أحداث مدبرة وخلل أمني

بالأمس الأول تفاجأ المواطنون بإطلاق كثيف للرصاص في مناطق مختلفة من السودان مما أضطر الشرطة والجيش للتدخل، ثم جاءت الأخبار أن الأمر احتجاج من منسوبي جهاز أمن النظام المخلوع، المسرحين على المبالغ المالية التي منحت لهم بعد الخدمة أو التسريح، وقالوا لا تتناسب مع مدة عملهم كما.
لم يجد هؤلاء طريقة للاحتجاج غير الأسلوب الذي يعرفونه تهديد الأمن وترويع المواطنين، ولا أدري من اقترح عليهم الاحتجاج بهذه الطريقة الغبية، ولكن بلا شك من خلفهم عقول مدبرة فهم مبرمجون على تنفيذ الأوامر وليس التفكير والتصرف باستقلالية، وقد اتهم نائب رئيس المجلس السيادي (صلاح قوش) وعددا من الضباط بالمعاش أنهم وراء هذا العمل.
منسوبو جهاز أمن النظام المخلوع تم تسريحهم بسبب السمعة السيئة التي اكتسبها الجهاز في ظل النظام المخلوع المعلول، لبناء جهاز قومي سليم، وحقيقة هم أكثر الناس معرفة بما فعل الجهاز الذي استوحشهم و استخدمهم ضد أهلهم وأنفسهم، ولكن الحكومة الانتقالية تعاملت معهم بمنتهى الاحترام، حين قامت بهيكلة الجهاز وتخييرهم ما بين الانضمام للأجهزة الرسمية أو التسريح، رغم أن الجماهير تطالب بحل الجهاز كله وإعادة تأسيسه وليس هيكلته، وها هم اليوم يسقطون في أول امتحان وقابلوا الحسنة بالسيئة، فهناك ألف طريقة للمطالبة بالحقوق من غير استخدام العنف في قلب المدن وترويع المواطنين.
السؤال الذي يفرض نفسه ما سبب تواجد هؤلاء المسرحين في هذه المباني التي تحصنوا بها، ولماذا يحتفظون بالسلاح في أيديهم، فمن تم تسريحه.
حسب ما نعلم يجرد من كل شيء يتعلق بالوظيفة ويغادر المؤسسة تماماً ثم يأتي لاحقاً لاستلام حقوقه، وحقيقة كل الجماهير كانت، مندهشة عندما تناقل الناس الخبر أن المسرحين من الجهاز هم من قاموا بهذا التصرف، وقد أشار نائب رئيس المجلس السيادي محمد لهذا الأمر وقال إنه سبق وأن شدد على ضرورة استلام السلاح منهم وإرجاعه المخازن، فكيف بقي السلاح معهم؟ .
بلا شك أن هؤلاء المسرحين لن يتمكنوا من هزيمة الحكومة، وفي كل الحالات هم الخاسرون، أن قاوموا حتى النهاية أو سلموا أنفسهم، وبهذا التصرف يرتكبون جريمة لن يخلصوا منها أبداً ولن تنفعهم المستحقات التي يطالبون بها ولن ينفعهم من ورطهم في هذا المأزق، وكان الأجدى لهم هو البحث عن المزيد من المستحقات بطرق سلمية، بل السؤال لماذا استلموها أصلاً أن كانت غير منصفة ثم جاءوا بعد عشرين يوماً للمطالبة.
عموماً ما حدث يؤكد أن المسرحين من جهاز الأمن استعدوا لهذا الحدث وبلا شك هناك من ساعدهم وسهل لهم المهمة، ولكن نتمنى أن ينتهي الأمر على خير ودون ضرر وأن يدرك هؤلاء إن ما يقومون به ضد مصلحتهم، ولكن الأهم هو أن تستوعب الحكومة الانتقالية الدرس فخلف هذه الأحداث خلل أمني كبير ويجب أن تستعد لكل شيء، فالسودان ورث دولة كانت تحت سلطة العصابات ثلاثة عقود.
أسماء محمد جمعة
التيار