(الهَالوكْ)!.

خط الاستواء
الأُبيّض مدينة لا حياد مع رمالها ودعاشها، لا حياد بين التبلدي وحقول السمسم، ولا بين عواليها، من جبل كردفان إلى جبل كرباج، من خورطقّت إلى العُشر.. حيثما دوّت رعودها طارَ السمبر وحبَا جداد الوادي.. حيثما جئت إليها، فهي مثل (الهَالوكْ)، ثمر الدليب في ليالي كردفان المقمرة.. الدليب لا يعطي ثمره إلا بعد منتصف الليل.. من جنين الدليب يتم تزريع (الهَالوكْ) و (الهَالوكْ ينسّيك أُمّك وأبوك)!.
قال الأديب الدبلوماسي، جمال محمد أحمد أن الأُبيِّض هي صُرّة افريقيا.. هي روابة البلد، لا يُقطع رأي في هذا السودان إلا في حضرة بنيها. هذا ما اكتشفه المهدي الثائر والعميري الفنان.. هذا ما استيقَنه تِنقا وعبد القادر سالم، وخليل اسماعيل، وشيبون… (شيبون عسجداً يسيل يملأ القنا / الجِنُّ عوّذت سفوحه كواسِرا / والشمس عوّذت جبينه سَنا / إن جال في ميزاننا ترجّحت أكُفُه ومِالْ / إن صيغ في سواعد المدملجات خَال / أو لُفّ في الرقابِ، شَعّ برقَه وشَال)!.
الأبيّض هي ودّ القرشي، الاستاذ شنتوت، والاستاذة سعاد عبد النعيم، وأخيها عزيز، وآمنة السيد مكي، وكرار السيد بكري أيقونة المدينة، وود أب صفية، والفكي مدني، وآل شبور، وآل البُر، والاذاعي الألمعي عوض محمّداني، وعثمان حمد النيل، لاعب الكرة الموهوب، الذي كتب على ورقة الدولار، بيتاً لشاعر العراق الجواهري: ( به تُستباحُ البلادُ وتُشرى الذِّمم).
الأُبيِّض هي الأول في كل شيئ. هي مدينة الازهري، رافع العلم، وسليل الطريقة الاسماعيلية، أول طريقة صوفية سودانية لحماً ودماً.. الأُبيِّض هي الحلّاج، النقي كالمطر، المتواضع كالعشب، الجامح كخيول الجهاد.. هكذا كتب عنه الشاعر بابكر مكين، بينما يناديه شاعر أكتوبر، محمد المكي إبراهيم ، بـ (ملِك كردفان المُتوّج).. محمد عثمان الحلّاج، هو أحد المثقفين السودانيين الحُفاة، الذين إذا قالوا صدقوا، وإذا ناجزوا أفحموا، وإذا ماتوأ ـــ والموت حق ـــ فإنهم يموتون (واقفين زي الشِّدَر).. قال الفيتوري: (الكلمات الميتة، كالأشجار الميتة دون ظلال، تعبرنا حين تقال… الكلمات الميتة كنباتات الشطآن الصخرية، زلقة تتسلقنا بيد الشفقة، بالضحكات المرة، بالحزن المر، بالإحساس العادي من روح الشعر)..
ولد الحلّاج في كردفان، أواخر الاربعينيات، وهو رائد الحركة الثقافية ومؤسس رابطة كردفان.. أخرج الحلاج معركة شيكان في موقعها التاريخي، محرِّكا أربعمائة شخص، جسدوا رايات المهدية التي جمعت كل أصقاع السودان، كما أخرج فيلم (عود بتّ اللّحو، تسوط بيهو الكِسرة وتوقد بيهو الضو)، وهو فيلم يتناول دور المعلمات في نهضة الريف.. نهضة الريف هي المشروع الاساسي في حياة الحلاج.
الحلاج ينتمي للجميع، ولا يعرف الـ ( فور وييل درايف). الحلاج يعوس لكل الناس، ولا يتغطى بـ (الفِراد الملونة)، مذهبه في ذلك: (المابِهِمو فقْرك، ما توليهو أمرك)!.
يقول الحلاج: (البلد دي مافي زول بيقدر يسوقا براهو. البلد دي أصلها ثنائيات، نيل أزرق ونيل أبيض، غابة وصحراء، مزراع وراعي، عمارة دونقس وعبد الله جماع، اتحادي وأمّة، هلال مريخ، وردي وأبو اللّمين.. هذا هو السودان، بلاش خوْتة)!.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..