الأشعة ما دون الحمراء تغزو الأحلام

مخاوف جندي أميركي يُشرِف على طائرةٍ بلا طيار

تخرج جندياً بتفوق ونجح في شغل منصب مشرف على طائرةٍ من دون طيار في قاعدة تابعة للقوات الجوية في نيو مكسيكو. قتل عشرات الأشخاص إلا أنه أدرك ذات يوم عجزه عن الاستمرار. نيكولا أبيه من «شبيغل»

عمل براندون براينت لمدة تزيد عن خمس سنوات طياراً مع مجموعةٍ من الرفاق في غرفة تحكم صغيرة بالطائرات من دون طيّار تابعة للقوات الجوية ضمن ظروف خاصة. لا تتطلب المهام الموكلة إلى براينت أن يحلّق إنما أن يشرف على التحكم فعندما يُضغط على أحد أزرار أجهزة الحاسوب في هذه الغرفة في نيو ميكسيكو يموت أحدهم في مكان آخر من العالم. يتذكر براينت تماماً حادثةً سابقة فيسرد أحداثها بدقة ويقول إنه أشرف ذات مرة على طائرة تحلّق فوق أفعانستان على بعد 10 آلاف كلم من موقع تواجده وبعد أن حدد عبر جهاز أشعة ما دون الحمراء موصول بشاشته وبقمر اصطناعي الموقع المراد ساهم في إطلاق صاورخ على منزلٍ من الطين دمر في غضون دقائق المكان بأكمله. إلا أنه حين حان موعد الضغط على الزر مرّ صبي صغير في إحدى الزوايا. وعند الثانية الصفر، اصطدم عالم براينت الرقمي بالعالم الحقيقي في قريةٍ أفغانية صغيرة. رأى ضوءاً على شاشته يجسد الانفجار، انهار قسم من المكان واختفى الصبي فشعر براينت حينها بالسوء وتأكد من زميله أنهم قتلوا لتوّهم صبياً وليس كلباً كما أخبره البعض.

حرب غير مرئية

عندما خرج براينت من مقصورة غرفة التحكم، اكتشف أميركا التي لا تعرف للحرب طعماً. باتت الحروب في أيامنا هذه غير مرئية خالية من كلّ معاني الحرب بسبب المسافة، حروباً تجري من مراكز عالية التقنية في أماكن مختلفة من العالم وثُصنّف كحروب أكثر إنسانية عملت الولايات المتحدة في عهد أوباما على ترويجها أكثر من أي وقتٍ مضى. غالباً ما يتمّ التحضير لهذه الحروب في أحد دهاليز البنتاغون لتُنفذ عملياتها من قواعد عسكرية في الولايات المتحدة وقواعد في الخارج كقاعدة دجيبوتي، فيما تشرف وكالة الاستخبارات الأميركية من مقرها في فيرجينيا على عمليات في باكستان والصومال واليمن.
يُطلق الكولونيل ويليام تارت على حرب الطائرات من دون طيّار تسمية الامتداد الطبيعي للمسافة ويرفض تصنيفها بحرب سريرية لا يفهم ثناياها وتفاصيلها، ولم يحبّ قط تسمية طائرة من دون طيّار لأنها تجرّده من إرادته واحترامه لذاته بل يفضّل تسمية طائرة موجهة من دون طيار، مشيراً إلى أن مهامهم اقتصرت على جمع المعلومات وعلى تنفيذ مهمات إنسانية على غرار تلك التي عملوا على إنجازها في كلّ من هايتي وليبيا وأفغانستان وعلى بذل الجهود لإنقاذ حياة الآلاف. علاوةً على ذلك، يؤكد أن ما قاده من عمليات تتطلب بالضرورة موافقة مسؤول في البلد المستهدفة ولم تستهدف يوماً إلا العسكريين والمباني الخالية من النساء والأطفال. ويؤكد تارت أنه كان يحتاج إلى الابتعاد عن مكان عمله لبعض الوقت، لا سيما وأنه في هذا المكان عاش عن قربٍ مع الناس واعتاد على حياتهم، ما صعّب عليه تنفيذ عددٍ من المهام. يتحدث تارت عن تناقضات حروب الطائرات من دون طيار ويؤكد أنها بقدر ما تزيد المسافة بينهم وبين الهدف بقدر ما تؤدي إلى نوع من التقارب.
يبتسم براينت (27 عاماً) الذي يعيش مذ ترك القوات الجوية مع والدته في منزلٍ بسيط في مونتانا ابتسامة نصرٍ أولي ويصرّح بأن الأحلام الذي تذكره بالأشعة ما دون الحمراء فارقته منذ أربعة أشهر. ويتذكر أنه نفذ 6.000 رحلة جوية خلال ست سنوات أمضاها في القوات الحربية رأى خلالها نساءً ورجالا وأطفالا يموتون ويؤكد أنه لم يظن يوماً أنه سيقتل هذا العدد من الأشخاص.
أراد براينت بعد أن تخرج في الثانوية أن يصبح صحافياً محققاً، إلا أن ديونه تراكمت مع نهاية الفصل الجامعي الأول، فتحوّل بالصدفة إلى المجال العسكري. وإذ حقق نجاحاً باهراً في اختباراته انضم إلى وحدة الاستخبارات حيث تعلّم التحكم بآلات التصوير وأجهزة الليزر وتحليل الصور والخرائط والبيانات ليصبح مساعد طياًر. نفذ براينت أول مهمة له حين كان في العشرين من عمره في أجواء العراق حيث تعينت عليه حماية مجموعة من الجنود الأميركيين كانوا يسلكون طريق العودة إلى المخيّم. وإذ تعرضت المجموعة لكمين لم يتمكن براينت من فكّ لغزه، توفي خمسة من أفرادها بقيت صورهم معلقة في ذهنه فأصر على تعلم كلّ شاردة وواردة في هذا المجال لتحسين مهارته تنبهاً لأي حادثةٍ أخرى من هذا النوع.

«فقدت صلتي بالإنسانية»
الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..