شبكات التواصل.. تبطش بعقولنا

لا شك إطلاقاً في أن ظهور شبكات التواصل الاجتماعي وانتشارها الواسع شكل انتقالاً ثورياً هائلاً بالإعلام السياسي والاجتماعي إلى آفاق أخرى تفوق التصورات.. وأحدث نقلة غير عادية من شأنها الارتفاع بمستوى الحرية والشفافية وضخ وتبادل الأخبار والمعلومات بسرعة هائلة وانتشار واسع جداً..
كل هذا صحيح ولا خلاف حوله، لكن وفي نفس الوقت أتاحت وسائل التواصل هذي وبأدواتها وخياراتها المتطورة والمفتوحة فرصاً لا محدودة لملايين المواقع والمنابر والأشخاص غير المؤهلين معرفياً وغير المطلعين أتاحت لهم المجال لتقديم أنفسهم كمتحدثين في كل شيء بلا دراية ولا معرفة ولا معلومات صحيحة ومفيدة.. تجدهم ناصحين وخطباء وناشطين سياسيين وإعلاميين يقدمون وعياً زائفاً تماماً بكونه صادراً عن أشخاص غير موهلين لتقديمه بحكم عدم درايتهم الكافية وعدم إطلاعهم وإلمامهم بالموضوعات التي يتصدوا للحديث فيها بصفة الناصح والناشط والخبير..
وفي الكثير من الأحيان تجدني مهتماً بمتابعة البث المباشر لأمثال هؤلاء في مواقع التواصل بغرض الرصد والتحليل لهذه الحالات، وخاصة على الفيسبوك والإنستغرام وغيرها.. لتجد أكثر من سبعين بالمائة مما يقدمه بعضهم هي محض خطرفات ومعلومات خاطئة تماماً تأريخية أو علمية أو ثقافية أو حتى فكرية.. وللأسف تجد الكثير من هؤلاء يمتلكون برغم ذلك قدرات أخرى على اجتذاب متابعين كثر لصفحاتهم ومتابعين لما يقدمونه من (كلام فارغ) لا يزيد من يستمع إليه إلا جهلاً وتضليلاً وإبعاداً كاملاً لعقولهم وفهمهم عن المعرفة ومعلوماتها العلمية الصحيحة.
هؤلاء يتحدثون في كل شيء بلا أي معلومات لكن مع ذلك تجد بعضهم قادراً على جمع مجموعات كبيرة حوله من خلال أسلوبه وإطلالته وترديده لمصطلحات وكلمات وعبارات رنانة وقدرته على اجتذاب الناس بصوته أو بالقبول الذي حباه الله به، لكن كل ذلك لا يعوض الوقت الذي يهدره الناس والوعي الزائف الذي يكتسبونه ويرسخ أحياناً في أذهانهم بواسطة أساليب جاذبة في الطرح وربما جرأة لا يجدها المتابع لهؤلاء في غير هذه المساحات حيث أن الفضائيات المحترمة والصحافة المهنية ليس مسموحاً لها بتقديم أكاذيب وضلالات وأفكار كسيحة ومعلومات مضروبة كالتي تبثها صحافة وسائل التواصل الاجتماعي المفتوحة من خلال مدونات وبث مباشر متاح لكل من هب ودب بالصورة والصوت أو تسجيلات صوتية قصيرة يتم تداولها على نطاق واسع جداً في كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة.
لا أحد يزور المكتبات في هذا الزمان، لا أحد يقف كثيراً للتمحيص والتدقيق والبحث حول صحة ما يسمعه ويراه وهو يتصفح هاتفه على مدار اليوم ما بين القراءة والاستماع والمتابعة لهذا الضخ الهائل من المعلومات واللا معلومات والحقائق والأكاذيب والوعي واللا وعي والخرافات والبذاءات والفضائح.. وهو محشور في جحور وأزقة ودواعيس وهاويات وسائط التواصل الإجتماعي والوات ساب الذي حين توقف قبل أيام للحظات قليلة بسبب عطل فني أصيب العالم بتدهور مفاجئ في حالته الصحية كمريض (الآي سي يو) حين تنزع منه أجهزة تنظيم النبض وكمامات التنفس الموضوعة على وجهه وصدره.
لا أعرف حلاً لما حل بنا وبهذا العالم من إدمان مميت.. لا أعرف كيف هي النهاية.. وما هو السيناريو وهل من طريقة للإقلاع عن الوات ساب والفيسبوك..؟! كل ما أستطيع قوله إننا جميعاً الآن لسنا بخير.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالى