مقالات سياسية

التطبيع يتفتّت على صخرة الإرادة والثوابت 

مختار العوض موسى
لا أدري على أي أساس أو قاعدة استند عليها وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في تأكيداته التي أطلقها عقب عودته من زيارته المشؤومة للسودان ؛ بأن الخرطوم وتل أبيب سيوقعان اتفاق سلام في واشنطن في غضون أشهر”؛ وكان من الطبيعي ان يكون لأبناء الوطن رأي واضح : “يا بعدك .. ولن يتحقق لك هذا الأمل البعيد المنال”؛ ولقناعة إسرائيل بصعوبة اقتلاع قرار تطبيع السودان معها ؛ فإنها لن تتوانى إطلاقاً في طرق أكثر من باب ؛ ولا تتورع في إتباع أساليب الخداع وتدبير المكائد ؛ ما لشئ إلا لتحقيق أهدافها الاستيطانية الاستعمارية على حساب الشعب الفلسطيني ؛ وهاهي تحاول عبثاً أن تستغل الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة والأوضاع السياسية المهترئة في السودان لفتح شهيته بمشاريع كاذبة واهمة لا وجود لها على أرض الواقع ؛ وتتشدق على لسان خارجيتها بأن إرساء علاقات متميزة بين البلدين سيدعم التعاون بينهما في مجالات الزراعة والطاقة والصحة والمياه والتعليم.
 هذه هي إسرائيل تتمادى في عبثها لإبراز أهمية هذه الاتفاقية المقترحة والمرفوضة قلباً وقالباً بحجج واهية لا تنطلي على العقلية السودانية الواعية ؛ وإذا كان كوهين يرى في توقيع هذه الاتفاقية تعزيزاً للاستقرار الإقليمي ؛ إلا أنه تناسى أن تل ابيب هي التي تنشر الفوضى في المنطقة بانتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي الإنساني وغير ذلك من القوانين والأعراف والمعاهدات الدولية ؛ بما ترتكبه من أعمال شنيعة لاإنسانية في قطاع غزة والضفة الغربية ؛ والقاصي والداني يدرك اعتداءاتها المتكررة طيلة السنوات الماضية دون بارقة أمل للتوقف ؛ وهي في كل اعتداء لا ترعوي عن ارتكاب مخالفات قانونية صريحة ؛ ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب ؛ مع استمرار تصعيدها الخطير لمسار العنف الممنهج ضد المدنيين الأبرياء في القدس وغزة ومواقع أخرى في فلسطين ؛ وتدمير الأعيان المحمية قانونياً.
 هذه هي إسرائيل لم تكتف في أعمالها اللاإنسانية بما تحدثه من اصابات بليغة بين الفلسطينيين المدنيين ؛ بل تعمل ــ مع سبق الاصرار والترصد ــ على منع وصول طواقم الاسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني إليهم ؛ وتعوق عملها في تضميد جراحات المصابين وذلك إمعاناً في إذلالهم ؛ فقد رأى العالم في رابعة النهار ما تعرضت له هذه الطواقم الاسعافية من اعتداءات صارخة تنافي أبسط قواعد القانون الدولي الإنساني وما يمضي يوم إلا ونشاهد في القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي مقاطع تقشعر لها الأبدان ويندي لها الجبين ؛ أناس عزل من أطفال ونساء ومسنين يسامون سوء العذاب في الأراضي الفلسطينية المحتلة يتعرضون إلى الضرب المبرح والإيذاء الجسدي والنفسي ؛ ولأن إسرائيل معروفة بنكص العهود تجاهلت جمعية نجمة داوود الحمراء مذكرة تفاهم سبق أن وقعتها في 28 نوفمبر 2005م مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بهدف تسهيل قيام الجمعيتين بمهامهما الإنسانية بأكبر قدر ممكن وذلك بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني وميثاق الحركة الدولية لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر ؛ إلا أن نجمة داوود الحمراء تملصت من تنفيذ بنود هذه المذكرة وضربت بها عرض الحائط ؛ ما يؤكد استمرار إسرائيل في نقض العهود وانتهاك حقوق الإنسان ، فقد عملت منذ البداية ، ليس فقط على احتلال الأرض أو اغتصابها ، بل القضاء على الهوية الفلسطينية ؛ وتمادت في جرائمها بانتهاكها للقانون الدولي وقانون حقوق الإنسان وجميع الشرائع والاتفاقيات والمعاهدات الدولية ؛ وبعد كل هذا تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى التطبيع مع السودان ؛ إلا أنه فات عليها أن تدرك أن إرادة شعبه عصيّة على أي محاولات لجرها إلى هذا الوكر؛ هي إرادة متماسكة بمواقفنا الثابتة الداعمة للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
 ختاماً نتنساءل : هل يحق للقائمين على حكومة الفترة الانتقالية الراهنة اتخاذ هكذا موقف في قضية مصيرية باسم بلد حدادي مدادي؟ هل يعتقدون انهم بهذا الإجراء يضمنون استمرار  بقائهم في كرسي السلطة؟ هل يحق لهم المساس بالإرادة الحرة والمستقلة لأبناء الوطن والتي تظل عصية عن اختراقها باي قرار يتعلق بالقضايا الأساسية والمصيرية؟؛ هذا هو الشعب السوداني سيظل محافظاً على إرادته ويقف سداً منيعاً أمام كل من تسول له نفسه النيل منها ؛ وسيكون على العهد كما كان ولا زال .. ولن ينسى اللاءات الثلاث الصادرة في ختام مؤتمر القمة العربية الرابع في الخرطوم يوم 19 أغسطس 1967م عقب النكسة وهي “لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه”؛ ولن ينسى تأكيدات هذه القمة  على وحدة الصف العربي ووحدة العمل الجماعي ؛ والالتزام بميثاق التضامن الصادر في مؤتمر القمة العربي الثالث بالدار البيضاء بالمغرب 1965م ؛ وتأمين انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها بعد 5 يونيو/حزيران 1967م ؛ وتضافر الجهود لإزالة آثار العدوان ، على أساس أن الأراضي المحتلة هي أراض عربية يقع أمر استردادها على الدول العربية جمعاء ؛ وغير ذلك من القرارات الداعمة للقضية الفلسطينية.
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..