصابات اجرامية وليست قوات نظامية ارتكبت فظائع غير مسبوقة في التاريخ المعروف للانسان ) اما من انشأ هذه المجموعات الاجرامية ومن سمح لها التمدد والتسليح والتمركز في مفاصل الدولة من كيزان وقحاطة ف حساب الجميع قادم ان شاء الله ………. انتهى …….. فش ضغينتك السياسية بعيد عن وجع المواطن البسيط انت وجماعتك والكيزان تصارعوا صراع شريف دعكم من صراع الاوباش الجبناء هذا …….

    1. صراع شريف يا قنيط؟
      منذ متى كان الكيزان الملاعين شرفاء حتى نحاربهم وبشرف كمان.
      أول صراع طلابي و حدث في الجامعات كان الكيزان هم أحد أطرافه.
      أول طالب قتل في هذه الصراعات هو شهيد رقصة العاجكو في ١٩٦٨.
      أول شخص يتم تعذيبه وقتله بإدخال مسمار في راسه كان على يد الكوز نافع.
      كل التعذيب في بيوت الأشباح والذي لم يستثني حتى كبار السن أمثال حاج مضوي محمد أحمد وسيد أحمد الحسين وعباس علي وآخرين كُثر كان بيد الكيزان.
      وبرضو تقول لي خصومة بشرف؟
      كسم دينك ودين الكيزان اللوايطة.
      العلماني ده أشرف من امك وابوك يا كوز يا لوطي.

  2. احسنت الرد علي هذا الزنديق النكرة المعروف بزوج ابنة الضلاالي..حسبنا الله ونعم الوكيل فقد ابتلانا الله بقوم سوء وعملاء مرتزقة

    1. الزنديق ده أشرف من كيزانك يا علق.
      أما الذي سميته ضلالي فهو أرجل من اللوايطة الفرارين الضالين المضلين.
      مافي مشكلة لو ان الإنسان صار شيَوعياً او جمهورياً أو علماني او ملحد حتي. فهذا معتقده.
      أما ان تصير كوز فهذا يعني انك لست إنسان بالمرة.

  3. علماني ولا إبليس دي ما شغلتك وأنت ليس لديك حق لتوزيع صك البراءة أو الوطنية على ما تشاء المهم هو مواطن سوداني وهذا يكفي وأي سوداني حر في إبداء و معتقده معتقداته وانتم الذين تدعون الإسلام أسوء خلق الله سرقتم واغتصبتم وقتلتم وزينتم في نهار رمضان وتحرشتم بخلق الله وهربتم موارد السودان وانبطحتم للفرعون وفرطتم في حلايب وشلاتين والفشقة واويتم كارلوس وبن لادن وأويتم الإرهابيين وأرسلتم بناتكم لداعش للنكاح وهذا قليل من كثير كفاية ولا أزيدك ي نجس.

  4. الكوز يا اما من سلالة جهاد النكاح او من قوم الهالك حاج نور .

    اعوذ بالله

  5. سبحان الله الكوز لو سلمت عليهو ساااى طوالى يقعد ي هوهو وينبح قحت قحت تقدم تقدم قحت تقدم قحت عملت تقدم فعلت هووو هوو هوووووووو ونبيح شدييييد خلاص .!!!

  6. ابن الهالك حاج نور شتم كاتب المقال بأنه علمانى وهو لايدرى معناها . فقط سمع اللص الهارب عبد الحى يوسف يقول العلمانى كافر وصدقه مع ان عبدالحى ملحد عديييل ويتخذ الدين غطاء للخداع واكل اموال القطيع المغيب ببيعه وهم جنات الخلد فى الآخرة ودفعه للجهاد والاستشهاد ويستمتع هو بجنات الارض ونسائها وخمرها وغلمانها فهو الشيخ المليونير .وابن حاج نور بالتأكيد هو اسلامى مخدوع تابع لهذا القطيع الجديد ومستعد للجهاد فى سبيل على كرتى . بعد هلاك القطيع القديم اللى كان فى زريبة الترابى فى حرب الجنوب نسأل الله لهم اللعنة .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..