ماذا تعني العلمانية ايها الرئيس البشير

ماذا تعني العلمانية ايها الرئيس البشير

عبدالواحد احمد

من المؤكد أنه لا تخلو المبادئ الاساسية والدساتير العامة والقوانين لاي حزب او جماعة او حركة سودانية او حتي اتفاقات او بروتوكولات بين الجماعات السودانية المختلفة والاحزاب وبرامجها السياسية من الاقرار التام والاعتراف بسيادة حكم القانون واستقلال القضاء ومساواة المواطنين امامه بصرف النظر عن المعتقد او العنصر او الجنس او اللون ثم تتسع الاجتهادات لكي تشمل مصادر التشريع الديني وعطاء الفكر الانساني وسوابق القضاء السوداني واقرار حقيقة ان الدين والاعراف السودانية والتقاليد والعادات تشكل مكوناً من مكونات فكر ووجدان شعب السودان وتماسك لحمة المجتمع وقيمه الروحية والاخلاقية وثقافته وحضارته ابداً
وهذا الفكر تأتّي علي خلفية الواقع الموضوعي وتأسيساً عليه عبر التجارب السودانية المختلفة في الحكم والمعارضة وعلاقتهما بالدين على مباديء النظام السياسي الديمقراطي التعددي او النظام الشمولي العسكري او نظام الحكم الحزبي الآحادي حزب المؤتمر الوطني الحالي
وظل هذا الفكر يتشكل في الوقت نفسه من فهمنا لمعنى العلمانية والديمقراطية الليبرالية ذات الدلالات الاكثر ارتباطاً بالتجربة الاوروبية والمفهوم العام للدولة الدينية الذي تطرحه التيارات والاحزاب الدينية وحركات الاسلام السياسي عندنا
وصراع اضداد وتناقضات مختلف الرؤي والافكار للاقليات والجماعات السودانية المختلفة ثم من خلال ذلك يكتمل تصورنا ايضاً لمفهوم الدولة الدينية والعلمانية ومحتواهما من خلال الجهد الجماعي المشترك للحركة السياسية السودانية بمختلف رؤاها وافكارها واختلافاتها حول الاستقطاب المغلق بين تياري الدولة الدينية والدولة العلمانية
ونحن لسنا ملزمين بنماذج العلمانية في انجلترا او اميركا او فرنسا او نموذج العلمانية في تركيا بل يجب ان نتعامل معها من حيث انها تجارب لشعوب العالم الذي نعيش فيه مع الديمقراطية التي نتقبلها نحن شكلا ومضموناً كأداة لنظام الحكم مع تلك الاطروحات الفلسفية التي تؤسس لذلك النظام الديمقراطي الليبرالي العالمي كما اننا لسنا ملزمين بتقفي اثر حركات الاسلام السياسي والاخوان المسلمين في مصر وولاية الفقيه في ايران لانشاء نموذج مثالي أوحد للدولة الدينية في السودان فالجميع يعرف أن سبب نشوء طرح العلمانية هو الأزمة التي مرت بها أوروبا في عصور الظلام عندما كانت الكنيسة تسيطرعليها وكان البابا يسمى ملك الملوك ينصب هذا وينزع حكم هذا بل كان يبيع صكوك الغفران ويمنع معرفة الحقيقة عن طريق العلم فجاءت العلمانية
فالعلمانية يا سيدي الرئيس وبعيدا عن الاصل اللغوى للمصطلح لاتعنى فى الفكر والممارسة السياسية المعني السطحي في الفصل بين الدين والدولة او رفض الدور السياسي للدين بل هي بكل
بساطة تحييد الدور السياسي للفكر الدينى او الدين وهى نزع القداسة عنه فى الحياة الاجتماعية لاسيما فى الممارسة السياسية خاصة وجعله مساويا لغيره من الافكار السياسية داخل المجتمع ذي المرجعيات المختلفة بحيث لايمتاز على اى من تلك الافكار بأية ميزات اضافية او اية معاملة خاصة
ومن جهة اخرى فإن العلمانية وكأحد أٌسس الديمقراطية الليبرالية انما تعنى المساواة التامة بين التيارات السياسية المتنافسة داخل مجتمع من المجتمعات اذن هي تحييد اي دور سياسي او نزع القداسة وليس ما يدعيه البعض من فصل تام ومطلق بين الدين والدولة فهذه فكرة ساذجة وسطحية وخاطئة جدا عن العلمانية وهذا المفهوم هو مايبدو واضحا فى الفكر الاوروبى والممارسة السياسية فى دول اوروبا الغربية التى يوجد بها احزاب ديمقراطية مسيحية تعمل فى اطار النظام السياسى الديمقراطى ولايجوز لها كما لايجوز لغيرها من الاحزاب الانقلاب على هذا النظام او حتى مجرد المناداة سياسيا بأفكار تناقضه كالمناداة او الممارسة في توزيع المناصب السياسية على اساس العرق او الدين او اللون مثلا او المطالبة بالغاء النظام الانتخابى مثلا واعمال قاعدة الافتاء او مايعرف بمجلس حكماء او شوري مثلا كل هذا يناقض النظام السياسي الديمقراطى ومن ثم هو مرفوض رفضا نهائيا وباتا ومطلقا
وهذا أيضاً لا يعني الحجر السياسي علي الفكر السياسي الدينى حين تنزع عنه قداسته تماما وحين يتساوى فى المنافسة السياسية مع غيره من الافكار الاخرى اليسارية واليمينية والوسطية بمختلف مرجعياتها فهو فى هذه الحالة مثله مثل اى فكر آخر منزوع القداسة بل يصير بشكل ما فى اى مجتمع مساهماً فى تعزيز روابط التعاون والثقة والتوقعات المتبادلة والمعاملات بالمثل بين افراد المجتمع بشرط ان يكون منزوع القداسة بالطبع وذا طابع مدنى غير كهنوتى وان يعزز القيم الايجابية بين افراد المجتمع بأكمله وليس فقط بين الافراد المؤمنين به
وفي ذلك فقد فشلت الجبهة الاسلامية والمؤتمر الوطني في تأسيس ذلك الحزب الذي ينزع تلك القداسة عن افكاره الدينية والسياسية وعن شعاراته وعدم ادعائه بامتلاك الحقيقة المطلقة او الكاملة
بل ومن خلال تجربتكم مع الحكم يا سيدي الرئيس لم يكن يجب عليكم ان تدّعوا مثل الآخرين بأنكم تملكون احد الحلول التى ترونها ملائمة او مناسبة يجوز دوما نقبلها كما هى او نعديلها او رفضها كلية بل سعيتم الي فرض رؤيتكم الاحادية المفرطة في التعالي وحورتم لذلك الاجتهادات الدينية وابتدعتم ما يسمي بفقه الضرورة للايفاء بالفقه الديني الذي يفي وتصوراتكم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمختلف قضايا الوطن وادارة اموره بصورة اشبه بتحرير شهادات وصكوك الغفران للممارسات السياسية والاقتصادية الفاسدة والفاشلة لذلك يقف الرئيس البشير بصورة مخجلة ولا تحمل اي نوع من انواع الفكر ضد الدولة العلمانية والتصور العام للدولة المدنية او العلمانية ذات المؤسسات المختلفة لكي يحافظ علي تلك الانتقائية الاحادية وفرض الرؤية الواحدة علي واقع السودان المتعدد الذي ظلت تتمدد الجبهة الاسلامية لاحتوائه وفشلت فيه

الامر الثانى او المطلب الثانى والذى يجب ان تفى به اى جماعة من جماعات الاسلام السياسي التي سعت وتسعي لتأسيس حزب سياسي في اطار ديمقراطي هو ان يكون هذا الحزب مفتوحا للكافة من اعضاء المجتمع وليس فقط لاعضاء طائفة بعينها ولذلك ظلت الاسئلة قائمة علي الدوام في مواجهة الاحزاب الدينية الاسلامية والجماعات الدينية حول مصير كثير من المنتمين لها من جماعات غير اسلامية او دينية؟؟ وكيف ستكون حدود العلاقة بين الحزب والجماعة؟ وهل يٌتوقع لحظتها مثلا ان يرشح حزب اسلامي نواب مسيحين فى الانتخابات او يرشح رئيسا للدولة مسيحيا فى الانتخابات الرئاسية مثله مثل اى حزب سياسي مدنى آخر؟ لايفرّق بين المواطنين على اساس دينهم او عرقهم او لغتهم
التجربة السودانية مع الدولة الدينية عبر التاريخ كانت مع الثورة المهدية وهي كثورة وطنية استعادت للسودان سيادته لكن مذهبية التدين اقصت طرقا صوفية مؤثرة وقبائل ذات شوكة بسبب عدم اقتناعها بمهدية المهدي من منطلق فقهي محض ومن منطلق حمية قبلية ورفضت ان تخضع لكيان قبلي اخر دون ان تكون تلك الطرق الصوفية وتلك القبائل موالية للتركية أصلاً وكان من اشد اخفاقات المهدية هي نبذها لكل ما هو تركي بغض النظر عن دراسة تلك التجربة للاستفادة من سلبياتها وايجابياتها فقد ادي نسف كل تلك المؤسسات التي كانت تكونت حديثا الي ردة عن حالة الدولة الي اللادولة لان المهدية لم ترتكز علي برنامج معين وصريح غير الادبيات الماخوذة من دولة الخلافة النبوية المحمدية فقد وقعوا ايضا في تناقضات الدولة الكاملة ولم يستطيعوا ايجاد بديل لما هو كان قائما لاجل ادارة الوطن فتحولوا الي حلبة دراويش امام تحديات السلطة وموازناتها لذلك جاؤوا اشد بطشاً وفتكاً وافظع ممارسة سياسية باسم الدين

كذلك اطلت الدولة الدينية براسها ثانيا في نهاية حكم الرئيس الاسبق نميري في تجربة مايو بايعاز من الجبهة الاسلامية وقتها بايهامه ان دولة الخلافة والامامة والشريعة والاسلام هو الحل فجاءت قوانين سبتمبر ومحاكم العدالة الناجزة والنظام العام كاسوا ردة علي حكم المؤسسة في تاريخ البشرية الي ان اطيح به لتعلّق هذه القوانين والنظم حتي نكتتها الجبهة الاسلامية ايضا والمؤتمر الوطني ونفضت عنها الغبار بعد ان دانت لها السيطرة المطلقة علي مفاصل الوطن عبر انقلابها علي النظام الديمقراطي آنذاك وكونت حكومة ظهرت في طياتها وتجلت بصورة كبيرة كل صور الدولة الدينية القبيحة وابشع استغلال للدين الاسلامي لقهر الشعوب عبر التاريخ والفتك بها وذلها واخضاعها واخيراً اصبح تفتيت الوطن علي هذا الاساس الديني السياسي الذي لا يعترف بالآخر ومعتقداته ولونه ولغته هو الأرضية التي يسعي المؤتمر الوطني لحكم السودان من خلالها
لكل ذلك نري تصريحات البشير ووقوفه بلا هوادة ضد اي طرح للدولة العلمانية والمدنية كبديل حتمي تاريخي للدولة الدينية التي ظل يتشدق بها علي مدي اكثر من عشرون عام عرف الشعب السوداني من خلالها سعي نظامه لتوجيه الدين علي الدوام لاستغلال الناس باسم ذلك الدين وسيظل هذا الرئيس يرفض مبدأ العلمانية لأنها في الاساس هي ترفض تقديس اية افكار بشرية وتمييزها علي اخري وهي بطبيعتها تحتمل دوما الصواب والخطأ ومختلف عليها طول الوقت ولاتعبر ابدا عن حقيقة مطلقة او كاملة واحدة… كما تدعي الجماعات الاسلامية في اداعائها المطلقة للصواب الرسالة

تعليق واحد

  1. الراقص بن خجاج المزوراتى يرغى ويزبد ويهدد ويتوعد لانه يرى مصير امثاله من الذين عاثوا فسادا .هذا وجد بلدا تاويه من غضبة شعبه
    ولكن الراقص مصيره اسود ولذلك يهدد بالشريعة ولو كانت هنالك شريعة كما يتوهم لما وجد فاسد على ظهر الارض
    فمصيره اما ان يقطعه الشعب اربا اربا ولا مجال لديه من الهروب كما فعل فاسد تونس لانه ببساطة سيسلم كحمل وديع الى اوكامبو وما ادريك ما لاهاى
    لذلك سيصدر الاوامر بالقتل والقتل ثم القتل لكل من يحاول ان يذلذل عرشه ولات حين مناص
    ان موعدهم الصبح اليس الصبح بقريب

  2. أخي عبد الواحد ..تحية طيبة .. سيدي … نحن نضع العربة أمام الحصان دوما ..أنا أعتقد أن العلاقات الانسانية والحكمية يجب أن تبنى على اساس اقتصادي أولا أولا أولا ثم الحديث عن الحكم …فنحن الجياع سيدي لا نسطيع أن نفهم جدل وصراعات الشبعانيين … الرسول صلى الله عليه وسلم .. عندما بدأ يبنى الدولة الاسلامية من العدم أكرر من العدم ..أذاب الجميع فى مجتمع تقوم الاخوة فيه على رابط الدين الذي هو بكل تأكيد يعني الحياة ومن ثم بدأ فى البحث عن الموارد الاقتصادية للدولة وكلكم تعرفون قصص الغزوات …. قال يهودي لأحد المسلمين …لقد علمكم نبيكم حتى الخراءة … يعني لقد علمكم حتى كيف تبولون … فالاجتهاد ومعايشة الحياه على أساس أن الدين هو المحرك للحياة وبالذات فى جوانبها الاقتصادية التكافلية يكون هو سلوك يتحتم هلى المجتمع تبنيه بصورة فردية وجماعية …لكن ما نراه اليوم هو أسوأ نموزج للمغالاة باسم الدين … الكيزان يفهمون ان الدين هو الحدود … والنكاح وفقه الضرورة يسوق أكل أموال الشعب بالباطل … هي فوضى التطبيق لغياب المفكرين والمجتمع الواعي والشعب الحريص … الدميقراطية التعددية يمكن أن نأخذها فى صورة تبادل الحكم وعدم تخليد الحكام وفق دستور يتوائم معنا نحن كمسلمين مع وضع الاعتبار للأقلية غير المسلمة وهو ليس بالضررورة أن يتوائم مع الدمقراطيات الغربية فلكل أمة الحق فى حكم نفسها بما يتوافق مع مزاجها … والدمقراطيات الغربية ليس منزلة ….. وأخير ا مبرووووك للجنوب دولته الجديدة ونتمنى أن يبنيها على الاسس التى تتوائم مع ثقافته وليس مع ثقافة الاوربيون

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..