القوى السياسية: الواقع و الفاعلية المرتجاة

د. محمد حمد مفرح
تحتم افرازات الحرب الجارية بالسودان منذ أكثر من عامين، ضرورة طرق كل الأبواب من أجل ايقاف الحرب، و ذلك لافساح المجال لعملية سياسية تعيد المسار الديموقراطي Democratic track بالبلاد. غني عن القول أن السعي الجاد و المثابر الهادف لايقاف الحرب، تحتمه افرازاتها المتعددة و اتساع نطاقها و استمرارها بوتيرة متصاعدة، آلت بسببها البلاد إلى وضع كارثي على أكثر من صعيد. و ليس أدل على ذلك من أنها ظلت تذيق المواطن ويلاتها، و تورده موارد المعاناة الحقيقية، بعد أن ضربت حياته في مقتل. علاوة على ذلك فانها غدت تشكل تحد وجودي Existential challenge أصبح السودان بسببه بصارع من أجل البقاء بعد أن غدت الدولة السودانية على المحك.
و تأسيسا على هذا الوضع بالغ الخطورة، فان ثمة حاجة لاستشعار القوى السياسية السودانية المسؤولية الوطنية للعب الدور المرتجى منها، من أجل انقاذ البلاد عبر السعي الجاد لايقاف الحرب. و ليس ثمة من شك في أن القوى السياسية
تمتلك، برغم ما تعانيه من قصور، من الإرث النضالي ما يمكنها من القيام بمسؤولياتها الوطنية ذات الصلة بايقاف الحرب و ما يستتبع ذلك من مطلوبات. و تبعا لذلك فان المسؤولية الأخلاقية تحتم على هذه القوى الارتقاء باهتماماتها إلى مستوى الحدث الجلل المتمثل في الحرب و ما قادت اليه من تداعيات.
من جهة أخرى، فان أي تقاعس من جانب هذه القوى حيال القيام بهذا الدور ، سيمثل عجزا فاضحا يعمل على تعرية عقلها السياسي، إن لم يدمغها بالتخاذل و الخيانة العظمى، في وقت يحتاج فيه الوطن لانفعالها بأزمته، و تفاعلها معها ثم تضافر جهودها الفكرية بهدف انقاذ البلاد، و هي تحدث، بلسان الحال عن وضعها التراجبدي.
و مما يجدر ذكره أن الوقوف بالجهود الفكرية عند حد التنظير الطوباوي، دون تفعيلها أو تطبيقها على نحو يعمل على اجتراح الحل الناچع للأزمة، لا يعدو، أي هذا الوقوف، أن يكون مسعى صفريا لا جدوى منه. ذلك أن هذه الأزمة بلغت ذروتها و هي تمضي في خطى متسارعة نحو القضاء على كيان الدولة State entity و العمل على تفكيكها، إن لم يتم تدارك الموقف.
وتنبع أهمية قيام القوى السياسية بدورها الوطني المرتجى تجاه أزمة السودان المستحكمة، من المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها كقوى سياسية يهمها أمر البلاد و استقرارها. فمن المعلوم أن برامج هذه القوى تتضمن طرحا يعكس هذا الاتجاه، و يعزز قيمتها كتنظيمات سياسية، للوطن عليها حقوق مستحقة. و من المؤكد أن قيامها بالدور الوطني المشار إليه سيمثل، في حالة تحققه، رصيدا يضاف إلى هذه القوى، و سيسجله التاريخ لها.
من جانب آخر، فان القوى السياسية المعنية تعاني من اختلالات مقعدة تحول دون قيامها بالدور آنف الذكر كما ينبغي، و تتمثل في الآتي:
١.عدم اكتمال الدورة الديموقراطية داخل بعض الأحزاب، و ذلك من جهة افتقارها للشورى و الممارسة الديموقراطية داخل مؤسساتها و اجهزتها.
٢.حاجة الأحزاب إلى إعادة تأهيل تنظيمي واعلامي و خلافه، مع حاجتها للمال.
٣.عدم تحديث الخطاب الفكري و السياسي لبعض الأحزاب بما يواكب القضايا و مجريات الأحداث الوطنية و الدولية.
٤.تضعضع فاعلية دور القيادات و الكوادر و الأعضاء ببعض الاحزاب، ما بستلزم ضرورة بعث روح الولاء الحزبي في نفوسهم، بالقدر الذي يعمل على تفعيل دورهم الحزبي و الوطني و ذلك على النحو الذي يسهم في حلحلة قضايا الوطن و يعمل على تحقيق الأهداف الوطنية.
٥.حالة الانقسام والتشرذم التي تسببت فيها الحرب الحالية و التي تعاني منها قيادات و كوادر و عضوية الأحزاب، ما عمل على ازدواجية الخط السياسي لهذه الأحزاب و بالتالي أضعف دورها في الاسهام في تفكيك أزمة الوطن.
ومن المؤكد أن حالة الانقسام الحالية و الاصطفاف و التمرتس في المواقف المتباينة وسط الأحزاب تعمل على تعريتها و تقزيمها، كما تقدح في أهلية كوادرها، و بالتالي فهي تخصم كثيرا من فاعليتها تجاه الاسهام في حل الأزمة.
كان من المؤمل أن يتمتع الكادر الحزبي بالنضج السياسي الذي يعصمه من أي نزعات تدور في فلك الذاتية أو الجهوبة و تتقاصر عن الأهداف الوطنية، لكن واقع الحال أكد أن العديد هذه الكوادر بعيدة عن هذا الأفق.
غني عن القول أن هذا الحال يجعل الأحزاب في وضع يصعب معه القيام بدورها المبتغى في الاسهام في حل الأزمة. و مع ذلك يتعين عليها بذل كل الجهود، حتى في ظل هذه الظروف غير المواتية، من أجل التنقيب عن حل ناجع للأزمة.
و بستلزم البحث عن حل اعتماد منهج واقعي براغماتي من قبل القوى السياسية ينبني على الإعتراف بالقصور و السلبيات سالفة الذكر بالحزب المعين، مع السعي لعلاجها في اطار تبني النقد الذاتي. و يتعين أن يصاحب هذا الأمر سعي دؤوب للتنقيب عن الحل بكل تجرد و ذلك بروح وطنية لا ترتكن إلى أي نظرة ضيقة.
هذا … أو التدهور العام المنفتح على أسوأ السيناريوهات.