كتابات وتصريحات وقفز من مركب السلطة

تواترت في الفترة الأخيرة التصريحات والكتابات التي تصدر من مجموعات نافذة في السلطة أو من مقربين من تنظيماتها السياسية والدينية تعترف بشكل صريح عن الأزمة العامة التي تطبق على
النظام، وفشل النهج والمشروع السياسي لهذه الجماعات في بادرة نادرة تكشف عن شفافية غير معهودة في أدبها السياسي وعن تنظيم يجلس في أعلى سلالم التكتم والسرية وعدم الاعتراف وحجب المعلومات.
وإن ما يضعف حسن النية في الاعتقاد بأن المسألة توجهاً جديداً نحو الشفافية والعلانية لأنها مجرد تصريحات لوسائل « الفلاسنوست » إعلام أو اعترافات انتزعت في استدعاءات من جهات رسمية ولم تتم في شكل مكاشفة ومخاطبة اعتراف بالفشل وطرح الموضوع للشعب للإدلاء برأيه.
إن هذه الموجة من الاعترافات لا تعدو من كونها مجرد(فجة موت) لأن هذه الجماعات لازالت تتشبث بأنها هي الحل ولا ترى في الآخرين مكونا شريكا في الوطن ولا يريدون التنازل عن
هذه الأبوية، ونحن أمام غمامة عابرة فليس هي بشارة مطر.
هذه التصريحات والتغريدات والفيديوهات قد فتحت نقاشات بين مختلف المكونات السياسية التي انقسمت إلى فريقين ليس حول الاعترافات بالمأزق وورطة الحكم، لكن هذه الكتابات دفعت بأسئلة حول النوايا والظرف الذي بدأت تتصاعد فيه هذه التصريحات، هل يمكن قبول هذه العناصر وإدماجها مجددا وتفرعت الأسئلة عما إذا كان هنالك اعتدال، وهل يكون اعتبار وسيقان « كوم واحد » كل هذه المجموعات لجذور شجرة واحدة من ثبات المكان كما يرى بعض المحللين وإن من السهولة اتخاذ مواقف أو قرار، لكن الواقع شديد التعقيد لأن الحقيقة متعددة الجوانب.
في أحيان كثيرة تتم مناقشة بعض القضايا الجادة الحاسمة بشكل عاطفي ورومانسي رفضاّ لخطة أن نتكلم عن دماء الشهداء…الخ وندفع دائما الأحزان إلى السطح لتظل طافية فوق أمواج الأسى ونريد أن تظل الذاكرة يقظة لا نعطي فرصة للغفران وليست النسيان. هنالك أزمة فهي ليست أزمة خطاب، بل هي أزمة في المنهج والأساليب في إدارة المشاكل والأزمات.
لأن كل مشكلة لابد لها من أجل حتى لا تتحول إلى عاهة تاريخية مزمنة تقعد بالجميع؛ وتصبح عائقا نحو أي اختراقات تجاه الحل ويجب عدم الخلط بين التكتيك المرحلي والاستراتيجية
قبل أن نتوصل في مناقشة قبول أصحاب تلك التغريدات.
الكتابات الناقدة للسلطة يجب الإقرار بأنها مفيدة للطرف الآخر لأنها شهادة غير مدفوعة القيمة ممن كان يعد خصما وهذه التصريحات أيضا توفر معلومات أحيانا لا يمكن وصولها أو توفرها، لكنها بحكم وجودها داخل هذه المنظومة تعلم الكثير وتكشف كيف تدار الأمور وهذه المواقف بغض النظر عن مصداقيتها إلا أنها مهمة للمعارضة، لأنها تؤكد بأن أطراف مهمة داخل النظام فقدت الثقة في نظامها السياسي، فكيف تثق المعارضة في نظام يلحد أعضاءه به يجب القول بأن نظام المؤتمر الوطني قد بات يتضايق من النيران الصديق؛ ولقد اضطر مؤرخا لتهديد الأصوات النشاز بعقوبات لشعوره بأن وحدة الحزب أصبحت مهددة، وهذا قد يؤشر إلى أن المسألة ليست تنفيس وفبركة وكما في 30 يونيو 1989 أو المفاصل أو دق إسفين لشق المعارضة كما يرى البعض.
يجب الإقرار بأن هنالك حواجز نفسية عميقة من عدم الثقة وأن كل مسعى مهما كانت توجهاته يبدو ك(الحلوة المسمومة) فلقد أصبح الماضي المعروف بعدم الثقة هو الذي يحكم ويحاكم بغض
النظر إذا كان التوجه أو الخيار الجديد للشخص جاداً أو مناورة. إن كل موقف يستدعي التقييم المنفصل لأنه وفي نهاية المطاف فأن كل شخص مسئول عن نفسه، ولا يمكن أن نضع شخصا في
زاوية اللاعودة ونجعل منه سيزيفا، وإلى الأبد ويصبح من التعسف تفصيل مقاسات وإعداد أطر جاهزة لتصبح معايير خالدة. إن مواقف الإنسان في الحياة ليست خطا مستقيما، وخاصة في عالم الفكر والسياسة ? هنالك الكثير من الأدلة على تغلبات وتحولات في معتقدات الأشخاص، وليس من حق أحد فرض رؤيته وتقييمه المسبق على زوايا الآخرين فالسياسة في دينامية دائمة.
يجب الإقرار بأن هنالك التباس داخل أطراف القوى المعارضة والتي ترى في الغالب موجة الانتقاد هذه نوع من الخداع ورفع المصاحف في غير مكانها، وتنكر في أزياء جديدة تنقد النظام ولكنها تجاهد في الواقع لإنقاذ المشروع الحضاري.
صحيح هنالك وسط هذه التصريحات الناقدة من لا زال يدافع عن المشروع السلطوي لجماعات الإسلام السياسي على رغم من انتقاده واختلافه مع النظام، وهنالك أيضا من أجرى مراجعات
فكرية ووصل لقناعات بأنه لا بديل للتعددية ولا خيار على الديمقراطية، ويبدو ومن الإنصاف التفريق بين المجموعتين وليس من المنطق فرض رغبات ومزاجات لتكون هي العنوان
الرسمي للآخرين، وأن نصر على رؤيتنا أن يظلوا كما كنا نعتقد عنهم في السابق كأعداء مع سبق الإصرار إلى يوم الدين أن الاختلاف حق وخيار، يجب أن يكون متاحا كقيمة إنسانية، طالما نحن في بلد متعدد ومتنوع يجب احترام هذا الواقع في الاختيار وهنالك كثير من القضايا، ما تفرق المعسكر الواحد فمثلا داخل القوى المعارضة المختلفة، هنالك من يقف مع الدولة المدنية الديمقراطية وفي هذا الخيار أيضا هنالك من يفضل الجمهورية الرئاسية على البرلمانية وفي الجهة الأخرى من يدعو لدولة دينية؛ وإقامة الخلافة ويرى في الشورى التي لا تلزم الحاكم بديلا للديمقراطية.
وفي وسط هذه السجالات المقلقة أحيانا لابد من وضع أسس ومعيار في التعامل هنا مع هذه المجموعات التي تمد يدها أحيانا للعمل المشترك مع القوى السياسية المعارضة، وقد « غواصات » ترى فيها بعض الأطراف انها وأنها صمتت على تجاوزات لمدة ( 30 )عاما، والآن تريد أن تقفز من مركب السلطة التي غاصت بحمولتها من المشاكل، وهذا ليس لمجرد السلامة الشخصية ولكن لإنقاذ التنظيم قد تكون كل هذه الشكوك واردة، لكن يجب أن تكون هنالك معايير واضحة يمكن أن تساعد في تجنب فتح منافذ للشكوك وعدم الثقة في الآخر بشكل مطلق، ومن هذه المعايير الاعتراف بأن ما حدث في 30 يونيو 1989 كان خطأ تاريخيا كبيرا، وجريمة في مسار التطور الديمقراطي والاعتراف بالديمقراطية كأداة وأسلوب لتداول الحكم وأن السودان بلد متعدد ومتنوع فلذا يجب احترام هذا الواقع.
إن من يريد أن يؤسس دولة المؤسسات والقانون يجب أن يدفع ثمن هذا الالتزام بهذه المبادئ في عدم الإقصاء والتجريم وأن كل منهم برئ حتى تثبت إدانته. وعدم محاكمة النوايا والضمائر، لان الممارسة هي المحك ويجب الاعتراف بأن هذا الوطن مما عاد بإمكان أي جهة منفردة أن تفرض إيديولوجيتها عليه بالقوة وأساليب الإكراه. فهذا الواقع شديد الخصوصية.
وهنالك أحاديث ترتبط بهذه المقدمة وهي قضية المحاسبة وعدم إفلات المجرمين من العدالة وهذا أساس مهم للمصالحة مع الماضي والتسامح وعدم النسيان. فأن العدالة الانتقالية هي الرافعة لتجاوز تصدعات الماضي، ويمكن هذا المفهوم ولكنها وفي كل الأحوال « سودنة » لا تعني التشفي والحقد ويجب أن تسود فيها قيم وروح العدالة والإنصاف، ويجب أن نعرف ونفرق فيها بين الحق العام والخاص ويخضع للمحاسبة كل من ارتكب جرما أو مخالفة في حق الشعب والوطن سياسيا أو اقتصاديا أو جنائيا من دون الإشارة لجهة معينة، ولنضع أنفسنا جميعا أمام مظلة الاتهام أي أن نثبت العكس عبر منابر شفافة للحقيقة والمصالحة، لكن إلى أن يأتي اليوم الذي نؤسس فيه لعدالة انتقالية فأن هنالك من يقفز من المركب ويجب أن نقييم حالته وفق معايير وأسس موضوعية، علما بأن القفز ليس من اتجاه واحد فهنالك أيضا نفر يصعد بالقفز إلى مراكب النظام. وأن التعميم يخل بالأحكام والموضوعية، وهذه يتطلب وجود رؤية جماعية مشتركة حتى لا تصبح الفتاوى الفردية والأحادية سببا في المزيد من التأزم.

الميدان

تعليق واحد

  1. إإنتو يا بتاعين الميدان خليكم واضحين أنتم تريدون الحزبية لماذا ونريد أن نقيم دولة يحكمها التكنوقراط مع حرية النقابات المهنية المطلبية للتعبير عن حقوق العاملين والمطالبة بها لدى جهات العمل ولو كانت حكومية. كما ألجمنا لكم من يستغلون الدين والطوائف في عمل الدولة، فماذا تريدون أكثر من هذا ؟؟؟!
    نرفض ديمقراطية التمثيل والنيابة والوصاية أي الحزبية جملة وتفصيلا فقد جربناها منذ الاستقلال وخبرنا طبيعة وأنماط العمل الحزبي فهو إما طائفي أو عقائدي أو جهوي أو فبلي؛ وتلك ديمقراطية غير راشدة بحسب أصلها الغربي لدى الأمم المتحضرة ونحن في السودان لسنا مثلهم لأننا ما زلنا ننزع إلى التبعية الطائفية والعقائدية والقبلية العمياء ومن ثم إلى رفض الآخر رغم حقه في الأرض والمواطنة. ولا خير في ديمقراطية تقوم مكوناتها الحزبية على رفض الآخر وعقيدته وفكره المخالف لها؛ فإما أن يتماهى الآخر مع حزبنا أو لا يكون جديراً برعاية حزبنا اذا كان في السلطة! وبالتالي فإن الأحزاب هدفها من السلطة هو فقط تحقيق مصالحها الحزبية أو مصالح زعمائها إن كانت طائفية أو عقائدية أو جهوية قبليةوليست ولن تهدف لمصلحة المواطن من حيث كونه مجرد مواطن خاصة إن كان من غير نابعيها وأسوأ مثال ما فعله ويفعله الحزب الحاكم منذ 30 عاما وكيف مكن لأفراده وأقصى الآخرين باستغلال مفهوم الصالح عام رغم أن ما فعلوه ويفعلونه إلا صالحهم الخاص بهم وحدهم ولكنه استغلال للمفاهيم العامة كالضرائب والجبايات بل وحتى الزكاة تطبق كمفهوم عام ولكن لأغراض خاصة بمصلحة الحزب الحاكم فلا يستفيد منها إلا تابعوه والمرتزقون معه.
    هناك مفاهيم إنسانية عالمية فطرية لا يختلف عليها الناس وهي الهدف للدولة من حيث هي دولة وهي رفاه الشعب المكون لها ولا يكون ولا يتحقق ذلك إلا بالحكم النزيه القائم على العدل والمساواة وعدم التمييز السلبي مع حفظ حقوق الأفراد وكرامة الانسان، فما الذي يمنع أن يقوم عليها الدستور وتفصل عليها القوانين وأن يوكل تطبيقها إلى حكومة تكنوقراط وخدمة عامة مدنية وعسكرية بالمعايير الدولية من حيث الشفافية والنزاهة في الاختيار والرقابة والحوكمة وفق شروط القانون؛ بل إن هذا لا يتحقق إلا بمثل هذه الحكومة غير الحزبية معدومة المصلحة الخاصة تقريباً،أما المصلحة الفردية فقانون الخدمة العامة كفيل بردع الموظف العام الذي يجنح لمصلحته الفردية وإن كان نظام العمل والرقابة لا يسمحان بمجرد احتمال حدوث ذلك.

  2. إإنتو يا بتاعين الميدان خليكم واضحين أنتم تريدون الحزبية لماذا ونريد أن نقيم دولة يحكمها التكنوقراط مع حرية النقابات المهنية المطلبية للتعبير عن حقوق العاملين والمطالبة بها لدى جهات العمل ولو كانت حكومية. كما ألجمنا لكم من يستغلون الدين والطوائف في عمل الدولة، فماذا تريدون أكثر من هذا ؟؟؟!
    نرفض ديمقراطية التمثيل والنيابة والوصاية أي الحزبية جملة وتفصيلا فقد جربناها منذ الاستقلال وخبرنا طبيعة وأنماط العمل الحزبي فهو إما طائفي أو عقائدي أو جهوي أو فبلي؛ وتلك ديمقراطية غير راشدة بحسب أصلها الغربي لدى الأمم المتحضرة ونحن في السودان لسنا مثلهم لأننا ما زلنا ننزع إلى التبعية الطائفية والعقائدية والقبلية العمياء ومن ثم إلى رفض الآخر رغم حقه في الأرض والمواطنة. ولا خير في ديمقراطية تقوم مكوناتها الحزبية على رفض الآخر وعقيدته وفكره المخالف لها؛ فإما أن يتماهى الآخر مع حزبنا أو لا يكون جديراً برعاية حزبنا اذا كان في السلطة! وبالتالي فإن الأحزاب هدفها من السلطة هو فقط تحقيق مصالحها الحزبية أو مصالح زعمائها إن كانت طائفية أو عقائدية أو جهوية قبليةوليست ولن تهدف لمصلحة المواطن من حيث كونه مجرد مواطن خاصة إن كان من غير نابعيها وأسوأ مثال ما فعله ويفعله الحزب الحاكم منذ 30 عاما وكيف مكن لأفراده وأقصى الآخرين باستغلال مفهوم الصالح عام رغم أن ما فعلوه ويفعلونه إلا صالحهم الخاص بهم وحدهم ولكنه استغلال للمفاهيم العامة كالضرائب والجبايات بل وحتى الزكاة تطبق كمفهوم عام ولكن لأغراض خاصة بمصلحة الحزب الحاكم فلا يستفيد منها إلا تابعوه والمرتزقون معه.
    هناك مفاهيم إنسانية عالمية فطرية لا يختلف عليها الناس وهي الهدف للدولة من حيث هي دولة وهي رفاه الشعب المكون لها ولا يكون ولا يتحقق ذلك إلا بالحكم النزيه القائم على العدل والمساواة وعدم التمييز السلبي مع حفظ حقوق الأفراد وكرامة الانسان، فما الذي يمنع أن يقوم عليها الدستور وتفصل عليها القوانين وأن يوكل تطبيقها إلى حكومة تكنوقراط وخدمة عامة مدنية وعسكرية بالمعايير الدولية من حيث الشفافية والنزاهة في الاختيار والرقابة والحوكمة وفق شروط القانون؛ بل إن هذا لا يتحقق إلا بمثل هذه الحكومة غير الحزبية معدومة المصلحة الخاصة تقريباً،أما المصلحة الفردية فقانون الخدمة العامة كفيل بردع الموظف العام الذي يجنح لمصلحته الفردية وإن كان نظام العمل والرقابة لا يسمحان بمجرد احتمال حدوث ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..