التصميم على هزيمة حكم الفرد

في الأسبوع المنصرم، استضاف برنامج الطاهر التوم، في فضائية النيل الأزرق، الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل، أمين العلاقات السياسية، بالمؤتمر الوطني الحاكم، للحديث عن دعوة حزبه القوى السياسية للحوار.
وفي رده على القوى السياسية، المعلنة مقاطعتها للحوار، والتي رهنت قبول الدعوة له والمشاركة فيه، بشرط الاستجابة لطلبها بتهيئة المناخ المعافى و الملائم له، كإطلاق الحريات بإلغاء القوانين المقيدة لها، قال الدكتور مصطفى، أن ذات الأحزاب المطالبة بإلغاء تلك القوانين قد شاركت في صنعها.
و لا يخفى على القاريء بالطبع، أن ما يشير إليه، الدكتور مصطفى، هو مشاركة أحزاب التجمع الوطني الديمقراطيه، فيما يعرف بالمجلس الوطني، في سياق ترتيبات ما بعد إتفاقية القاهرة و إتفاقية نيفاشا و دستورها الإنتقالي لسنة 2005م.
و لا يخفى أيضاً، أن إتفاقية نيفاشا و مواثيقها، قد انفرد بصياغتها و إجازتها، طرفاها المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية لتحرير السودان (الأصل) تمييزاً لها عن غيرها وفقاً لما جرى عليه توصيف الأحزاب فالحركات المنشطرة و المتشظّية و المتناسلة فروعاً عن أصول. كما خصصت الاتفاقية و مواثيقها، وبنصوص دستورية، نسبة بضعة عشر في المائة فقط، من مقاعد المجلس الوطني، لكل مكونات التجمع الوطني الديمقراطي، بينما خصصت ما نسبته 52% من تلك المقاعد للمؤتمر الوطني، وما نسبته 28% منها للحركة الشعبية. ويلحظ هنا أن مجموع مقاعد الطرفين، تساوي 80% من مقاعد المجلس، بينما حاز المؤتمر الوطني بمفرده، على مقاعد تفوق نسبة الأغلبية المطلقة المعروفة بـ “50+1″% المطلوبة لاجازة القوانين و القرارات.
و هكذا فرض المؤتمر الوطني، مغالبة واغتصاباً، وضعاً دستورياً تحوطياً يمكنه من جعل المجلس الوطني ذراعاً تشريعياً له، يجيز له ما يشتهي من القوانين بالأغلبية الميكانيكية، حتى ولو لم تصوت معه كتلة الحركة الشعبية، في المجلس المذكور. بيد أنه لم يضطر للجوء إلي ما تحوط له، إذ أن شركائه في الاتفاقية والحكم، كانوا رهن بنانه في كل ما قرر وفعل. فشاركوه في صياغة القوانين المقيدة للحريات و إجازتها، رغم تصويت نواب كتلة التجمع الوطني ضدها، و إعتراضهم عليها قدر استطاعتهم.
اتسم أداء الحركة الشعبية، منذ مشاركتها في الحكم، بعدم المبدئية والتنازل عن المواقف لقاء مكاسب حزبية ضيقة أو إمتيازات لقادتها، لذا لم تفاجئ انتهازيتها و و صوليتها، حلفائها بالأمس، في أحزاب و مكونات التجمع الوطني، و يكفيها عاراً وشناراً ، أن تواطأت مع المؤتمر الوطني لإجازة قوانين مقيِّدة للحريات و معادية للشعب في الشمال، وهي تستبطن الإنفصال عنه والإستقلال بالجنوب للإنفراد بحكمه، ليتطاحن قادتها إقتتالاً داميا و شرسا، على السلطة والثروة والمغانم، كما يحدث الآن، ليدفع ثمنه الباهظ ، دما ودماراً و تشريداً وفقراً، مواطنهم المغلوب على أمره، تماماً كما يفعل رصفائهم في المؤتمر الوطني بمواطن الشمال.
و المثير للضحك، أن الدكتور مصطفى، قد قال باستحالة إلغاء القوانين المقيدة للحريات، بواسطة حكومة المؤتمر الوطني، بدعوى أن هذه المهمة تقع خارج نطاق صلاحية الحكومة الدستورية، وينعقد إختصاص القيام بها للمجلس الوطني حصراً. ولكن قبل أن يتلاشى صدى صوته في الهواء ، كان رئيس المؤتمر الوطني، يعلن من على منصة منصبه الدستوري، قراراً جمهورياً للسماح “ظاهراً” بممارسة الحقوق الدستورية، بقيود من صنع المؤتمر الوطني، حسبما يلائم مصالحه في الإنفراد بالحكم، وتصادر ما كفله الدستور من حريات.
وهكذا أثبت المؤتمر الوطني، صحة تشكك القوى المقاطعة للحوار، في نواياه من دعوة الحوار ، وسداد موقفها منه. كما أكّد لمن يلزمه التأكيد، أن وصف النظام الحاكم بالشمولية فحسب ليس دقيقاً على الإطلاق، فهو نظام حكم الفرد المطلق ذاته، الذي ثار على مثله شعب السودان العظيم في إنتفاضة مارس/ إبريل 1985م، و أطاح به و ألقى به في مزبلة التاريخ.
نظام الدكتور مصطفى عثمان و حزبه، لا يعترفان بدستور من صنع يديهما، و لا يكثرثان لوجود مجلس وطني من صنع يديهما و يسيطران على أغلب مقاعده، بل لا يعترفان بصلاحياته الدستورية، حتى من باب الشكلية، و يزعمان بجدية الدعوة للحوار. و لا تدري حوار لأجل ماذا؟؟ و مع ذلك فإن ما يريده الدكتور مصطفى وحزبه منا، بعد هذا كله، هو أن نصطف كباراً و صغارا، في الشوارع و نرقص و نغني قائلين: ” هشتكنا و بشتكنا ياريس * إنت رئيس و النعمة كويس” على رأي الكوميديان عادل إمام.
أمين محمّد إبراهيم
[email][email protected][/email]