حراك جديد

رأي

حراك جديد

د. دفع الله أحمد دفع الله

٭ حراك جديد هو ميلاد لفكرٍ قديم جديد لحمته وسداته هو الفكر الاتحادي الذي نسبه اصحابه ولاذوا بالمصالح وطلب السُلطان. وظلوا يلهثون وراء السراب بقيعة حسبوها ماء، حراك جديد سوف تتشكل فيه فسيفساء سياسية جديدة تُعبر عن الواقع الجديد، واقع العروبة الجديد واقع ثورة الشباب الجديد، واقع الانفكاك عن ريش البصل الامريكي الذي ظل يقيد الشعوب ويتلاعب بها وهى لا تملأ في تفكيره أى مساحة غير مساحة الذهب الاسود الذي لا تستحقه هذه الشعوب، حراك جديد لبناء قبلة سياسية عتيقة ستفرز الساحة الى ثلاث، السابقون فيها هم من يحملون هم هذا الوطن يسيرون به نحو العزة والوحدة في إطار وطن كبير يسع كل من آمن بنهر النيل بحيرة للوطن وآمن بالتدامج الشعبي في هذه الكتلة، وآمن بالعروبة ثقافة رائدة لا عنصرية، والاسلام، اخلاق عالية، ومنهج علمي، وآمن بوحدة شمال السودان وجنوبه وبوحدة السودان وحوض النيل، تتجمع فيه القدرات والثقافات والموارد والمناخات ليصحو عملاق افريقيا والعرب يظهر قلب افريقيا النابض مالكا للبحر الاحمر والابيض على تاجه تقعد فلسطين بالاقصى والقيامة وعلى هضبته الشرقية يتجول اسد افريقيا (السلاسي والراستا) يتغنى بوب مارلي وام كلثوم ومحمد وردي لهذا الوليد العملاق، حراك جديد يسعى للتغيير ، عبر تفكيك حكومة الانقاذ غير الشرعية مهما صرخت وقد ظلت تجثم فوق صدورنا لربع قرن لا يذكيها غير منطق القوة الامنية، حتى بعد ان فقدت مشروعها الحضاري، كل ما تطلقه الانقاذ الآن لن يغني عنها شيئاً، وهى تفكر فيما يطيل العمر ولو لأمد جد محدود، تفتقت عبقرية الانقاذ عن سيناريوهات عتيقة لتتجاوز بها عنق الزجاجة وعينها على ثورات الشعوب العربية التي تهز العروش واحداً من بعد واحد وفرداً من بعد فرد، حراك جديد يصنعه الشباب الذي يبتكر الوسائل ويجمع المعلومة ولا يرضى بغير التغيير الشامل، التغيير الذي ينشده هذا الحراك هو تغيير للنظام والمعارضة فهما في خندق واحد ضد تطلعات هذا الشعب، إن مثقاب الثورة هو الشعور بالظلم ودافعها هو طلب الحرية، إنك لا تستطيع ان تظلم الناس كل الوقت، ولا تستطيع ان تفسد في الارض كل الوقت، ولا تستطيع أن تراقب الناس كل الوقت.
لابد لقوى سياسية ان تتشكل، ولابد لها ان تحمل معاني مرحلة ما بعد الانقاذ والقوى التي لا ترى بعيد البحث العلمي والتنظيم التفاعلي والتي لا تملك برنامجاً يجتمع فيه وتتجمع فيه الاقلام صاحبة الضمير لن يكون له أثر، ونصر الله يأتي من حيث لا نحتسب لأن كل من سلك طريق التآمر على الشعب وعلى حرية الشعب وعلى حق الشعب في الكرامة وكل من يعمل في السياسة من أجل (الطموح المشروع) للنفس هو خارج دائرة الوعي الشعبي، الطموح يجب ان يكون برنامجاً من اجل الشعب والاوطان لا لذة عابرة لمنصب رئيس للوزراء، برنامج نعمل من أجله نبتغي من ورائه علياءً في الارض تحت اسم الطموح- وماهو الفرق بين طموحكم هذا والبلد بلدنا والغرور غرورنا- هذا الغرور لا يسمى طموحاً، فالطموح أن يتحرر الشعب وأن تتحقق وحدة وادي النيل وان يكون وطن النيل رائداً ورئيساً لوزراء افريقيا ورئيس جمهورية العرب وسفيراً في الأمم المتحدة للعالم المتقدم- هذا هو الطموح نصل اليه ببرنامج يهز الشجرة والكرسي من تحت الذين جاءوا بالغصب وما اخذ بالغصب لا يؤخذ إلا غلابا. إن الثورة التي دقت كل أبواب العربان لن تمكث بعيداً عنا ترمقنا بالعين ولكنها باليد المضرجة بالدماء ستدق بابنا، وسينور بيتنا وشارع بيتنا عندما يأتي الشبان ليخطبوا بناتنا، وحقيقة الأمر ان نظام الجبهة الاسلامية الحاكم الآن يمتلك بعض الايجابيات التي تعلمها من (غيره) ولا غضاضة أن نتعلمها منه وأهمها المؤسسية، لقد ظل المفكرون السودانيون يطالبون بتأسيس العمل السياسي دون جدوى حتى اصبحت المؤثرات الحزبية ألواناً من الولائم أو اضغاث أحلام.
وهذه ميزة سمحت للانقاذ بالاستمرار لانها قيمة مضافة لا يتمتع بها الكثيرون من العاملين في الحقل السياسي السوداني فأحالوا الحقل السياسي الى مرعى كبير يحب فيه كل ليلاه ويغني عليها كما يحلو له المزمار، ولكن الاسلاميين ظلوا يحملون جرثومة الموت لهذه المؤسسية بتنظيمهم الطليعي الذي ظل يمسك بخيوط اللعبة كما يُمسك قائد الثورة الليبية بخيوطها ويدعي أن الثورة من ثروة وسلطة وسلاح بيد الشعب حتى ان لم يعد بيد الشعب سلاح، إلا الذي اخذوه منه في ثورتهم حينما حطموا المخازن، رأى الامر هنا ان المؤسسية الانقاذية فقدت حيويتها منذ الولادة فقد اختصرت في يد الترابي في مرحلة والمجلس الاربعيني في أحيان أخر وتحت مسميات أُخر ولكن لم يكن في يد المؤتمر الوطني الحزب في يوم من الايام، لقد جمع الحزب كل سلطات الحكم في يده فهو الذي يُعين (مساعد المدير الطبي لشؤون التمريض) في المستشفيات منطلقاً من دائرة اللجنة الطبية التي تُمسك بكل شيء ولا تنظر إلا بعين لا تبصر شيئا إلا مصلحة افرادها المتشاكسون ويظل منصب الوزير يملأه من كان يمتلك عشر ربطات عنق وعشر بدلات لامعة وحتى هذه يمكن توفيرها من مال الشعب السوداني اذا لزم الأمر هذا الاحتكار للسلطة باسم الحزب الحاكم الذي لا يملك السلطة الفعلية يجعل من مؤسسة النظام أو السياسة أو الحزب هيكلاً صورياً يغطي تحته درجات عالية النسبة من الفساد الذي لا يمكن تطهيره أبداً وهو القادر على البقاء حتى لو تغير النظام فتلك المؤسسات هى المعنية بالتغيير اذا حدثت الثورة الشبابية وهذا ما يمكن ان يدفع البعض للتفكير في الفوضى التي ستعم بعد رحيل النظام والتي لا يجد لها الشباب أو اليائسون من السياسيين الذين يمدون (قرعتهم) الفارغة يستجدون بها المناصب باسم المعارضة ولذلك فإن لثورة الشباب القادمة – لو اردناها أو لم نردها- تحديات، الأول في عملية صناعة الثورة وهو تحدٍ يمكن تصور الحلول له ولكنه خطير لأن مؤسسة مخابرات النظام لا تقل إدراكاً ولا إمكانيات لإدارة هذه المعركة، والتحدي الثاني هو كيف يملأ الفراغ الذي سيحدث، وهذا هو واجب قوى المعارضة التي لا نثق ابداً في قدرتها حتى على التفكير في هذا المنحى. ولكن الغريب في الامر أن جميع قوى المعارضة التقليدية تفكر جيداً في الاستحواذ على الثورة إن قامت. وفي الثمرات اذا ينعت، ولهذا فإن مولد القوى السياسية التي ستعود بعد الانقاذ ومرحلتها البائسة الحالية، والتي لم تتمخض إلا عن فأر برأسين احدهما في جوبا والثاني بالخرطوم على هذا المولد ان يتم قيصرياً والأن حتى يمثل المحور الذي ستلتف حوله جموع الشعب والشباب لتسير بالوطن الى غاياته وتقفز فوق حاجز الفوضى وتؤمن فكر الثورة وجسم الوطن وحرية الحركة السياسية القادمة. هذا الجسم يجب أن يحمل سمات الافق وقيم الضمير للأمة حتى يمن الله عليه بالرؤيا الحقة، ونعود الى الجذور بإذن الله و(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) صدق الله العظيم.
* بروفيسور مشارك/ جامعة الزعيم الازهري

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..