القضاء المسيس

لقد سلكت حكومة الانقاذ مسلكا خاطئا منذ البداية فى قضية ابرار ، و وضعت القضاء السودانى برمته فى موقف لايحسد عليه واضرت بسمعته فى العالم واظهرته كقضاء منحرف بعيد عن الاستقلالية والنزاهة والحياد.
فلا احد منا يصدق ان محكمة الاستئناف قامت بتبرئة ابرار لخطأ فى الاجراءات ، لان الاجراءات صحيحة مئة فى المئة ، والتهمة ثابتة و واضحة وضوح الشمس فى كبد النهار ، ولو كان الامر غيرذلك فلماذا لم تقم وزارة العدل باحالة هذا القاضى الذى حكم على المتهمة بالاعدام للصلاحية، والمفترض انه قاضى كبير لان قضايا الاعدام لا يتصدى لها قضاة مبتدؤون.
ولكن حكومة الانقاذ كما عودتنا دائما آثرت السلامة بعد ما تعرضت له من انتقادات اقليمية ودولية ، وصلت لمرحلة التهديد و التلويح بالعقوبات، الامر الذى دفعها للتراجع مضحية بسمعة القضاء السودانى ، ومؤكدة للكافة ان القضاء السودانى مسيس يتحكم فيه مزاج الحاكم لا ضمير القاضى .
هذا الامر اكده وزير خارجية السودان علي كرتي, اثناء مباحثاته مع نظيره الألماني فرانك شتاينماير, بالعاصمة الألمانية برلين، عندما قال أن القضاء السوداني كفيل وقادر على معالجة قضية الفتاة “المرتدة” مريم يحيي, وفق إطار الاستئناف القانوني ولتحقيق العدالة “بما يرضى جميع الأطراف “، اذن المسألة مسألة ترضية وتغور العدالة .
وكلام السيد الوزير يتنافى مع ماقله وزير الدولة بالخارجية السودانية السيد عبيد الله محمد عبيد الله لاحدى الصحف الذى دعى فيه بريطانيا لاحترام اختصاصات القضاء السوداني، مؤكدا عدم إمكانية تدخل الأجهزة التنفيذية في أحكام القضاء.
ما هذا التناقض العجيب بين وزير خارجية يبحث عن ترضية جميع الاطراف ، وبين وزير دولة يؤكد عدم إمكانية تدخل الأجهزة التنفيذية في أحكام القضاء.
وكلنا يذكر ان قضية المفكر السودانى الكبير محمود محمد طه التى لم تجد مثل هذا الزخم الاعلامى كانت ايضا تلبية لمزاج السلطة التى دعمها الاسلاميون فى ذلك الوقت ، وان الحكم باعدامه لم يجئ ابدا نتيجة لاقتناع المحكمة بصحة الاجراءات وقناعة القاضى ، بدليل تحرج كبار قضاة السودان حينها من االنظر فى قضية محمود محمد طه فتصدى لها قاضى صغير السن حديث التخرج ملبيا ما أملته عليه السلطة التى اهدرت شموخ القضاء السودانى .

[email][email protected][/email]