السودان .. ذكرى الإستقلال وإخفاقات الأنظمة (الوطنية)!!

《رؤيتي》
السودان .. ذكرى الإستقلال وإخفاقات الأنظمة (الوطنية)!!
بقلم/ التاج بشير الجعفري
مرت ذكرى يوم الإستقلال المجيد هذا العام وبلادنا تئن من جراحات الحرب والفرقة والشتات .. الحرب التي دمرت كل شيىء وشردت الملايين وزجت بهم في غياهب اللجوء والمسغبة طلباً للأمن والأمان.
طوال السنوات الماضية كانت ذكرى الاستقلال تمر والبلاد غارقة في الخلافات السياسية التي لا طائل لها، ولا تقدم أو تؤخر، وكم كنا نمني النفس أن يفيق الساسة والأحزاب والكيانات من سباتهم وغفلتهم تجاه ما يتهدد البلاد من مخاطر وتحديات في هذا العالم المضطرب الذي لا يمكن لأي شخص أن يتنبأ بما يمكن أن يكون عليه الحال والمآل بين لحظة وأخرى .. ولكن رغم كل ذلك يصر الساسة والعسكريين على أن لا يولوا إهتماماً للمخاطر والتحديات المتصاعدة، والسبب يعود لعدم إدراكهم للأسس السليمة لكيفية إدارة الدولة والمحافظة عليها وتقويتها من خلال تعزيز وتوطيد الإستقرار السياسي والإجتماعي وتعظيم المقدرات والإنجازات الإقتصادية والتنموية والمحافظة عليها وتقوية نظام التعليم والعمل على رعاية المواهب العلمية وتشجيع الاكتشافات وتطوير البحث العلمي بالجامعات والمراكز البحثية المتخصصة؛ وتلك هي المجالات التي تتنافس عليها الدول في عالم اليوم، وقد حققت العديد من الدول إنجازات كبيرة في إطار السعي لتوفير العيش الكريم والرفاهية لشعوبها وإثبات الجدارة في كافة المجالات لخلق النفوذ والبقاء ضمن الفاعلين على الصعيد العالمي.
ورغم كل هذه الإخفاقات الكبيرة والمتكررة التي لازمت فترات الحكم السابقة منذ استقلال البلاد وحتى الآن؛ إلا أنه لم يخطر ببال أحد أن يصل حال بلادنا إلى ما وصل إليه اليوم، حيث إنعدم الأمن والأمان وضاق الحال بالناس الذين فقدوا ممتلكاتهم وإضطروا لترك ديارهم في العاصمة وبعض المناطق الأخرى وبدأوا رحلة النزوح نحو المجهول إما داخل البلاد او اللجوء لبعص دول الجوار.
هذا الحال الذي تعيشه بلادنا منذ إندلاع الحرب في الخرطوم في الخامس عشر من أبريل 2023م هو نتيجة طبيعية ومنطقية لتراكم المشاكل وإعتماد أسلوب الحلول التكتيكية والمؤقتة وعدم الرغبة في مخاطبة ومناقشة جذور المشاكل والتحديات بسبب غياب الرغبة الحقيقية في تصفير المشاكل ووضع البلاد على الطريق الصحيح .. وحتى أكون أكثر دقة فإن الأنظمة المتعاقبة على الحكم كانت تسعى دوماً للتعاطي مع المشاكل المزمنة، في المجالين السياسي والاقتصادي، بطريقة تضمن استمرارية حكمها وترسيخ سلطتها فقط؛ دونما التفكير في مستقبل البلاد أو الحرص على ترك إرث رشيد في الحكم والإدارة يبني عليه اللاحقون نهجهم ويساهم في بناء الدولة وتعزيز دور المؤسسات وترسيخ مباديء العدالة والشفافية والمحاسبة ومحاربة الفساد.
أيضاً يعود إخفاق الأنظمة السابقة، في بعض جوانبه، إلى غياب المشروع الوطني والأهداف الإستراتيجية الواضحة والمتفق عليها، بالإضافة إلى تركيز الأنظمة السابقة جهدها على إشعال نار الخلاف السياسي وتطبيق “سياسة فرق تسد” لتكريس توجهها الأحادي الذي يتغذى على تعارض الأيديولوجيات السياسية والشعارات الحزبية واللهث وراء المصالح سعياً للإنفراد بالسلطة وإقصاء الآخرين.
لقد آن الأوان أن ينتبه الساسة والعسكريين إلى المخاطر الجسيمة المحدقة بالوطن الذي بدأ فعلياً يغرق في المشاكل والنزاعات التي تنتشر في أرجائه؛ فالدول تتفكك بسبب انتشار الفوضى والنزاعات وغياب الأمن؛ ولذلك يجب أن تكون لنا عظة وعبرة في دول من حولنا تفككت بسبب الإختلافات السياسية والعقائدية والجهوية التي عصفت بها كما هو حالنا اليوم.
أقول لا مناص من الجزم بضرورة العمل على بناء دولة المؤسسات لا دولة الأنظمة السياسية؛ وهذا يتأتى فقط بالحوار والوصول لنقاط إلتقاء يمكن البناء عليها للتقدم للأمام بالعمل الجاد المخلص ومخاطبة جذور المشاكل ومسبباتها وإبتكار الحلول المناسبة.
كذلك لابد من تعزيز دور مؤسسات البحوث والدراسات الإستراتيجية وضرورة الاسترشاد بتوصيات هذه المراكز في عملية صنع القرار في كل ما يخص القضايا الإستراتيجية والمصيرية فضلاً عن إعتماد الخيارات المدروسة للتوجه نحو المستقبل.
كفانا عبث السياسيين والعسكريين ومغامراتهم غير المحسوبة وتطلعاتهم غير الواقعية؛ ولنحتكم جميعاً لصوت العقل والعلم والتفكير السليم، فالعالم يتطور من حولنا ولا نزال نتباهى بالموارد الكبيرة التي تمتلكها بلادنا والتي فشلنا بإمتياز في تحويلها وتسخيرها لمصلحة هذا الشعب ورفاهيته.
ختاماً، لنجعل العام الجديد 2024م البداية نحو تحقيق السلام في ربوع البلاد والتخطيط لمستقبل زاهر ومشرق برؤية جديدة وأسلوب حديث ونهج مغاير في التعامل مع القضايا والخلافات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والحزبية والعمل على تغليب مصالح البلاد العليا في كل الأوقات .. فالجميع ذاهبون ويظل وطن الجدود شامخاً وذخرا لأجيالنا القادمة، بإذن الله تعالى.🔹