
الإعلام في العصر الحديث أصبح اقوى الأسلحة و استطاع الإعلام الإلكتروني ان يصبح من الأدوات الفعالة و النافذة في تغيير الاتجاهات و صناعة التغيير ، و يمكنك فقط ان تنظر للخلف قليلا و ستجد أن ثورة ديسمبر كانت تدار بصفحة فيس بوك لتجمع المهنيين ، صفحة فيس بوك فقط أسقطت نظام حكم متسلط لمدة ٣٠ سنة ، كما لا يمكنك أن تتجاهل ما تفعله قنوات فضائية كالجزيرة مثلا .
هذا الدور للاعلام استخدمته الانقاذ من خلال سيطرتها على الاعلام القومي المشاهد و المسموع في سنينها الأولى و عملت من خلاله على تحشيد الجماهير لمشروع هوسها الديني عبر برنامج في ساحات الفداء و فرقها الإنشادية، و استطاعت أن تجتذب بذلك عدد لا بأس به من البسطاء و العامة ، و ربما هذا هو ما حاول استعادته كيزان برنامج ( خفافيش الظلام ) حين حاولوا شيطنة ثوار الاعتصام من خلال شاشة التلفويون القومي قبل اشهر قليلة ، كانت الانقاذ تسعى من خلال أعلامها المؤدلج إلى مسح هوية الأمة السودانية و تحويلها إلى مسخ و تحويل الشعب السوداني من شعب مثقف و مهتم بالاداب و الفنون إلى شعب بلا وعي ، كانوا يطبقون حرفيا مقولة ذلك النازي القائل: أعطني إعلاما بلا ضمير ، أعطيك شعبا بلا وعي !.
الاستلاب الإعلامي الذي تعرض له شعبنا خلال الثلاثين سنة الماضية يضاعف من ثقل مهمة وزير الإعلام في الحكومة الانتقالية ، و يجعله امام تحد واضح المعالم و لكنه صعب و هو : إستعادة وعي الشعب السوداني من غياهب الشمولية و الفساد و الذاتية و العودة به إلى فضاءات الحرية و العدالة و المشاركة المضيئة .
التلفزيون القومي و الإذاعة القومية تحتاج لوحدها لثورة إعلامية ، ثورة تبدأ بإزالة كل بقايا الدولة العميقة الذين يمثلون امتدادا طبيعيا لاعلام الانقاذ ( اعلام بلا ضمير ) ، ثورة على الطريقة العقيمة في الإعلام الذي يستهدف غسل أدمغة المجتمع و توجيهه كالاعمى نحو غايات باطلة ، و تحويل الى اعلام قومي يمثل الجميع ، اعلام حر و مفتوح على بناء الذات الوطنية و تجذير أسس المواطنة المتساوية و تثبيت مفهوم حكم القانون في العقول .
يمكنك صناعة امة متحضرة بعد قرن من خلال الدروس في المدارس ، بينما يمكنك صناعة هذه الامة خلال ربع هذه المدة بمساعدة الإعلام الفعال ، لذلك يحتاج سعادة وزير الإعلام إلى صناعة اعلام تغييري ، اعلام جاذب يخاطب كافة شرائح المجتمع و كافة اعراقه و ثقافاته ليمزج كل هذا الخليط في وطن المواطنة و العدالة ، تقاعس الإعلام عن القيام بهذا الدور بلا شك سيفتح الباب لخفافيش الظلام الحقيقيين سود الضمائر و القلوب كيزان السجم و الرماد ، فلننتبه و لتنتبه يا سعادة الوزير .
يوسف السندي