ذئاب كوستي: مشجعو كرة القدم.. بحث في ظاهرة الهوس

كوستي- محمد عبد الباقي
لم يكن (محمد عبيد) الذي تجاوز السبعين عاماً، يبدي أدنى التفاتة لكرة القدم من قبل، وهو يفعل هذا ليس لأن بينه وبينها كراهية، لا ليس هذه الحقيقة، بأي حال من الأحوال، بل إن (محمد عبيد) لا يهتم بالكرة لأنه لا يفهم فيها لا القليل ولا الكثير، وهو لا يريد أن يفهم، مألوف مثل هذا العزوف عن الكرة في أي مكان وهو لا يثير أدنى التفاتة إلى صاحبه ولا يضره مطلقاً. لكن الذي أثار التفاتة الكثيرين عصر الجمعة الماضية أن (محمد عبيد) نفسه أخذ ابنيه الاثنين وجاء بهما طوعاً إلى استاد كوستي لحضور مباراة فريق الرابطة الشهيرة بالذئاب ضد المريخ العاصمي. اتخذ (محمد) مكانه على المساطب الشعبية وانطلق يؤازر الرابطة بالهتاف والغناء الداوي حتى نهاية المباراة التي خرجت منها الذئاب بالتعادل بعد أن كانت قاب كوسين من الفوز.
#ا ضاق بما رحب
لم ينظر مواطنو ولاية النيل الأبيض إلى مباراة الذئاب والمريخ كأي مباراة لقرة القدم، لا تخرج توقعات نتيجتها من ثلاثة احتمالات. لا، ليس هكذا كانت نظرتهم، فهم – وبحسب وصف الحاج (محمد عبيد) – ينظرون إلى تلك المباراة من جانب النصر فقط، فهم يروى أن فريقهم ورغم إمكانياته التي لا تداني إمكانيات الفريق الخصم، إلا أنهم يثقون في لاعبيهم الذين بدورهم يولون مشاعر شعب الولاية أهمية قصوى تجعلهم يقاتلون بحماس ويذودون بشرف عن شعار النادي الذي لا يمثل مدينة أو قرية بعينها في الولاية، بل يمثل كل السكان في جميع مناطق الولاية قراها ومدنها، ولهذا حضرت الوفود من كل الأصقاع للمؤازرة والتشجيع، فامتلأت جنبات الاستاد حتى ضاقت بالجماهير التي تجاوز عددها حضور مباريات هلال أو مريخ في الدوريات الأفريقية، مما جعل اللاعبين يقاتلون بحماس وضعهم في المقدمة حتى آخر دقيقة من الزمن الرسمي قبل أن يعود المريخ ويسجل هدف التعادل بشق الأنفس.
#انتماء غير مشروط
تمثل الفرق الولائية متنفساً مهماً للسكان المحليين الذين ينظرون دائماً إلى هذه الفُرق كسفراء لولاياتهم من خلال الظهور باسم الولاية في المشاركات المحلية والقليل من الخارجية، على حد وصف زياد عبدالله من سكان قرية (الدنبو) بمحلية الدويم، ووصف زياد المؤازرة القوية للسكان لفرقهم عندما تلعب على أرضها تمثل بشائر مهمة في مسيرة النادي الذي غالباً ما برجع تاريخ مشاركاته في المنافسات إلى الأعوام القليلة الماضية، لأن معظم الفرق الولاية تتعرض بين الحين والآخر للهبوط من مسابقة الدوري. ويشير (زياد) إلى الكثيرين بالولاية ينتمون لروابط تشجع الهلال أو المريخ أو أي فريق آخر، ولكن عند قدوم أي من تلك الفرق للعب مع الفريق المحلي، يتنازل الجميع عن انتمائهم ويعودون سراعاً لتشجيعه، لأنه يمثل ولايتهم ومن يفعل هذا يعامل لاحقاً بشيء من الدونية وعدم التقدير، موضحاً أن فريق مثل الرابطة كوستي وحَّد أبناء الولاية وقوَّى عرى التواصل بين المدن المختلفة خاصة بين كوستي وربك اللتين تتقاسمان الولاية بينهما.
#حصان طراودة
تأرجحت الذئاب بين الممتاز والتمهيدي لعدد من السنوات قبل أن تضع أقدامها في العام 2012م ضمن قائمة فرق الممتاز، كما ذكر الكابتن (مزمل علي طه) مدير الكرة بفريق الرابطة، ولكنها هبطت في ذات العام قبل أن تصعد مجدداً في العام 2013م، وتحافظ على موقعها بدعم سخي من حكومة النيل الأبيض التي لم يتوان قائدها الشنبلي في تقديم الدعم المادي السخي والمعنوي للفريق الذي مثل هذا العام حصان طراودة في المسابقة التي نال في دورتها الأولى(17) نقطة وعززها في مستهل الدورة الثانية بـ (19) نقطة وليحتل المركز الخامس تقريباً بـ (36) نقطة. والذئاب التي كانت يوم الجمعة الماضية ذئاباً حقيقية روضت خصمها بإتقان، أصبحت تجيد فن كسب المباريات خارج أرضها بحسب (مزمل على طه) الذي قال إنهم كسبوا العديد من المباريات خارج أراضيهم مع النسور الخرطوم والأهلي عطبرة والأمل عطبرة أيضاً .
وأرجع (مزمل) الأمر إلى أن الفريق يمتلك خطة جيدة وقاعدة جماهيرية عريضة وروابط تشجيع ممتازة تقف خلف اللاعبين أينما لعبوا، واستبشر كذلك بمستقبل الرياضة في الولاية عامة، حيث أن هنالك عدداً من الفرق تلعب الآن في التمهيدي، وهي على مشارف الدوري الممتاز، وكل هذه الفرق تنال دعماً مقدراً من والي الولاية الشنبلي.
اليوم التالي