مقالات سياسية

آلية تنفيذ الحوار الوطني وآلية الحرب على الفساد..!

🔵 دول خرجت من مستنقع الفساد -2:

💥 الهند: دولة حاربت الفساد بسلاح الإصلاح الإصلاح المجتمعي المدني..

🛑 تنفيذ مخرجات الحوار الوطني أُولى خطوات الحرب على الفساد..

✍ جمهورية الهند الديمقراطية، البلد الأكثر ازدحاماً بالسكان في العالم، شكّلت منذ استقلالها في عام 1947م حضوراً مخجلاً في قائمة الدول الأكثر فساداً ادارياً ومالياً ومجتمعيّاً في العالم، فقد ضرب الفساد هذه الدولة، التي تمتاز بجمال الطبيعة، ضرباً مبرحاً في كافات مجالات الحياة من فساد اقتصادي وفساد سياسي وفساد مجتمعي، نتج عنه أن أصبح الفقر ضارباً بأطنابه كافة أجزاء البلاد، وانتشرت الرشاوي التي يقوم بدفعها المواطنون من أجل الحصول على حقوقهم الحياتية من المؤسسات الحكومية.

✍ قد تكون لوبيات الفساد بوطننا الحبيب قد نسجت خيوطها العنكبوتية في مختلف المؤسسات الحكومية، وصارت أكثر شراسة وقوة في تثبيت أجندتها الخفية في ضرب استقرار الوطن وصارت المنافع الشخصية والذاتية هي اللغة السائدة لدى كثير من المسؤولين، ولكن بالارادة الحرة والتكاتف المجتمعي وتضامن القوى المدنية كما فعلت الهند يمكن تماماً أن نرى سوداناً جديداً، يكون في مصاف الدول الكبرى.

✍ ماذا فعلت الهند عبر مجتمعاتها المتنوعة دينياً من هندوسية وبوذية وسيخية وجانيّة واسلامية، والمتنوعة عرقياً من مختلف القوميات الهندية من الهندية الإغريقية الى الهندية الباتية وغيرها، للتخلص من مظاهر الفساد بالدولة ؟ وكيف استطاعت الإنتقال من قمة الفساد الى قمة الإصلاح المؤسسي؟ الإجابة أن مجمل حلول الحكومة الهندية لمحاربة الفساد والقضاء عليه، ارتكز على دعامة وتفعيل دور المجتمع المدني.

✍ الهند من الدول التي ضربت أمثلة حيّة للمجتمعات التي تلفظ الفساد دون انتظار تغيير حكوماتها، وذلك عبر منظماتها الأهلية الكثيرة التي تفاعلت معها الفئات المدنية المجتمعية المختلفة في إعلان الحرب على الفساد، وعملت الحكومة جادّة وبصورة فعّالة على إصلاح المجتمع الهندي المدني وتغيير الفكر لدى المواطنين الهنود والكوادر الإدارية، وكان الإصلاح المدني هو المرتكز الأساسي في الخروج بالدولة الهندية من مستنقع الفساد.

✍ حكومة الوفاق الوطني بالسودان، ويرى البعض أن هذا الإسم لا ينطبق عليها فعليّاً في أرض الواقع، بل هي حكومة المؤتمر الوطني، ولكن نتماشى مع اسم حكومة الوفاق الوطني، آملين أن يتحقق هذا الوفاق على أرض الواقع، اعلان هذه الحكومة الحرب على الفساد، ليس كافياً وحده للقضاء على هذا الداء العضّال الذي صار كالسرطان في جسد الأمة السودانية، فلابُدّ من أن تشرك الحكومة المجتمع كاملاً بكل قطاعاته في القضاء على الفساد في مختلف مجالاته سياسية أو إقتصادية أو اجتماعية، وقد بدأت الحكومة هذا الأمر بمنظومة الحوار الوطني التي قامت بإجرائها، ولكنها فشلت في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، مما أدّى للفشل في عملية التصحيح، وفشل تنفيذ مخرجات الحوار سيصبح كاملاً وبنسبة كبيرة إن لم تُسرع حكومة الوفاق الوطنى الخطى في تفعيل آلية تنفيذ مخرجات هذا الحوار، الذي جاء ناجحاً كفكرة إجتمعت عليها القوى السياسية ولكنه اعتراه الشلل والقصور العملي كتطبيق واقعي في المجتمع، وهذا بسبب غياب الكوادر البشرية الفعّالة من مختلف الأحزاب السياسية بما فيها الحزب الحاكم، فالواقع السياسي السوداني خاوي على عروشه من الكوادر السياسية الوطنية التي تضع الوطن نصب عينيها، ويجري الحس الوطني وعشق تراب هذا البلد في دمها، فمعظم السياسيين هم هواة سلطة ومستقصدي مناصب وكانزي أموال، ويفتقدون للفكر ومنهجية الممارسة السياسية.

✍ سوء أحوال بلادنا هذه الأيام، من عودة لمظاهر الصفوف الخدمية لمطلوبات الحياة اليومية من صفوف للوقود وصفوف بالبنوك وصفوف بالمخابز، وما صحب هذه المظاهر من تداول واسع لمواضيع الفساد المالي المختلفة بالبلاد، كل هذا، سيكون عُرضة لأحد وجهين لا ثالث لهما، الأول أن تتخذ منه الحكومة نشاطاً مُضادّاً لها فيكون مقابلتها له ردود أفعال عكسية تقوم الحكومة بمناهضته وحربه باذلة المجهود والمال من أجل القضاء عليه مما سيشكل طاقة سالبة إضافية للدولة مع ما تعانيه من تدهور وقصور، والاتجاه الثاني أن تجعل منه الحكومة حراكاً مجتمعيّاً فعّالاً، فتقوم بتوجيهه والتفاعل معه بثورة تصحيحية شاملة، وتكون بذلك قد أفلحت في تكوين استجابة مجتمعية قوية تتخذها دعماً في حربها على الفساد، مما يؤدي تلقائياً في تضامن ولو جزئياً ما بين جدّية الحكومة ورغبة المجتمع في القضاء على الفساد.

✍ عندما شرعت حكومة الهند في سياسة الإصلاح والحرب على الفساد، لم يأتي شروعها هذا كاستجابة لقرار من قيادات الدولة لإعلان تم اصداره، وإنما جاء كاستجابة لرغبة عارمة من مجتمع بدأ يتفاعل عبر الوسائل المختلفة متضجّراً مما آلت إليه الأوضاع لسنين عجافٍ عديدة، كما أن هنالك كانت توجد رغبة سياسية جادّة ونشطة من التيارات السياسية المختلفة، مما حدا بالحكومة الإستجابة لهذه الرغبات والتصالح معها والعمل في نفس اتجاه تيارها، وظهرت توافق رغبة الحكومة الهندية في استعانتها بالأمم المتحدة عبر توقيعها لمعاهدة مكافحة الفساد
Anti Corruption Initiative Asia-Pacific (ADB-OECD)

ووفقاً لهذه المعاهدة، فإن كل دولة موقعة عليها تقوم بإعداد خطة منهجية علمية مؤسسة للقضاء على الفساد. كما أن الهند تُعدّ من الدول المسجلة في نادي مدريد، الذي يهدف لتسحين الحكم في الدول وتثبيت الشفافية في مكافحة الفساد.

✍ وبعد 52 عاماً منذ تاريخ استقلالها بدأت الهند في عام 1999م برنامجاً مُوسّعاً للإصلاح والحرب على الفساد، مستخدمة المجتمع بمنظماته الأهلية المختلفة وإنشاء هيئات مدنية لمكافحة الفساد ونتج عن هذه الآلية المجتمعية انتصار الهند في حربها على الفساد المستشري بالدولة بأن أصبحت الهند في الدول العشرة الأوائل من حيث الإذدهار والنمو الإقتصادي، وتحتل الهند المرتبة السابعة من الدول الإقتصادية في العالم، والثالثة من حيث القوة الشرائية، وتمتلك جيشاً حديثاً مُنظّماً، يُعدُ ثالث أكبر جيش في العالم، وهي من الدول المالكة للسلاح النووي.

✍ أما القضاء في الهند فصار يتمتع باستقلالية نادرة أصبحت مثالاً يحتذى به لدى الدول المتحضرة، وتعرف المحكمة العليا باسم المحكمة الدستورية العليا وتراقب هذه المحكمة أي انتهاك للدستور وتتعامل معه بصرامة وحسم.

✍ نتمنى أن تظهر جدّية حكومة الوفاق الوطني في تعديل الصورة التي صارت مقلوبة بالكامل في بلادنا الحبيبة، بأن تكون أول خطوات الحل الناجعة للحرب على الفساد هو التماشي مع رغبة المجتمع الجّادة في الحرب على الفساد والتي ظهرت واضحة عبر كل وسائل التواصل الاجتماعي وعبر الوسائل الإعلامية المختلفة من انتقادات وتهكمات واستياء وسخط على مظاهر الفساد المختلفة، ونتمنى أن تنفض حكومة الوفاق الوطني الحالية الغبار عن المصالح العامة وتجليتها وتحقيقها في أرض الواقع، وأن تُنزل كل حروف الحوار الوطني وما تمت صياغته واقعاً عمليّاً، وأن تضع خطة قومية مجتمعية في تثبيت مقومات الدولة الأساسية ومن ثمّ تفعيل الهيئات والمؤسسات والاستعانة بالخبرات الأجنبية في القضاء على سرطان الفساد بالبلاد، فالسودان بخير بتكاتف أبنائه وبطبيعة الشعب السوداني العفوية البسيطة المبنية على الوحدة والتسامح.
[email][email protected][/email] 4-4-2018م.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..