مقالات سياسية

هل فعلاً نريد إنقاذ البلاد ؟

خارج المتاهة
محمد عتيق
   الواقع الوطني في بلادنا يمضي إلى مزيد من التعقيد والانقسام . صحيحٌ أن الضيق الشديد بشارةٌ للفرج الكبير ، غير أنه من المهم تناول هذا التعقيد والانقسام المتزايد في الصف الوطني بحثاً عن العوامل الهامة المؤدية للفرج ..
                     (١)
    قوى الثورة وأحزابها ، سواء تلك التي في كتلة المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير أو تلك التي خرجت منها أو أُخْرِجَت ، كلها تتحدث عن إسقاط انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ (انقلاب البرهان/ حميدتي) وعن التحول الديمقراطي وترسيخ الحكم المدني … الخ. ومع ذلك هي ضد بعضها البعض ، تسيطر عليها عقلية الانفراد الأنانية والمكاوشة ، العقلية القديمة التي زادتها سنوات الاسلامويين المتطاولة انتشاراً ورسوخاً لتصبح جزءاً من الثقافة السائدة ، وهي الثقافة التي يجب أن تكون على رأس أهداف الثورة محاربتها وتصفيتها والبناء على انقاضها قيم التعاون والإيثار والتواضع ، قيم الإخاء الوطني الذي ينظر إلى الآخر كمُكَمِّل وشريك لا كعدوٍ ومنافس .. ومن آيات الذي نقول خُلُوِّ الساحة من حزبٍ يعترف للآخر بصحة موقفه من القضية المعينة .. لا وجود لعلاقات إحترام ومودةٍ متبادلة كما تجب أن تكون بين أبناء الوطن الواحد والهم الواحد .. على العكس ؛ هنالك دائماً الشك والتوجس ، هنالك المناورة في التعامل لا المبدئية والاستقامة .. تقول أحزاب وقوى الثورة شيئاً وتُضمر غير الذي تقول .. تلعنُ الكتلةَ المعينةَ وتتصل ببعض أطرافها سراً ..
   تكالبت بالأمس على تجمع  المهنيين السودانيين ؛ كُلٌّ يريد أن يتزين بايقونة الثورة وقيادتها إلى أن انقسم وذهبت ريحه ..
                   (٢)
   اللوحة النادرة التي رسمها شباب السودان رجالاً ونساءاً طوال أيام أبريل ٢٠١٩ وحياة الاعتصام وتقاليده التي ابدعوها ، كانت ناتجة عن قوة الدفع التي ولَّدتها رغبة التغيير العارمة لاسقاط السلطة الاسلاموية الفاسدة، تلك الرغبة التي انتظمت الجميع في انتظار البطل الذى سيرسم نفسه منقذاً في الذهن الشعبي … وكانت المصالح الدولية والاقليمية يقظةً ، وقد استشعرت دنو أجل النظام الاسلاموي منذ فترة باكرة فذهبت ترسم خططها لتطويع البديل القادم بل ولصناعته منقذاً لمصالحها وأطماعها هي وحلفاءِها المحليين (السودانيين) ، فبدأت في إعداد أحد موظفيها من أبناء السودان العاملين لديها ، إعداده وتلميعه و “زحلقة” إسمه في اللسان والذهن الشعبي المنتظر بتوقٍ عظيم للبطل الذي سيقود الثورة نحو أهدافها العظيمة ، فكان الدكتور عبد الله حمدوك الذي دثَّرُوه جيداً بشعارات وأثواب الثورة الجبارة ليحمي مصالحهم ونفوذهم في إطار المستجدات ، أهدافهم التي يأتي في مقدمتها : تنفيذ مطالب البنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمة التجارة العالمية ونادي باريس المُلَخَّصَةُ في رفع الدعم عن السلع ، تحرير الأسواق ، تعويم الجنيه السوداني وفتح أبواب البلاد أمام الاستثمارات الأجنبية في كافة المجالات ، والتطبيع مع الكيان الاسرائيلي .. وهما الشرطان اللذان وضعهما الدكتور حمدوك لمن يريد الاشتراك في حكومته من الأحزاب السياسية أن يوقع بالموافقة عليهما مسبقاً .. فالتَفَّت الأحزاب الوطنية – أحزاب الثورة وقواها – حول الدكتور حمدوك ؛ منطلقاتها شتى ، ولكنها سعت للمغانم ومدّ النفوذ ، إلى مقاعد السلطة وأجهزة الدولة المختلفة ..
تُسْرَقُ الثورة أمامها وتُنْسَب لمن لا علاقة لهم بها وقوى الثورة الحزبية والسياسية تتفرج وتتهافت !!!
   إلى أن وقع انقلاب البرهان/حميدتي في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ و…(حدث ما حدث)… وبدأ حديثه المكرور عن “ضرورة التوافق بين الأحزاب كلها ليسلمها السلطة ، أو الذهاب إلى الانتخابات” وكأنه هو ؛ مبعوث ثورة ديسمبر ، وكأَنّ  الفترة الإنتقالية – كما في الماضي الغابر – هي مجرد تسليم وتسلم للسلطة : لا أهداف عاجلة يجب تحقيقها ، ولا إجراءات وتعديلات يجب إجراءها لتحقيق أهداف بعيدة المدى … لا (حرية سلام وعدالة) ولا شرعية ثورية….
 وبدأت أحزاب وقوى الثورة تتحدث عن إسقاط أو تصفية الإنقلاب ، وذلك في العلن ، وسراً تلتقي باركانه بمباركةٍ ورعايةٍ إقليمية ودولية ، بعضها تنتقد ذلك ، بعضها تؤسس لفعل جديد يُصحح المسار ، وكلها تصطدم ببعضها الاطماع تصطدم بالاطماع .. بينما بدأ أعوان النظام الساقط وحلفاءه في الظهور العلني من مخابئهم الداخلية والخارجية باستبدادهم وصلفهم المعهود ، استمدوا الشجاعة والجرأة من الضعف والانقسامات و(الهيافة) بين قوى الثورة ، وأخذت السلطة الانقلابية تستمد منهم القوة وتستند إلى نفوذهم في الدولة وفي الأجهزة النظامية والأمنية والاقتصادية …
                      (٣)
       لجان المقاومة ، أحد إبداعات الثورة السودانية ومنجزاتها ، هي القوة الضامنة للثورة والتصحيح المستمر لمسارها نحو الوطن  الذي رنوا اليه/ والحياة التي ارتسمت في مخيلات الأجيال السودانية الجديدة … أيضاً نجد أن الأحزاب الوطنية قد ذهبت تخترقها وتمد نفوذها إليها… من الطبيعي (كما كررنا كثيراً) أن يكون هنالك منتمون لأحزاب الثورة بين أعضاء لجان المقاومة ، يفيدونها ويرفدونها بخبراتهم السياسية والتنظيمية ، ولكن ليس من الطبيعي أن تنقسم اللجان أمام الإجراءات والخطوات اللازمة لاسقاط الانقلاب ، تحقيق التحول الديمقراطي وأهداف المرحلة الإنتقالية ، وذلك على ضوء مواقف ومصالح تلك الأحزاب…
   قواعد الأحزاب ومناضليها  هم أبناء هذا الشعب ، وهم الأضواء المنيرة لدروبه ولمنعرجاتها ، وبالتالي لا مصلحة لها في تشتيت لجان المقاومة وتقسيمها كما حدث لتجمع المهنيين السودانيين ، فهم (أي قواعد الأحزاب وأعضاء لجان المقاومة) حلفاء متداخلون ومشتركون في الهم والوطن وأهداف ثورتهم .. وهذا هو الدليل على أن العلة تكمن وتنحصر في قيادات الأحزاب كلها وطبقة السياسيين السائدة في الحياة السودانية ..
– هل نريد لهذه الثورة أن تمضي مستقيمةً نحو أهدافها ؟
 – هل نريد إزالة العوائق عن طريقها ؟
العائق الأول/الأساسي/ والأهم هو هذه الطبقة السياسية ، قيادات الأحزاب و “كبار” السياسيين ..
احترامنا لخبراتهم وثقافاتهم وأشخاصهم تجعلنا نقبل بهم في مقاعد المستشارين والخبراء والمتفرجين ، ولكن لقيادة الأحزاب والحياة السياسية في البلاد فإنّ لوثةً من ثقافة عهود التيه كانت قد أصابتهم ، وبالتالي تجعلهم غير صالحين للقيادة … إضافةً إلى العنصر الأهم ؛ وهو متغيرات العصر وهذا الايقاع المتسارع ، بل المجنون في سرعته ، لتلك المتغيرات المليئة بالإنجازات المدهشة ، هذه المتغيرات تجعلنا نؤمن بأن عهداً جديداً قد بدأ في السودان ، وأجيالاً جديدةً صاعدةً واكبته وساهمت في صياغته ، وبالتالي هي الأجدر بقيادة زمنها وعهدها.
– ولا مخرج لبلادنا سوى صعود الحزبيين في لجان المقاومة إلى قيادة أحزابهم لنبدأ عهداً سودانياً جديداً ، الحزبية فيه تعني التكامل والتعامل الإيجابي مع الجدية ، الثقة والصدق ، وحسن الظن بين الأحزاب …

تعليق واحد

  1. تحليل جيد ومنطقي للأحداث لكن لمن يعرف ديناصورات الأحزاب يجد أن صعود كوادر الأحزاب في لجان المقاومه لقيادة احزابها سيأخذ وقت طويل جدا تكون البلد راحت فى خبر كان.. شوفوا حل آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..