7 خرافات عن الأوبئة والأمراض الجديدة

استحوذت الأمراض والأوبئة الجديدة على انتباه العالم. لكن رغم كل ما نسمعه عن هذا الموضوع، ما هي الأمور التي نعرفها فعلياً أو بالأحرى تلك التي لا نعرفها في هذا المجال؟ سنبدد في ما يلي بعض الخرافات الشائعة عن الأمراض والأوبئة الجديدة، كما جاء في .Huffington Post.
كتب الخبر: د. ويليام كاريش
يبدو أن معظم الناس يعتبرون أن الأمراض والأوبئة الجديدة تدخل في خانة الصحة العامة حصراً. لكن تكمن المفارقة في واقع أنها تتداخل مع كل قطاع آخر تقريباً. على سبيل المثال، هي تثير مخاوف أساسية في مجال إنتاج الأغذية والأمن البيولوجي والصحة البيئية. ويمكن أن تكون تداعياتها مكلفة.
تترافق تلك الأمراض أيضاً مع تداعيات واسعة على المجتمع وسبل العيش والإنتاجية، وقد اتضح ذلك حين انتشرت الحمى النزفية الناجمة عن فيروس ماربورغ (مرض فيروسي قاتل مرتبط بحمى الإيبولا)، ما أدى إلى إقفال مواقع التعدين في جمهورية الكونغو الديمقراطية طوال خمس سنوات، فضلاً عن إغلاق الأسواق بشكل متكرر في الصين بعد انتشار مرض السارس وإنفلونزا الطيور. كذلك، أوصت الحكومة السعودية في الفترة الأخيرة بتأجيل رحلات الحج بسبب مخاوف من انتشار «متلازمة الجهاز التنفسي في الشرق الأوسط». قد يعيق انتشار الأمراض حركة الناس والسلع، ما يؤدي عموماً إلى زيادة القوانين والضوابط على التجارة والسفر بهدف تخفيض احتمال انتشار المرض.
2 غامضة ونادرة ولها تداعيات قصيرة الأمد
صحيح أن انتشار الأمراض الجديدة يبقى غير شائع (بين 3 و5 مرات في السنة)، لكن يبدو أنه يتبع مساراً تصاعدياً وتنعكس هذه الظاهرة بشدة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. إذا كان المرض يظهر فجأةً، لا يعني ذلك بالضرورة أنه سيختفي بالسرعة نفسها دوماً. قد يعود للظهور عند البشر ( كما حصل مع حمى الإيبولا)، وقد يظهر في موقع جديد أو تنقله فصيلة جديدة، أو يمكن أن يترسخ كما فعل فيروس إنفلونزا الطيور (H5N1).
ظهرت معظم الأمراض البشرية المُعدية الراهنة بعد أن نقلتها الحيوانات في مرحلة من الزمن، وهي سببت حتى اليوم أكثر من مليون حالة وفاة وأكثر من مليار إصابة مَرَضية في السنة. لكن ماذا عن تلك الحالات التي يتم تشخيصها في خانة «الحمى» أو «التهاب الدماغ» أو «الالتهاب الرئوي»، والأسوأ من ذلك حين يتم تصنيفها كـ»حالة مجهولة الأسباب»؟ قد تكون بعض الحالات من الأمراض «الحديثة» التي لا يمكن رصدها بعد بالأدوات المتوافرة.
3 الأطباء يعلمون جميع الأمراض المُعدية
لا أحد يعلم جميع الأمراض المُعدية التي تظهر في عالمنا. صحيح أن عالم الطب حدد 1400 عامل مُعدٍ يسبب الأمراض، لكنه جزء بسيط من المعلومات التي نحتاج إليها. يتقاسم البشر أكثر من 60% من الأمراض البشرية المُعدية المعروفة مع الحيوانات، ما يعني احتمال وجود أمراض كامنة أخرى في البرية. لكن أثبت زملاؤنا الذين يعملون على تقييم الأمراض الفيروسية عدم وجود عدد غير محدود من الفيروسات غير المكتشفة والكامنة عند الثدييات… لكن لا يزال الطريق طويلاً قبل أن نسيطر على ما يمكن اكتشافه.
رصد الأمراض ليس عملية مباشرة بقدر ما نظن. تتعدد العوامل التي تمنع رصد الفيروسات مثل الانعكاسات المحتملة على السياحة والتجارة. نتفهم ذلك، لكن إذا أدى أي موقع جميل يدر العائدات السياحية إلى خلق مرض خطير يمكن أن ينتقل إلى البشر ولو بنسبة ضئيلة، هل سترغبون في أن ينتشر ذلك المرض على نطاق هائل في أنحاء العالم؟ لا نرغب في ذلك أيضاً، لكننا نحتاج إلى تقييم المخاطر لمعرفة كيفية إدارتها ويجب أن نتقبّل تلك المخاطر بغض النظر عن طبيعتها لأن الجهل لن يحمينا بأي شكل.
فضلاً عن ذلك، تبقى الاستثمارات في قطاع الأبحاث متقلبة بشكل عام، لا سيما على ضوء المشاكل المطروحة في مجال التمويل الحكومي. وثمة خلافات دائمة حول كيفية تأمين التمويل. يظهر عدد من الأمراض الجديدة في دول نامية لا تملك الموارد اللازمة للكشف المبكر عن المرض أو الوقاية منه أو إجراء أبحاث عنه، ما يعني تأخير فرصة اكتشاف المرض بشكل استباقي والتدخل في الوقت المناسب.
4 منظماتنا الدولية تحمينا جميعاً
هذه الفكرة ليست دقيقة. تؤدي المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة، فضلاً عن المنظمة العالمية لصحة الحيوان، دوراً بالغ الأهمية للوقاية من الأمراض والسيطرة عليها. فقد تساهم في تنسيق الجهود وتوفير الإرشادات حول الوقاية من الأوبئة وقد تفرض العقوبات على الدول التي تنتهك جهود السيطرة على الأمراض، لكن في نهاية المطاف وحدها الدول المستقلة تملك صلاحية اتخاذ التدابير اللازمة ميدانياً. وحتى منظماتنا الدولية لديها موارد محدودة. ذكرت مقالة حديثة نُشرت في مجلة «ذي إيكونوميست» أن ميزانية منظمة الصحة العالمية لمكافحة الإنفلونزا سنوياً تقتصر على 7،7 ملايين دولار، ما يساوي حوالى ثلث ميزانية نيويورك للحالات الطارئة في قطاع الصحة العامة.
5 لدينا البنى التحتية اللازمة لرصد الأمراض ومكافحتها بفاعلية
بل العكس صحيح. بالكاد نستطيع رصد الأمراض الشائعة التي نعرفها، فكيف بالحري الأمراض الحديثة؟ بفضل إمكانات مراقبة الصحة العامة وتقنيات التشخيص التي نملكها اليوم، هل كنا لنرصد العنصر الذي ينقل فيروس نقص المناعة البشرية عند الثدييات من غير البشر قبل وصوله إلى البشر؟ ما كنا نستطيع فعل ذلك على الأرجح لأننا لم نكن نبحث عن فيروسات محتملة في معظم الأماكن.
ما الذي يجب أن نفعله إذاً لبناء بنية تحتية فاعلة لرصد الأمراض والأوبئة الجديدة ومكافحتها والوقاية منها؟ أشارت دراسة مشتركة بين البنك الدولي والأمم المتحدة في عام 2009 إلى أننا نحتاج إلى استثمار قيمته أكثر من مليارَي دولار في السنة بحلول عام 2020 لمساعدة الدول على تسريع مكافحة الأمراض المشتركة بين الحيوانات والبشر. قد تبدو تلك الكلفة غير منطقية، لكنها تصبح ضئيلة مقارنةً بتكاليف انتشار بعض الأمراض الحديثة. ويمكن توفير بعض تكاليف معالجة الأمراض الحديثة عبر تعزيز التعاون بين مختلف القطاعات وتطبيق مقاربة صحية واحدة تركز على الروابط القائمة بين البشر والحيوانات والبيئة.
6 ظهور الأمراض أمر حتمي ولا يمكن تجنّب ذلك
إليكم بعض الأنباء السارة (جزئياً). صحيح أن التحولات الفيروسية العفوية ممكنة وهي تحدث طوال الوقت (كما يحصل مع فيروس الإنفلونزا الجديد H7N9)، لكن لا تكون أسباب المرض الجديد أو طريقة انتشاره عفوية جداً. لا تظهر تلك الأمراض من العدم من دون توافر الظروف التي تعزز انتشارها. تكمن المشكلة في واقع أن الجنس البشري هو الذي يولّد تلك الظروف بوتيرة تصاعدية. من الملاحظ أن التغييرات الحاصلة في مجال استعمال الأراضي وإنتاج الأغذية والتجارة والسفر والتغيير المناخي وضغوط أخرى مرتبطة بالبشر تؤدي إلى ظهور الأمراض لأن تلك العوامل تعزز احتكاكنا بالحيوانات البرية، وتؤدي نشاطاتنا إلى اضطراب خصائص النظام البيئي.
بما أننا نملك فكرة عن العوامل التي تعزز ظهور الأمراض، إنه جزء من الأحجية التي تسمح لنا بفرض تدابير وقائية. يجب أن نحدد أيضاً مواقع الأمراض قبل أن تنتشر وأن نرصد الأجناس التي تنقلها. اليوم، يحقق برنامج «التهديدات الوبائية الناشئة» الذي أطلقته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالبرامج المتكاملة لمراقبة الأمراض واكتشافها في الدول النامية التي تُعتبر «نقاطاً ساخنة» لظهور الأمراض. سيساعدنا ذلك على إيجاد فيروسات جديدة وتعلّم المزيد عن المخاطر التي تطرحها على البشر فضلاً عن تعزيز التعاون مع الحكومات المحلية لأجل اتخاذ التدابير اللازمة لتخفيض مخاطر ظهور الأمراض. لن نجد أي فيروسات إذا لم نبحث عنها، لكن لم يبدأ ذلك البحث بعد في معظم أنحاء العالم.
7 العولمة عامل سلبي بالنسبة إلى نقل الأمراض الحديثة وانتشارها
إليكم بعض الأنباء السارة الإضافية… ثمة احتمال في أن ينتشر المرض بسرعة حول العالم عبر التجارة والسفر (اتضح ذلك في سيناريو فيلم «العدوى» (Contagion)، لكن قد تساهم العولمة أيضاً في إجراء تشخيص سريع وإبداء رد فعل عالمي فوري. يسمح لنا هذا الترابط بأداء دور ناشط، سواء أردنا ذلك أو لم نفعل، لمكافحة انتشار الأمراض. هل تريدون أن تعلموا ما هي الأمراض المنتشرة في المناطق المجاورة أو حول العالم؟ يتعقّب بعض الأدوات، مثل موقع HealthMap.org و»برنامج رصد الأمراض الناشئة»، انتشار الأمراض المُعدية عالمياً بطريقة شفافة، ما يساعدنا على تحديد مسار المرض بسرعة وتسخير الموارد لتلبية حاجات الصحة العامة. تسمح تلك الأدوات بالإبلاغ عن ظهور الأمراض بفضل برامج مثل «الإنفلونزا قريبة منك» (Flu Near You).
مع تنامي مخاوف المواطنين العالميين من الأمراض والأوبئة الجديدة، يمكن أن نشجع صانعي السياسة على إعطاء الأولوية لجهود الوقاية وأن نحث المؤسسات على التفكير مسبقاً بالمخاطر المطروحة عند التخطيط لعملياتها وتحمّل مسؤولية الأضرار الناجمة عن انتشار الأمراض. يمكننا أن نشارك أيضاً بشكل مباشر من خلال تخفيف «بصمتنا» الإيكولوجية كونها تعزز العوامل الكامنة التي تمهد لنشوء الأمراض.
الجريدة