الشيخ أبو جلحة (1): “الجلابة”, بروف بدر الدين حامد الهاشمي وظاهرة الترجمات المبتورة
مازن سخاروف

خلال الفترة القصيرة حين كنت أكتب بمنتدى سودانيز أونلاين, نقل زميل ذلك المنبر محمد عبدالله الحسين بتاريخ الرابع من أبريل 2021 الجزء الأول من إثنين من ترجمة عربية قام بها بروف بدر الدين حامد الهاشمي لمقالة بالإنجليزية عن سيرة الشيخ عبدالله أحمد أبي جلحة.
تنويه: لفائدة القراء وحفظا للنظام: بروف الهاشمي إبتدر بنشر ترجمته العربية بنفسه بموقع سودانايل, ونشرها بُعيد ذلك عن طريق طرف ثان هو أحد معارفه, محمد عبدالله الحسين بمنبر سودانيز أونلاين كما ذكرت. النصان متطابقان , عدا في الأخطاء الطباعية المعتادة. للتوثيق عملت المرجعية لما أتحدث عنه هنا رجوعا إلى نسخة سودانايل في تاريخه, إذ إستخدمت خدمة تحويل الصفحات الشبكية مباشرة إلى وثائق بي دي إف مقروءة دون تدخل مني في القطع واللصق, غير أنها نشرت هناك متصلة دفعة واحدة دون تجزئة كما حدث في سودانيز أون لاين. إذن تم تحويل جزئي الترجمة (مقالتين للهاشمي) على شكل وثيقتي بي دي إف كما نشرهما البروف الهاشمي حتى بأرقامهما المختارة, الأولى (1-2) بتاريخ 1 أبريل 2021, والثانية (2-3) بتاريخ 4 أبريل 2021 بموقع سودانايل.
إخلاء مسؤولية:
الملاحظات والنقد المكتوب هنا نشرتهم مسبقا بموقع سودانيز أونلاين, حيث تسبب في كسر بعض آنية “الصيني” والزجاج “القاعد على الهبشة”, وانتهى الأمر إلى “فرتقة الحفلة” وخيبة أمل المدعويين الذين جاؤوا إلى مأدبة البروف محملين بـ Great Expectations, ثم مالبثوا أن انفض سامرهم دون التهني بالعشاء الموعود و”المخمخمة” من بعد ذلك إحتفاء بالبروف. هذا الكلام أقوله من البداية رفقا بمشاعر مريدي وتلاميذ البروف.
الشيخ أبو جلحة (1): “الجلابة”, بروف بدر الدين حامد الهاشمي وظاهرة الترجمات المبتورة
أول ما لفت نظري خطأ غريب له دلالات خطيرة. الخطأ كان إسقاطا (متعمدا في تقديري) لإسم الكاتب الثاني المشارك في العمل الأصلي, ألا وهو دَقلاس نيوبولد الذي عمل بخدمة السودان السياسية لربع قرن. أهم منصب شغله بالسودان منصب السكرتير الإداري. إسم الكاتب الثاني مذكور صراحة مع الكاتب الأول, أي “آر سالمون” في صدر العمل الأصلي بالصفحة الأولى أسفل العنوان مباشرة, سواء في النسخة الورقية, أو على الموقع الشبكي المستضيف للمقالة الأصلية.
لديّ تصحيح طفيف وإضافة في البداية قبل شرح مأزق إسقاط إسم نيوبولد من الترجمة. إقتباس,
بدر الدين الهاشمي, كما نقل عنه محمد عبدالله الحسين, إقتباس:
نُشر المقال في العدد الحادي والعشرين من مجلة “السودان في رسائل ومدونات SNR”، الصادرة في عام 1938م.
إنتهى الإقتباس. الأفضل هو أن يقال إن المقال نشر بالمُجلـّد الحادي والعشرين كترجمة لـ volume 21, وليس العدد. فالذي حدث أن الهاشمي وضع العدد مكان المُجلد وهذا يصعّب مرجعية المقال لمن يود الحصول عليه. ففي الدوريات عندما نترجم, نقول العدد الفلاني number OR issue, من المُجلـّد رقم كذا. ومن ناحية أخرى الإلتباس أيضا يجعل المرجعية ناقصة التي تحتاج إلى رقم المجلد ورقم العدد معا! فالصحيح أن تكون مَرجعة أو citation المقال المذكور كالآتي (تصحيح مازن سخاروف لبدر الدين الهاشمي بشأن مرجعية المقال عن الشيخ عبدالله بن أبي جلحة):
نُشر المقال في العدد الأول من المجلد الحادي والعشرين من مجلة “السودان في رسائل ومدونات SNR”, الصادرة في عام 1938م.
دور الكاتب الثاني الذي تم إسقاطه من الترجمة
دَقلاس نيوبولد قام بعمل كل الهوامش للمقالة المذكورة, كما هو مثبت في العمل الأصلي (في تبويب النصوص المحتوي عليها المُجلـّد المذكور – راجع صورة المقال أعلاه, كما في نص المقالة ذاتها, كما سيرد مصورا في حلقات مقبلة). وهذا له دلالات خطيرة على عملية الترجمة كما اقترحت أعلاه, إقتباس, بدر الدين الهاشمي, كما نقل عنه محمد عبدالله الحسين:
وُلِدْتُ في “أبو حراز”، الواقعة على بعد مسيرة يوم كامل إلى الجنوب الغربي من الأبيض، في حوالي عام 1270هـ، وعشت فيها حتى بلغت مبلغ الرجال، قبل نحو 15 سنة من معركة شيكان. وحيث لا يوجد الآن إلا بعض الآبار، كانت هنالك في ذلك الوقت نحو 450 ساقية بها بعض أشجار النخيل والجنائن التي زرع فيها الدناقلة البصل والقمح والفلفل والتبغ وأشجار البرتقال والليمون. ودُمِّرَتْ كل تلك السواقي والجنائن في عهد المهدية.
أنهِ الإقتباس. ألفت نظر القارئ أن جزئية “التي زرع فيها الدناقلة البصل ..” فيها تلاعب من البروف بدر الدين الهاشمي. أولا أعطي للقراء أدناه النص الأصلي من النسخة الإنجليزية – النص الإنجليزي, ولنشر إليه بالجزء (ألف) حتى يسهل الرجوع إليه:
“I was born at Abu Haraz, a day’s journey to the south-west of El Obeid, about the year 1270 of the Hejra, and I lived there till I grew to man’s estate some fifteen years before the battle of Sheikan. At that time, where there are now only the wells, there were 450 sagias , a few date palms, and gardens (1) of lemons and oranges, wheat and onions, pepper and tobacco ; the palms, the sagias and the gardens were all destroyed in the Mahdia.”
كما نرى فليس في هذا النص أي دناقلة ولا يحزنون. ذِكر الدناقلة أتى كحاشية, أي شرحا لهامش أشير إليه في النص برقمه (1) كما يظهر جيدا أعلاه. أما تفصيل الهامش فجاء كالتالي:
1. Cultivated by Danagla immigrants
والترجمة, “زُرع على يد المهاجرين الدناقلة”. نقول تلاعبا لأن توخي الأمانة العلمية إما يلزم المترجم بذكر النص مع هامشه أسفل النص, أو ذكر الحاشية صراحة إن أراد المترجم إدخالها في النص المترجم. ففي النص الأصلي الدناقلة يوصفون كمهاجرين في تلك المنطقة. بينما في الترجمة غير الأمينة للهاشمي يرد ذكرهم وكأنهم من أهالي المنطقة. هذا طبعا صداع كبير بشأن “منو كان ومنو الجا”, لكن النظام نظام. ليس هناك مشكلة في أن يهاجر الدناقلة أو أيّ مجموعة سودانية من منطقة لأخرى. السليم هو وجوب إثبات ما يورده المؤلف ثم يمكن بعد ذلك مناقشته. لكن ما فعله الهاشمي, إضافة إلى اهماله للأمانة العلمية في الترجمة, دعوة أيضا إلى الفوضى والتدليس في التاريخ. ولعلنا الآن ندرك لماذا أسقط المترجم إسم نيوبولد من العمل. لأن ذلك يتيح للبروف الهاشمي أن يتحدث كما يحلو له خلطا بين النص وحواشيه. مثلا حين يقول في جزء من ترجمته, إقتباس, بدر الدين الهاشمي, كما نقل عنه محمد عبدالله الحسين بسودانيز أونلاين:
وكان سكان المنطقة من البديرية الدهمشية، والبديرية العياتقة (التي صحح الكاتب فيها الشيخ بالقول إن هؤلاء فرع من فروع البديرية الدهمشية) والتُّمباب، والتُّمام، والبرقد. ويعيش في المنطقة بعض الجلابة، أغلبهم من الدناقلة الذين يعملون في التجارة.
جزئية الترجمة بين الأقواس أعلاه, أي “(التي صحح الكاتب فيها الشيخ بالقول إن هؤلاء فرع من فروع البديرية الدهمشية)”, هي حاشية أخرى, شرح الهامش رقم (2). وفي كل الأحوال فالكاتب الذي صحح الشيخ, ليس الكاتب الذي قدّمه البروف الهاشمي للقارئ, أي آر سالمون, بل الكاتب الثاني الذي أسقطه, الذي هو السكرتير الإداري, دَقلاس نيوبولد كما أثبتنا!
السليم والمتبَع وفقا للأمانة العلمية أن يترجم الهاشمي الهوامش منفصلة عن النص الأصلي. ولن يمنعه ذلك من إضافة ملاحظاته كمترجم إن شاء. إسقاط الهوامش مقبول في حالة واحدة, أن يكون النص المحتوي حواشيا إقتباسا في عمل مستقل لكاتب آخر. وفي تلك الحالة ترك الهوامش متروك تقديره لمؤلف العمل المستقل الذي يستعين طبعا بالعديد, أو العشرات أو أكثر من المراجع الأخرى. أما أن يخلط المترجم عمدا بين النص وهوامشه كما جاء في جزئية الدناقلة الأولى (الجزء ألف من الترجمة) كيفما اتفق, أو أن يضيف الهوامش في كلام بين الأقواس في جزئية البديرية العياتقة كما فعل “كلـَـفـْتة نظر” للقارئ فيثير العجب. لأن النتيجة هي رتق الهوامش في جبة النص, فيعطيها, أي الهوامش لكاتب (سالمون) دون كاتب ثان (نيوبولد) هو رفيق الأول في العمل وهذا لـعـَمْري شطط يثير شبهة الغرض.
صنفرة:
في الإنجليزية, أهل الجزر البريطانية لا يقولون سالمون (الكاتب الأول للمقال), بل ينطقونها “سامَن” (إهمال اللام, فتح الميم وسكون النون), فهم يحذفون لام الإسم, حسب علمي سواء في أسماء الأعلام, أو في سمك البحر) يعربه البعض سمك سليمان) طبقا مغذيا, لذة للآكلين. الإسم سالم كتابة, لكن نطقه غير ذلك.
هذا من نبأ حضرية الإنجليز (النخب وكدة). ربما بروف الهاشمي لم يعش في بريطانيا فترة طويلة. فنجد له العذر.
لفت نظر؛ زيادة لم ترد في بداية ملاحظاتي عن ترجمة البروف: التدليس والمدلسون في تاريخ السودان
في السودان المنكوب بعقوق أبنائه جزء من تاريخه محاولاتٌ لا تنتهي للوقيعة بين القبائل والمجموعات السودانية من خلال التدليس في تناول التاريخ, شفاهة كما كتابة – في “نفي المثبت” أو تمييعه بحجج مضحكة, كما فبركة الذي لم يحدث بالدسيسة والخبث. سأتطرق لهذا فيما بعد بشيئ من التفصيل بما يشمل محاولة البروف المشبوهة لمعالجة النص (في جزئية الدناقلة المشار إليها أعلاه) لحاجة في نفسه. الذي لاحظته أن الظلم والتعدي الواقع فعلا توجد له أعذار ومبررات لإعفاء فئة مما اقترفته أيديها تجاه فئات أخرى. في ذات الوقت لتجدن روايات الظلم والتعدي المختلق اختلاقا توضعان في مقام التاريخ المقرر على الجميع كـ”رواية رسمية” يجب الإقرار بها. التبرير والخداع في الأولى لتبرئة ذات الأيادي الآثمة إضاعةً للحقوق عبر أجيال. وكما الكذب والبهتان في الثانية إلهاءً للناس عن القضية الأساية (الحقوق الضائعة) بعداوات مصطنعة وشحناء وكراهية. في هذه كما تلك نجد ذات المحاولات المشبوهة التي ينتهي أثرها دوما إلى صحن دار “أقلية من المدلسين في مواقع استراتيجية”. لكن سواء تلك أو هذه, فالإثنتان جزء من إستمرار مسلسل التجاوزات الخطيرة ودورة العنف الذي لا ينتهي في بلادنا. لدي أمثلة بعينها من التاريخ المأجور والمرتزق الذي كتبه من يُعَدون اليوم “آباء” و”روادا” وما إلى ذلك سأتطرق إليها في حينها.
مازن سخاروف, 1 ديسمبر 2021
[email protected]
* للكاتب عمل بعنوان “الديمقراطية والتحيز”, صدر في أكتوبر من العام الماضي (بريطانيا), النسخة الإلكترونية متاحة للداونلود.
الشكر للاستاذ الباحث المثابر معاذ عبدالله (مازن سخاروف) صاحب القلم الساخر والعبارة السديدة ومقدرته المحمودة على ايصال الكضاب والبلباص اكاديما لخشم الباب.
هذا ما يستحق أن يقرأ. علم
ولعلنا نظفر برد.
هلا بالمريود. جبار الكسور, جابر الخواطر جود.
أبشر.
أبو الشباب,
يا مراحب. لا أستحق الشكر. هذا أقل من الحد الأدنى. علا النصيحة اخترتلك إسما صعععععععب. بتجهجه الحناكيش معاك, هههه.
كاتب المقال أعلاه : مازن سخاروف ،
” فَايِقٌ ” بمعنى الكلمه ،
فى كلام يُمكِن كتابته فى سطرين ،
ويكاد مضمونه أن يكون
أقرب إلى الصفر .
هلا بالناس البتجي باللفة,
هسع “فايق” دي تكون قضت بيك وقت لحد ما تطلعها. ده إسمو الذكاء الخام, أو التثعلب الما بجيب حقو :)
يصدق عليه المثل: (اسمع جعجعة ولا أرى طحينا). الحاصل شنو ظاهرة الولع بالالقاب دي لدي الشباب السودانيين من جيل الإنقاذ داخل الوطن و خارجه؟ مهندس و باحث و كاتب و خبير وووو. سبحان الله. عشت عشرين سنة في الغرب و نصف ذلك من قبل في اليابان لم اجد مثل هذا الوهم والمرض النفسي بين شعوبهم. لا غرو أنهم في القمة ونحن في القاع.
هناك نوع من النقد يهدف الي التجويد والدفع الي الامام، وهناك نوع اخر مستشر بين السودانين دافعه الحسد والتنطع والرغبة المريضة في ازدراء جهد الاخرين والتقليل منه. شفى الله المرضى واعان الناس علي احتمال جهالاتهم.
صدقت. يطلبون الشهرة من وراء التشهير بالغير. فعلا الغرض مرض. شفاهم الله من الغل والحسد على علماء الأمة.