مقالات وآراء

من ذا الذي يتعشى بالآخر: البرهان أم الكيزان؟

 

صلاح شعيب

لاحظنا أن تاريخ السلطة السياسية لا يحتمل وجود ازدواجية قيادية في صنع القرار لفترات طويلة. وفي بلادنا لدينا نماذج معتبرة في سياق صراع النخبة المدنية – العسكرية حول حيازة النفوذ السلطوي.
فقد كان أمام طرف من الشيوعيين أن يطيحوا بالنميري لكنه غلبهم، وفتك بهم بلا هوادة. ولاحقاً حاول النميري نفسه الفتك مرة ثانية بالإسلاميين، ولكن مقادير السياسة أطاحت به وبشريعته، وحلفائه الإسلاميين الذين ورطوه. ومعظمنا عاصر نهاية الترابي المتحالف مع أبنائه العسكر. إذ مرمطوا به، واعتقلوه، وشتموه، وشككوا في سودانيته. وقال البشير إنه يجوز له شرعاً قتل أميره السابق حتى يدخل بفعله الجنة.
تقريباً أحداث كل هذه المباريات بين السلطة والأيديولوجيا اليسارية واليمينية التي دعمتها معشعشة لا بد في بال البرهان. وهو شخص قيل إنه كان كادراً بعثياً أصلاً، ولكنه وشى بمن نسميهم شهداء رمضان الذين أعدمهم الإسلاميون قبل عيد الأضحية ذاك بيوم. ومع ذلك فإن المتأمل ملياً في تاريخ البرهان يرى أنه لا يعد إنساناً مؤدلجاً كما هو حال العساكر الذين عرفناهم. فوضعه القدري في الجيش قاده لأن يكون انتهازياً يسير على هوى مرؤوسيه الإسلاميين، ويمكنه أن يتمثل أدبياتهم لمرحلة محددة، وأن يتعاون معهم لاحقاً بهدف تمديد حلمه في الوصول إلى السلطة عبر عضويته الانتهازية في المؤتمر الوطني. وذلك ما قد كان.
قدر البرهان ثم دبر أنه باستطاعة الإسلاميين أن يكونوا قاعدة خفية له بعد انقلابه على الانتقال الديمقراطي. فقد تعاون معهم، ونقض كل أحكام فترة حمدوك الناشدة لإنجاز الديموقراطية. وفي فترة وجيزة أعاد قائد الجيش الآلاف من الإسلاميين إلى الخدمة المدنية. بل ساعده القاضي أبو سبيحة في تقنين عودتهم، ورد ما عدوه مظلمات ضدهم من لجنة إزالة التمكين. وبحلول شهرين بعد الانقلاب سيطر الكيزان على الخارجية، والمالية، والإعلام وبقية الوزارات، وانتهت فكرة محاكمتهم محلياً، أو تفويجهم للجنائية.
ولما فشل الانقلاب بان أن وجود رئيسين في المركب سيغرقه. وأعادت أوضاع الحوار حول الاتفاق الإطاري للأذهان أوضاع فترة الخلاف بين نميري والإسلاميين، وكذلك الأوضاع السابقة للمفاصلة بين الشيخ وحواره. ولذلك حاول البرهان المتعاون مع الإسلاميين بدء “الجهاد” ضد الدعم السريع لتجنيب البلاد من القيادة برئيسين أثناء الانقلاب. ولكن وتيرة الحرب سارت على عكس توقعات الحليفين الجديدين: سلطة البرهان والإسلاميين المنتمين للمؤتمر الوطني، وجماعات إسلاموية داعشية، وأهمها جماعة البراء.
ومع استمرار القتال الضاري تمكن الإسلاميون من الإحاطة بالبرهان الذي وجد عندهم بالمقابل قاعدة بديلة تساعد في القضاء على حليفه السابق حميدتي. وحتى إذا تمكن الطرفان المتحالفان من تحقيق النصر المؤزر في الحرب سعوا للقضاء على تبعات ثورة ديسمبر بأحلامها المشروعة، ومدنييها الثوريين، ودعمها الميمون الذي وجدته من المجتمع الإقليمي، والقاري، والدولي، ومن ثم يستطيع الجيش وحلفاؤه كما هو متصور إعادة السلطة للإسلاميين برئاسة البرهان لمرحلة مؤقتة. ويُصح القول أيضاً بأن إستراتيجية الطرفين المتحالفين تقوم في المدى البعيد على التضاد بدلاً عن الاتفاق على تقاسم السلطة بينهما. ذلك يعني أن في أي مرحلة من مراحل ألحرب – أو لحظة انتهائها – يفترق الجمعان.
فالبرهان ماكر في اللعب بالمختلفين بعضهم بعضاً. وحتى الآن اتضح أنه تلميذ جيد للبشير، ويعرف تماماً الاحتفاظ بالكرة في ملعبه المتسخ. ومن الناحية الأخرى لا يطمئن قادة المؤتمر الوطني للبرهان المتقلب الأطوار. ولذلك فإنهم مجبورون على الوقوف خلفه ما داموا هم الآن أكثر الفئات السياسية استفادةً من الحرب التي أشعلوها. وربما في المستقبل المنظور سيطيحون به عبر عدة سيناريوهات سياسية خشنة، أو خبيثة.
كثير من الناس يدركون حتى قبل حديث عبد الحي الأخير أن مصير شهر العسل بين البرهان، وغالب الإسلاميين العسكر من جهة، والمؤتمر الوطني بجانب إسلاميين من الجهة الأخرى إلى زوال. ذلك أثناء الحرب أو بعده، والشواهد كثيرة، وتحتاج إلى شرح وافٍ لا يتحمله هذا الحيز.
لكن المهم في كل هذا أن تاريخ الصراع بين قيادتين تسيطران على السلطة السياسية بحكم تحالف أيديولوجي دائماً ما يعيد نفسه مئة بالمئة، أو وقع الحافر على الحافر إلا قليلا.
والآن أمام الطرفين فرصة سانحة بعد أن استمعنا إلى حديث عبد الحي الذي يؤمن به معظم قيادة وعضوية المؤتمر الوطني. فإما أن يعجل البرهان بالعشاء، أو يحسن المؤتمر الوطني صنع الغداء. ورغم أن الحرب أولها كلام فلا تكفي فقط المهاترات هنا وهناك بين رموز المتحالفين على خوض الحرب. فنحن بالكاد نحتاج بشدة إلى الاستمتاع بنهاية حقبة البرهان الذي ورطنا في الحرب. وفي ذات الوقت نتوق إلى معايشة غاية الآمال الكيزانية الفاشلة وهي مجسدة أمامنا. ولدي إحساس قوي بأن ليلة السكاكين الطويلة آتية لا ريب فيها لتحقق لنا متعة واحدة، على الأقل.

‫8 تعليقات

  1. فعلا للأسى و اللوعة متعة على الشعب التلذذ بها طالما الشعب غائب كما يغيب الغثاء و البخار ، شعب الذل و النق

  2. (( ولدي إحساس قوي بأن ليلة السكاكين الطويلة آتية لا ريب فيها لتحقق لنا متعة واحدة، على الأقل. )) ما كفاية على الشعب السوداني كل هذه الدماء والاشلاء والخراب والنهب والانتهاك يا ساسه داريرين مزيد من الدماء لفش الغبائن وتزعمون انكم نخبة بل انتم نكبة اهل السياسة في السودان ومعهم الصبيان هم كالتالي :-
    اولا :- اهل تسقط بس كان شغل صبيان والمحير في الامر انه صدقه الكبار من الساسه والمفكرين لا يمكن ان تخلق فراغ هائل بدون تفكير في وجود بديل لهذا الفراغ الهائل فالطبيعة لا تعرف الفراغ
    ثانيا : أهل اليسار السوداني افلس منذ عقود والعواجيز فيه مصرين على ممارسة السياسة بدون فكر ولا برامج ولا اهداف باعتبار السياسة وظيفة عالية المكاسب من جاه ومال وسفر ومؤتمرات وتلميع للمتعاملين في حقلها من الاعلام وحظوظ اخرى كسبها في ميادين اخرى صعب
    ثالثا : أهل الطائفية في السودان دخلت في حالة موت سريري منذ عقود ويصر المنتفعين منها على ان بها رمق من حياة
    رابعا : اهل الاسلام السياسي ( وهم على علاتهم من محبة للدنيا وتنافس فيما بينهم عليها ) مضروب عليهم حصار قوي من دوائر النفوذ العالمي والاقليمي ولن يستطيعوا ان يقدموا للسودان شيء والثلاثين عام لحكمهم كانت كافية لهم وللسودان
    اتركو السودان في حاله يا نخب ويا ساسة ويا صبيان السياسة ………..

    1. مع خالص تقديري لك اتمنى ان تعيد قراءة المقال مرة ثانية
      ليس هناك حسب اعتقادي بين ما رمى آلية الاستاذ وبين ما تفضلت به
      مع تقديري مرة أخرى

  3. يا سيد صلاح شعيب
    بالرغم من تصريحات وزلة لسان شيخنا الجليل عبد الحي يوسف إلا أن معركة الكرامه ماضيه للقضاء علي اخر جنجويدي أو قحاتي علي البسيطه لما ارتكبوهو في حق المواطنين الأبرياء من قتل وتنكيل وتشريد ولن تتأثر بتصريحات أو زلات لسان من هنا وهناك.
    وبالرغم من تصريحات شيخنا الجليل عبد الحي يوسف فإن الحركة الاسلاميه باقيه باقيه وهي تقاتل مع الجيش صفا واحدا بكتائب البراء وسوف تنتصر علي الجنجويد اولاد الحرام وسوف يكون لها دور سياسي مرموق في المستقبل القريب بعد القضاء علي الجنجويد.
    وسوف يري الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

    1. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
      صدق الله العظيم
      متاسف علي الخطا

      1. قال متاسف على الخطا ،، الكتاب كلو خطا ،،،،
        عبد الحي الكضاب فضحكم فضيحة وكفر ليكم البرهان الجبان، انا من زمان بقول لجيشكم جيش المخانيث ، اها عبد الحي جابها ليكم عديل ، قال البحارب الدعم ديل نحن الكيزان ،، وبعدين عبد الحي قال ليكم البرهان هو سبب الحرب الحاصلة ، يعني براءة تقدم وحمدوك والقحاتة والشيوعيين،والاماراتيين وهلما جرا،،،،
        كلامك وردودك زي رد المتعوس البرهان غنماية ولو طارت ،،،،،
        افرزو عيشتكم وزي ما قال البرهان زعيم المخانيث لو عندكم ناس،شيلوهم عندكم!!!!!!!!

        1. ياعدو الكيزان يا ملحد يا خارج عن المله
          انتظر عودة الكيزان حتي يطبقو فيك حد الرده كما طبقوهو في شيخك محمود محمد طه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..