مقالات سياسية

أزمة مصرية في ( مجاهل) أفريقيا: الكلاب و العبيد

أثناء إحدى جلسات جمعية البيئة بالأمم المتحدة في كينيا، تقدمت مصر و المغرب بقرار ينص على إرسال بعثة من خبراء البيئة إلى غزة لدراسة الوضع البيئي هناك، خاصة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير عليها.. اعترضت أمريكا وإسرائيل و بعض الدول الأوروبية على مناقشة هذا القرار في ذاك الاجتماع، و جرت مناقشات مطولة في محاولة للحيلولة دون التصويت على القرار، و غادرت بعض الوفود القاعة أثناء المناقشات المطولة و نتج عن مغادرتها نقص في النصاب.. حينها تقرر تمرير القرار للتصويت، فأصرت مصر والمغرب، و معهما المجموعة العربية، على رفض تمريره دون أن يكتمل النصاب القانوني!
إتضحت المؤامرة بسفور! غضب المندوب المصري على التلكؤ الذي حدث و نتج عنه النقص في النصاب.. و قدّر و فكَّر بصوت عالٍ:- ( دول كلاب و عبيد!).. و نسي أن اللغة السواحلية تذخر بمفردات كثيرة أخذتها من اللغة العربية.. و أن العديد من سكان شرق أفريقيا ذوو أصول عربية و يتحدثون العربية بطلاقة.. و قد التقطت أُذن أحدهم ( التقدير و التفكير) المصريين اللَّحْظِيين.. و بث الخبر محلياً و انتشرت الفضيحة تروي للعالم سقطة الدبلوماسية المصرية.. سقطة لها ما بعدها من شروخ خطيرة على جدار العلاقات المصرية الأفريقية التي ما تزال تشوبها شوائب المياه العكرة بين منابع نهر النيل و مصبه..
لا يُستبعد عبثُ أيادٍّ اسرائيلية خفية في مجريات الأحداث بشكل ما.. بحكم أن أفريقيا أصبحت فضاءً إسرائيليا شاسعاً واسعاً بلا منافس.. و اللوم في ترك المجال الأفريقي لاسرائيل يقع على سياسة أنور السادات و خليفته حسني مبارك تجاه أفريقيا.. فقد مشى السادات على خُطى جمال عبدالناصر في أفريقيا ( بالاستيكة) كما يقول المصريون.. فتَوَلَّت اسرائيل سدَّ الفراغ بمستشارين من مختلف التخصصات يصحبهم جيش جرار من عملاء الموساد يجوبون الأحراش، و يفككون ما بناه المصريون هنالك ليعيدوا بناءه بهوية اسرائيلية.. و بعد السادات جاء حسني مبارك ليبتعد عن حضور مؤتمرات القمة الأفريقية تعبيراً عن غضبه من ( أفريقيا) كلها على إثر محاولة دواعش السودان اغتياله في أديس أبابا.. فتضعضع دور مصر أكثر و أكثر.. و تقزم لدرجة التلاشي في المنطقة..
و تحضرني قصيدة للشاعر/ نزار قباني يقول فيها:-
” ما دخل اليهود من حدودنا.. لكنهم تسربوا كالنمل من عيوبنا!”
و يمكن استبدال كلمات القصيدة هكذا: ” ما دخل اليهود أفريقيا من حدود مصر لكنهم تسربوا كالنمل من عيوب الدبلوماسية المصرية!”
قدمت الدبلوماسية الكينية السيدة/ إيفون خاماتي مذكرة إلى رئيس البعثات الدبلوماسية الأفريقية بشأن ما وصفته بسوء سلوك رئيس الوفد المصري و ذكرت أن ما قام به قد يؤثر على فرص أفريقيا في استضافة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، كما أنه يعكس نقص إخلاص مصر للقارة السمراء.. و رفض السيد/ خالد فهمي، وزير خارجية مصر تهمة ( واقعة عبيد و كلاب) جملة و تفصيلاً.. و أكد أنهم لم يتفوهوا بألفاظ خارجة.. و أنهم يرفضون محاولات التشكيك في انتمائهم لأفريقيا..
و المثل السوداني يقول:- ” العود لو ما فيهو شق، ما قال طق!”.. إذ لا يوجد سبب من الأسباب المنطقية ما يجعل السيدة/ إيفون خاماتي تلصق تهمة خطيرة كهذه بأي شخص آخر إن لم تكن التهمة مبنية على واقع ذي صلة.. طالما ليس بين إيفون و بين المندوب المصري أي حساسية أو شحناء تجعلها تنحدر إلى تلفيق التهمة موضوع الأزمة ..
و تقول السيدة/ إيفون أن أفريقيا فقدت الثقة في القيادة المصرية ولا تشعر أن لدى مصر الدافع الأخلاقي لتمثيل أفريقيا في أي مفاوضات.. و يقول السيد/ خالد فهمي: “لا يمكن لأي عضو مصري أن يتلفظ بأي من تلك الألفاظ! و يطالب بالدليل و البرهان.. و تستمر الصحف الكينية في الهجوم.. و تستمر الصحف المصرية في الدفاع و الهجوم المضاد!
الكارثة وقعت.. و الأزمة ستتمدد.. و لإسقاطاتها ترددات سوف تتواصل.. ولا حاجة إلى برهان لإثبات البراءة في مثل هذه الحالات.. و ( الصقر كان وقع كترة البتابت عيب!).. و على الدبلوماسية المصرية ألا تضيع طاقاتها في ما لا يفيد.. بل عليها السعي لإزالة آثار ما حدث بأسلوب يعيد ثقة الأفارقة في نظرة مصر لأفريقيا السوداء من زاوية غير الزاوية التي ترى فيها الأفارقة مجرد ( كلاب و عبيد!)..
لقد فقدت مصر أفريقيا لاسرائيل منذ زمن؟ و كانت أفريقية كلها مع مصر طوال فترة نظام جمال عبدالناصر.. و لا يخفي كثير من الأفارقة اعجابهم بجمال عبدالناصر.. و من ناحية أخرى، و رغم الاعتقاد السائد بأن أنور السادات رجل براجماتي، إلا أن المصريين يعتقدون أنه ( مشى على خطى ناصر بالاستيكة)، كما سبق و ذكرنا، و لولا ذلك لكسبت مصر الكثير حصادَ ما بذله الرئيس/ جمال عبد الناصر من جهد أنتج علاقات متينة تعضد المصالح المشتركة بين مصر و بقية بلدان القارة، خاصة السوداء منها..
كانت رؤية جمال عبد الناصر بعيدة المدى.. كان قارئاً جيداً للمستقبل.. و يعرف حاجة مصر الملِّحة إلى أفريقيا.. فكان أن جعل مركز سياساته العمقَ الأفريقي المرتبط بالامتداد العربي ( من المحيط إلى الخليج..) في استراتيجية بنى عليها علاقاته مع رجال عظماء ينشدون وحدة شعوب (كل ) أفريقيا أمثال كوامي نكروما و أحمد سيكوتوري و جوليوس نايريري و جومو كينياتا.. و لم يستبقِ ناصر شيئاً في سبيل مساندة حركات التحرر الأفريقية بما في ذلك حركات ثوار جنوب أفريقيا و على رأسهم نلسون مانديلا.. كان جمال يحاول ربط المنطقتين ربطاً محكماً لتحقيق تطلعات شعوبهما في الحرية و العيش الكريم .. و لم يكن جمال عبد الناصر ” ناصر العربِ” فقط، بل كان ناصر الأفارقة أيضاً..
و جاء السادات.. ” يمشي على خطى جمال بالاستيكة!”.. و أعطت مصر ظهرها لأفريقيا.. و توجهت إلى الغرب بكلياتها بعد اعتراف السادات باسرائيل و التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد.. و كان اعتراف السادات باسرائيل بداية لهرولة الدول الأفريقية للاعتراف بها و إقامة علاقات دبلوماسية قوية معها.. علاقات ما كانت ستكون لو كان جمال عبدالناصر حياً.. فكثير من الدول الأفريقية تكِّن كثير احترام و تقدير لجمال بسبب وقوفه معها إبان نضالاتها المريرة.. و تكاد مواقفها تجاه اسرائيل تتطابق مع موقف مصر..
نعم، لو سارت الأنظمة المصرية على خطى ناصر في أفريقيا، لما واجهت مصر ما تواجهه الآن من أزمات لا تبدأ ب(سد النهضة) و لن تنتهي بواقعة ( الكلاب و العبيد)، ما دامت الدبلوماسية المصرية لا تمشي ( عِدِل) و لن تحتار إسرائيل في مصر أبداً، مع أن المثل المصري يقول: ” امشي عدِل، يحتار عدوك فيك”!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. بيت الشعر العربي يقول ( ومن يصنع المعروف في غير أهله بلاقي الذي لاقي مجير أم عامر) فقد لاقي أهلنا الافارقة من الانظمة المصرية كما لاقي صانع المعروف من ( أم عامر) وأم عامر علي حسب علمي هي أنثي (الضبع) التي قتلت مجيرها الذي أحسن اليها عندما كانت علي وشك الفناء.. فقد ذاقت أسرائيل الامرين في الامم المتحدة من مواقف الدول الافريقية المؤيدة والمساندة للقضية الفلسطينية بصفة عامة ولمصر بصفة خاصة حينما كانت مصر مثقلة بالهزائم والخيبات بعد هزيمة يونيو1967م!! أيضا أمامكم حالة حكومات (السودان) المتعاقبة والتي كانت مؤيدة بل تابعة تبعية عمياء للسياسات والمواقف المصرية والتضحيات الجسام التي قدمت لمصر علي حساب مصلحة السودان … كل تلك التضحيات لم تشفع للافارقة ونحن جزء منهم بالطبع من أن يكون رد الجميل وصفهم (بالعبيد والكلاب) كما لم تشفع لنا نحن في السودان كل ما قدمناه لمصر لم يمنعها من ( احتلال أرضنا وانتهاك سيادتنا) !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

  2. الاستاذ عثمان لك التحية . اظن انك قد اخطأت بدون قصد . عبارة مجاهل افريقيا عبارة بغيضة قد لا تقل عن وصفنا الافارقة بالعبيد . اذا نظرت الي بريتوريا ومدن ساحل العاج وقابون ستجد مظاهر من المدنية والحضارة ما لا يوجد في بعض الدول العربية التي لا توجد فيها مسارح ولا قالريات مثل نايروبي و كوناكري .

  3. أخي شوقي،رمصان كريم
    لقد وضعت كلمة( مجاهل)بين قوسين للدلالةعلى وجهة نظر المندوب المصري، و هي، بتاتأكيد، مغايرة لوجهة نظري الشخصية، فأنا ملِّم بالتطورالحاصل في عموم أفريقيا..
    و لك الشكر
    عثمان

  4. نسبة الضغط علي مصر ..
    من مجاميع مقاومتها كالامن والاستثمارات والسياحه ..
    والمفجعه جدا قادم انشاء الله .. سد النهضه ..؟؟
    واذا المسئول حصل منه التفاهات والاسلوب الرجعي بالحق ..
    فهو مصري وكائن حي ..
    يخاف علي مصالحه خاصه دور المياه ودا الركيظه الاساسيه ..
    اكيد شعر بان الافارقه ,, مالهيم شي او النظر علي اشكالية مصر بخصوص حوض النيل ..
    اما بالنسبه للدول العربيه لا تتعجبو .. كلهم بنفس التفكير ..
    يعني مافي جديد وممكن الدول الافريقيه تسمع اكتر من كدا ..

  5. الكاتب يكتب عن هذه الحادثة وكأنه ليس من أفريقيا “السوداء” .. كثير من أمثال هذا الكاتب في السودان يحاولون بأسلوبه هذا أو صراحة إنكار أي صلة لهم بأفريقيا “السوداء” طبعاً من منطلق عنصري كاذب أو متغافل .. عندما يتكلمون أو يكتبون عن أفريقيا “السوداء” يتظاهرون وكأنهم يكتبون عن شعوب أخرى لا ينتمون إليهم .. وكأن أفريقيا “السوداء” هذه شيء وهم شيء آخر !!

    دماء أفريقيا “السوداء” تجري في عروق هؤلاء .. في ملامحهم .. في شعرهم .. في لون بشرتهم .. في هياكلهم العظمية .. لكن يتعامون عن ذلك ويريدون إلصاق أنفسهم بالشعوب البيضاء بأي صلة من خلال التعابير المباشرة وغير المباشرة ..

    بعد إنفصال الجنوب السودان وجدنا في بعض الخرائط الدولية خريطة السودان الجديد الذي يشبه القوست Ghost ملحق بشمال أفريقيا !!!

    هذا لا يغير شيء من واقع السوداني .. سوداني مثلث حمدي .. الذي هو خليط بين بين عدة دماء ..

  6. بيت الشعر العربي يقول ( ومن يصنع المعروف في غير أهله بلاقي الذي لاقي مجير أم عامر) فقد لاقي أهلنا الافارقة من الانظمة المصرية كما لاقي صانع المعروف من ( أم عامر) وأم عامر علي حسب علمي هي أنثي (الضبع) التي قتلت مجيرها الذي أحسن اليها عندما كانت علي وشك الفناء.. فقد ذاقت أسرائيل الامرين في الامم المتحدة من مواقف الدول الافريقية المؤيدة والمساندة للقضية الفلسطينية بصفة عامة ولمصر بصفة خاصة حينما كانت مصر مثقلة بالهزائم والخيبات بعد هزيمة يونيو1967م!! أيضا أمامكم حالة حكومات (السودان) المتعاقبة والتي كانت مؤيدة بل تابعة تبعية عمياء للسياسات والمواقف المصرية والتضحيات الجسام التي قدمت لمصر علي حساب مصلحة السودان … كل تلك التضحيات لم تشفع للافارقة ونحن جزء منهم بالطبع من أن يكون رد الجميل وصفهم (بالعبيد والكلاب) كما لم تشفع لنا نحن في السودان كل ما قدمناه لمصر لم يمنعها من ( احتلال أرضنا وانتهاك سيادتنا) !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

  7. الاستاذ عثمان لك التحية . اظن انك قد اخطأت بدون قصد . عبارة مجاهل افريقيا عبارة بغيضة قد لا تقل عن وصفنا الافارقة بالعبيد . اذا نظرت الي بريتوريا ومدن ساحل العاج وقابون ستجد مظاهر من المدنية والحضارة ما لا يوجد في بعض الدول العربية التي لا توجد فيها مسارح ولا قالريات مثل نايروبي و كوناكري .

  8. أخي شوقي،رمصان كريم
    لقد وضعت كلمة( مجاهل)بين قوسين للدلالةعلى وجهة نظر المندوب المصري، و هي، بتاتأكيد، مغايرة لوجهة نظري الشخصية، فأنا ملِّم بالتطورالحاصل في عموم أفريقيا..
    و لك الشكر
    عثمان

  9. نسبة الضغط علي مصر ..
    من مجاميع مقاومتها كالامن والاستثمارات والسياحه ..
    والمفجعه جدا قادم انشاء الله .. سد النهضه ..؟؟
    واذا المسئول حصل منه التفاهات والاسلوب الرجعي بالحق ..
    فهو مصري وكائن حي ..
    يخاف علي مصالحه خاصه دور المياه ودا الركيظه الاساسيه ..
    اكيد شعر بان الافارقه ,, مالهيم شي او النظر علي اشكالية مصر بخصوص حوض النيل ..
    اما بالنسبه للدول العربيه لا تتعجبو .. كلهم بنفس التفكير ..
    يعني مافي جديد وممكن الدول الافريقيه تسمع اكتر من كدا ..

  10. الكاتب يكتب عن هذه الحادثة وكأنه ليس من أفريقيا “السوداء” .. كثير من أمثال هذا الكاتب في السودان يحاولون بأسلوبه هذا أو صراحة إنكار أي صلة لهم بأفريقيا “السوداء” طبعاً من منطلق عنصري كاذب أو متغافل .. عندما يتكلمون أو يكتبون عن أفريقيا “السوداء” يتظاهرون وكأنهم يكتبون عن شعوب أخرى لا ينتمون إليهم .. وكأن أفريقيا “السوداء” هذه شيء وهم شيء آخر !!

    دماء أفريقيا “السوداء” تجري في عروق هؤلاء .. في ملامحهم .. في شعرهم .. في لون بشرتهم .. في هياكلهم العظمية .. لكن يتعامون عن ذلك ويريدون إلصاق أنفسهم بالشعوب البيضاء بأي صلة من خلال التعابير المباشرة وغير المباشرة ..

    بعد إنفصال الجنوب السودان وجدنا في بعض الخرائط الدولية خريطة السودان الجديد الذي يشبه القوست Ghost ملحق بشمال أفريقيا !!!

    هذا لا يغير شيء من واقع السوداني .. سوداني مثلث حمدي .. الذي هو خليط بين بين عدة دماء ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..