الأحزاب السودانية .. هل إلى إصلاح من سبيل؟ (4)

ظلت فكرة الحزب الواحد قائمة في الممارسة السياسية في السودان منذ بدء تكوين الأحزاب السياسية السودانية قبيل الاستقلال، فما من حزب أيديولوجي أو طائفي أو وطني إلا وسعى لتكوين جبهة عريضة تشمل وتضم قطاعات وأشخاص من مختلف التوجهات والأفكار سعياً لتكوين قاعدة جماهيرية تمكن الحزب المعني من الفوز في أي انتخابات تجرى في البلاد، بغض النظر عن أمور كثيرة ينبغي أن تتوفر في الأعضاء! إلا أن فكرة الحزب الواحد قد طبقت فعلياً في ظل الحكومات العسكرية؛ تحديداً أيام حكم مايو بقيادة الرئيس الراحل جعفر نميري- رحمه الله- ومن بعده المؤتمر الوطني الذي يحكم البلاد حالياً باسم حكومة الانقاذ. وقد تأسس المؤتمر الوطني كامتداد طبيعي لجبهة الميثاق ومن بعدها الجبهة الإسلامية القومية، التي أنشأت المؤتمر الوطني ليكون ذراعها السياسي، يرفع شعاراتها ويستوعب قياداتها وينفذ برامجها وأهدافها. يقول الدكتور حيدر إبراهيم علي في كتابه بعنوان ” الديمقراطية السودانية…الممارسة .. التاريخ.. المفهوم”: ( لم تتوقف محاولات توحيد الأحزاب منذ الاستقلال، خاصة وأن ظاهرة الحزب الواحد هي الغالبة عند العديد من دول العالم الثالث. فقد حاول الفريق عبود تلك الفكرة بإنشاء المجلس المركزي. وحاول الصادق المهدي أن يكوّن الحزب الغالب ” بمعنى أن يكون حزباً واسع النطاق يضم الأغلبية الكبيرة من الشعب السوداني ويقوم إلى جنبه حزب واحد أو أحزاب صغيرة فيكون الحزب الغالب هو الحزب الواحد لأن الأحزاب الصغيرة مصيرها الفناء). ومن جانب آخر، كان الشيخ علي عبد الرحمن أيضاً من مؤيدي فكرة الحزب الواحد إذ أنه قد سعى لإنشاء التجمع الاشتراكي الديمقراطي الذي تكوّن من حزب الشعب الديمقراطي، والحزب الشيوعي، والكيانات التي كونت جبهة الهيئات من نقابات واتحادات وعدد من الشخصيات الوطنية، إلا أن الخلافات الحزبية أدت إلى فشل تلك التجربة. وبشكل عام هنالك مخاوف من أن تنتهي تجربة الحزب الواحد إلى نوع من الدكتاتورية أو إلى دولة عميقة مثلما حدث في مصر تحت حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك وغيره من الحكام العرب في ليبيا واليمن وسوريا والعراق وعدد غير قليل من دول الجوار الإفريقي. وهنالك بعض المثقفين السودانيين ممن كان لا يري بأساً في تجربة الحزب الواحد بعد أن ضاق ذرعاً من فشل الأحزاب ومن هؤلاء عرفات محمد عبد الله الذي قال في مجلة الفجر: ( إننا نستنكر الحزبية ونترقب اليوم الذي لا نجد فيه إلا بنياناً مرصوصاً يشد بعضه بعضاً). إذن، فكرة الحزب الواحد أو الغالب والمهيمن ليست جديدة في أدبيات الأحزاب السودانية. وأضاف الدكتور الترابي النظام الخالف، وهو نظام “ذاتي التعددية وتوافقي من جميع الاطياف السياسية السودانية المؤثرة لخلافة النظام الحالي في السودان الذي يعتبر مسئولاً عن تفكك اوصال القطر وتردي البلاد الى حالة المأساة الحرجة وأن يتم هذا الانتقال بطريقة ناعمة تجنب البلاد والعباد مخاطر الانزلاق الى فوضى غير خلاقة كما يحدث في دول الجوار الاقليمي الآن. هذا النظام الخالف سيقوم بإنشاء مؤسسات دستورية حاكمة تقوم بإعادة هيكلة الدولة السودانية الفاشلة وصقل شكلها في نظام استيعابي لا يستأصل أحداً وقد يستغنى عن فكرة الحكومة الموسعة الى حكومة تنفيذية لتوفير الموارد المالية وذلك بالنظر الى الضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد, فهو قائم على مفاهيم براغماتية لتحقيق فكرة الحزب الكبير ذو التيارات الداخلية المتعددة فقد يجمع بين أقصى اليمين الى اليمين المعتدل الى اليسار المعتدل”. ومهما يكن فإن تجارب الحزبية والحزب الواحد قد فشلت، حسب رأي المراقبين، في حل قضايا السودان ومشكلاته وإلا لما دعا المؤتمر الوطني والأحزاب المؤتلفة معه إلى الحوار الوطني الذي يدور هذه الأيام لمناقشة قضايا (شكل الحكم والسلام والهوية والاقتصاد والحريات الأساسية والعلاقات الخارجية) التي كان من المفترض أن تكون قد حسمت منذ وقت مبكر. يعني هذا ببساطة أن المؤتمر الوطني لم يفلح في حسم تلك القضايا؛ علماً بأن هذا الحزب يضم عضوية من الكوادر المؤهلة، ولكن غياب البرامج وربما الفساد في أوساط الحزب هي التي قعدت به دون تحقيق الشعارات التي رفعها. إن من المؤسف حقاً أن هذا الحزب قد كان ضحية؛ فقد دأب المناصرون لنظام الإنقاذ على غض الطرف عن الممارسات الخاطئة بحجة أن المرحلة لا تحتمل الانتقاد، ولذلك تمادى بعض من كانوا يديرون المؤسسات الاقتصادية والمالية ومواقع اتخاذ القرار، في ارتكاب المخالفات حتى بلغ السيل الزبى وكادت مؤسسات الدولة تنهار وفشل تطبيق المشروع الحضاري الذي كان مقدراً له أن يكون نموذجاً للحكم الإسلامي الراشد! ومن قبل تحول الاتحاد الاشتراكي السوداني، الذي توفرت له كفاءات سودانية كثيرة في كافة مجالات العمل إلى مجموعات مصالح أورثت الدولة ديوناً لا حصر لها، ومشاكل سياسية عجزت الحكومات السودانية عن حلها حتى هذه اللحظة. وباختصار شديد، فإن تجربة الحزب الواحد في السودان لم تنجح أيضاً نظراً لعدم وجود البرامج والرؤية.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شكرن الأخ العزيز قش على المقال..وكما العادة المخزون الفكري للأخوان المسلمين يتجنب الإعتراف بالديمقراطية..ومن سمات الديمقراطية “التعدد” وليس التوحد إلا إذا كان في شكل جبهات عريضة..فالنظام الخالف هو في الواقع هروب من الإعتراف بالديمقراطية كنتاج انساني اهدر في سبيلها كثيرا من الدم والعرق والمجهود..ومحاولة إلقاء اللوم على “الحزبية” محاولة لا تستحق التجربة..ولكن اتمنى ان يجد الاخوان المسلمين الشجاعة الكافية لنقد تجربتهم الفاشلة باعترافاهم..قبل ان يعترفوا باستبعادهم للديمقراطية في تفكيرهم..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..