لماذا لا ندفع الضرائب ؟

ياسر عبدالكريم
إليك هذه الواقعة : في حينا بامدرمان مخبز وعلى بابه لافتة صغيرة مكتوب عليها (اشتري لك ولغيرك) اشتريت خبز لي نفسي ولغيري بمعنى دفعت مبلغ لصاحب المخبز لكي يضع خبز في الكيس الخارجي بقيمة المبلغ وابتعدت من المكان ثم خطر لي أن أرى ما سوف يفعله عامل المخبز والمحتاجين أيضا ثم وقفت أراقب وإنتظر كيف يتعامل الناس المحتاجين لقد أخد عامل المخبز كمية الخبز ووضعها في الكيس بعد عدّها . وظللت واقفا وأنتظر جاء رجل أخد كمية من الخبز وأغلق الكيس جاء شاب فأخد (3 عيشات) وأرجع ما فاض عليه في كيس الخبز وإنصرف ثم حركت سيارتي وذهبت وأنا في الطريق فكرت بعد ذلك فيما حدث .. هؤلاء سودانيون وجدوا أنفسهم فجأة بلا رقيب ولا حسيب عامل المخبز والمحتاجين جميعهم تصرفوا بأدب وأمانة .
فهؤلاء المجموعة نموذج من الشرف ,بالرغم من تصرفهم الشريف في هذه الواقعة قد يتصرفون بطريقة مختلفة في مواقف أخرى . فمثلا هؤلاء المتبرعون لو كانت عليهم ضرائب لن يتأخروا ابدا في الهروب منها …
ولو كان فرضت الدولة هذه الضريبة او قيمة المبلغ المتبرع به للخبز علي المتبرعين وقالت لهم سأصرفها انا الحكومة في علاج الفقراء والمساكين هل سيدفعون ؟ لن يدفع أحد وسيتهربون من الدفع بأي طريقة .. لماذا ؟
في هذه الحالة هؤلاء المتبرعون وجدوا انفسهم امام قضية عادلة الذي سيأخذ المبلغ انسان محتاج للخبز لذلك تبرعوا بدون أي تردد .أما ضرائب الدولة بالنسبة للمتبرعين والمستفيدين إنها قضية كاذبة وهناك انعدام الثقة بين المواطنيين والحكومة يجعلهم دائما يفضلون عدم التعامل معها لأنهم لا يتوقعون منها إلا الكذب والشر ويدركون مدى فساد الدولة والنظام الذي كذب عليهم ومازال يكذب ويعلمون ان الضرائب لا يدفعها جميع المواطنيين وليس هناك عدالة في فرضها ولا في دفعها والأهم إن الضرائب لا تصرف في خدمة المواطن الفقير والمريض في المستشفيات ولا في التعليم ولا في الإصحاح البيئي وإنما تصرف في إمتيازات للفاسدين وفي تمويل المليشيات وأجهزة الأمن التي سخرت كل امكانياتها لقتل المواطنين بدل حمايتهم.
إن هؤلاء المارة الشرفاء الذين تبرعوا لشراء الخبز والذين أخذوه وكذلك المتبرعون لشارع الحوادث ولعلاج ضحايا الانتهاكات في المواكب يشكلون الغالبية العظمى للشعب السوداني ولا ينتمون لأحزاب سياسية وهؤلاء كانوا منسحبون من الحياة السياسية قبل أن يعودوا إليها بالألاف في الشوارع وبالملايين حتى سقط النظام الفاشي في ديسمبر 2019 والى اليوم في قلوبهم الثورة والتغيير وسيدخلون الشوارع يوما ما وقريبا جدا ستفيض بهم الشوارع إنهم لا يثقون في ما يقوله النظام الذي انقلب على ثورتهم فلو قال لهم النظام أودعوا أموالكم في البنوك بالعملة الصعبة وسنقوم بصرفها لكم حين تحتاجونها فلن يصدقه أحد . ولو قال لهم النظام سيقوم بتخفيض الأسعار تأكد لهم سيقوم برفع الأسعار . بإختصار إن الناس الآن يستدلون من البيانات الرسمية للاسف على عكس ما تؤكده الدولة .