حتى و لو رُبُع فنجان…!!

سفينة بَوْح
أوردت صحيفة محلية بالأمس لا داعي لذكرها خبراً يفيد أن شاباً بكافتريا قريبه من سوق سعد قشره بالخرطوم بحري أهدى حبيبته فنجاناً ( مليئاً ) بالدموع مدعياً أنها دموعه التي ذرفها ليلة أمس إثر شجار ( حبايب ) وقعه بينهما ليلة أمس ، و الحقيقة الخبر فيه الكثير من العيوب المهنية على مستوى الشكل و المضمون ، و هو في ذات الوقت يكذِّب نفسه من منطلق أنه منسوب إلى رجل سوداني من ( المتحجرين ) أمثالنا ، و الذين تربوا مجبرين بلاحيلة لهم على أن دموع الرجال لا تُزرف إلا في الملمات العِظام ، و كذلك ترعرعنا في أحضان مجتمع يعتبر كلام الحب و العاطفه ( عواره و هبالة ) و الرومانسيه بكل أنواعها إنتقاص للرجولة ( بمعناها الذكوري ) و ليس الأخلاقي ، و للحقيقة نحن السودانيين على ما يبدو قد حُرمنا من مُتع دنيوية مهمة و مؤثرة في نطاق الصحة النفسية و هي حلال ولا تمسها حُرمة طالما كانت وفق الرباط الشرعي و من بينها بالتأكيد الكلام العاطفي و الرومانسية الحالمة ، لكن في نهاية الأمر فاقد الشيء لا يُعطيه وكان الله في عون نسائنا و أعانهن علينا بالصبر و السلوان ، و لنعود مرةً أخرى لأمر دموع الرجال التي رفع من ثمنها و قيمتها المجتمع السوداني و الشرقي عموماً ، بإعتبار أن قيِّم الرجال ( القديمة ) ما زالت ماثلة و قائمة ، لأن الرجل في زمانهم ذاك لم يكُن ذا قيمةٍ بشواربه الكثه و لا لحيته و لا عارضيه ، بقدر ما كان الرجل رجلاً بكرمه و شجاعته و نخوته و شهامته و حكمته و أحياناً علمه و إبداعه ، و في زماننا هذا الذي إنقلبت فيه القيِّم النبيلة إلى أضدادها بفعل ضغوطات الحياة على عامة الناس من الذين هم خارج ( حظوة ) الإنتماء إلى حظيرة من إستفردوا بخيرات البلاد و مقدَّراتها و مواردها بالحق و الباطل و بما بين أيديهم من أحدث ( آليات ) لصناعة الفساد ، أصبحت دموع الرجال تُزرف في كل زمان و مكان و بلا طائل ، فتارةً يزرفها أدعياء لمجرد التزلف لأولي السلطة و الجاه علهم يستزيدون من متاع الدنيا الزائل ، و أحياناً تُزرف في قاعات المحاكم المُقدسة من أولئك القابعون خارج أسوارها يبيعون شهادتهم باليمين الغموس و العياذ بالله .. أيضاً من أجل زيف الدنيا الزائل ، و هناك أيضاً من يزرفها كمداً و غيظاً إثر ظلم أو ضيم ألم به أو لهوانه على الناس و خصوصاً إذا ماكانوا من الأقربين ، عندما تُزرف دموع الرجال على وجه إحقاق الحق و إبطال الباطل تكون بلا شك فضيلةٌ من الفضائل ، كان سيدنا عمر الخطاب كثير البكاء إذا ما ألمت به هموم المسئولية عن البلاد و العباد ، و الآن قادتنا لا يكادون ينقطعون عن الضحك و ( الإنبساط ) والإحتفال بما ينبغي و لا ينبغي و العباد يُحاصرها طوفان الفقر و الحاجة و العجز عند المرض و الظلم عند التنافس على الوظائف و الإقصاء عند مخالفة الرأي ، و البلاد يتداعى تصنيفها على شتى الإتجاهات في ذيل القوائم و الأطماع الأجنبية تستأسِد فيها الضِباع و من كانوا قبل زمان ليس ببعيد لا يستقوون حتى بالقول على بلادنا و شعبها الصبور .. ليتني أرى يوماً قائداً من قوَّادنا أو وزيراً من وزارئنا أو مسئولينا ( العِظام ) يزرف شيئاً من ( دموع الندم ) على ما أصاب البلاد والعباد ( حتى و لو رُبُع فنجان ).
هيثم الفضل
[email][email protected][/email] صحيفة الجريدة