مقالات وآراء

حريق كسلا!

للدهشة، جبل مرة في أقصى الغرب جنة الله في الأرض، وكذلك كسلا في أقصى الشرق “حديقة العشاق” التي تغنى بها الشعراء.. ويشاء قدر شعب السودان أن يتحول كلا الفردوسين إلى ميدان للحرب والقتل والدمار والتشريد.. بدلا من أن يكونا قبلة السياحة والجمال والخير.
النار ظلت تحت الرماد منذ الصدامات القبلة السابقة، تنتظر عود ثقاب جديد ولم يتأخر عليها، أعلنت الحكومة تعيين الأستاذ عمار صالح واليا لولاية كسلا، وفي الحال امتشق البعض سيف القبلية وانقسم الملعب بين فريقين يلعبان على ورقة الهوية بعيدا عن حسابات مصلحة سكان الولاية.
و بعد أكثر من شهر من أداء الوالي عمار للقسم لم يستطع الوصول إلى كسلا خشية مزيد من المعارك القبلية، ومع ذلك لم تنتظره الفتنة فاندلعت النيران على مدى أيام وبلغت الذروة أمس ، الخميس، وفاضت أرواح طاهرة ليس لسبب سوى كرسي لن يدوم إلا لبضعة أسابيع، إذ أن تعديلات مرتقبة بعد توقيع اتفاق السلام قد تطيح بكثير من الذين عُينوا أخيرا وتأتي بالقادمين الجدد.
الوالي الجديد، عمار، قال أن تراجعه قد يمنح الشرعية لاستمرار مثل هذه المعارك القبلية وتحذو مناطق أخرى المثال نفسه، ويصبح تعيين المناصب الدستورية رهن محاصصات عرقية عبثية. أما الحكومة التي عينت عمار فلاذت بصمت لا يُفسر.
في تقديري الأمر يتعدى كونه نزاعا عرقيا أو سودانا جديدا ينهض على بطاقات الهوية القبلية ويمزق نسيجه ووحدته بحرائق الكراهية المتسارعة.. الأمر أبعد من ذلك كثيرا، وأية محاولة لتبنى مشروعات اصلاح تستهدف نزع فتيل القبلية ستسير في الاتجاه الخاطئ.
أس البلاء الذي يعاني منه السودان هو غياب حاسة (المصلحة المباشرة) عند المواطن العادي، بعبارة أخرى، الخطاب العام والحكومي بالتحديد يتجاهل تنمية الاحساس بالمصلحة والمستقبل الزاهر لدى المواطن العادي، وتظل دائما نظرة المواطن للعلاقة مع الحكومة محصورة في أضيق نطاق بين الحقوق والواجبات.
القبلية ليست شرا مطلقا، بالعكس هي واحدة من أسوار حماية الهوية السودانية، فالتباين العرقي الذي يصل حد اختلاف اللغات بل الأديان بين بعض القبائل هو مصدر ثراء الوجدان السوداني ومتانة الشخصية الوطنية، ويمكن استثمار الارتباط والعواطف القبلية لصناعة مزيج ثقافي سوداني فريد يصبح واحدا من أهم موارد وأصول الدولة السودانية..
و تجنب شرور التناطح العرقي رهن بإعلاء قيم المصالح (الشخصية) للمواطن في الانتماء القومي للدولة، فالحرب والمعارك والدماء دائما وقودها غياب الأمل والمستقبل في ظلام الفقر والعوز وضعف البنية الحضارية للدولة.
من الحكمة بناء المشروع الوطني الذي يضخ الأمل والرغبة في الحياة الكريمة لكل السودانيين، و ترفيع اتصال الدولة المباشر بالمواطن خاصة في الجانب الذي يمثل المصالح (الحقوق)، حتى تعلو الروح القومية فوق النزوات العرقية.
ماهي المشروعات المنتظرة للمواطن في كسلا؟ ماهي آفاق المستقبل المنظور لأهلها؟ ما هي فرص الازدهار والنمو؟ كل ذلك غائب تماما عن الخطاب العام، ويكتنف الوضع فراغ عريض لا يملأه إلا التباهي والتناصر العرقي المحشو ببارود قابل للاشتعال بـ(أتفه) عود ثقاب.
للتدليل على هذا المنطق انظروا لما يحدث الآن في كسلا..
ماهي المشكلة في أن يتولى منصب الوالي أي مواطن سوداني دون تحديد لأصله أو فصله؟ هل المطلوب خدمة مصالح المواطن؟ أم الجاه القبلي؟
لو أدرك المواطن العادي مصالحه المباشرة من الحكم الجديد في عهد الثورة، وأحس بما يكسبه (شخصيا) هو وأسرته لأصبح ذلك هو المحك، وبدلا من أن يطلب من الوالي رفع بطاقة الهوية سيطلب تفاصيل “البرنامج” والمشروعات..
بالله عليكم في زخم هذا التنازع هل سأل أحد عن “البرنامج”؟ هل هناك أي خطاب فيه ذكر لـ”برنامج”؟
غياب الاحساس بالمصلحة المباشرة يخلق “الفراغ” الذي يحشوه بارود القبلية..

عثمان ميرغني

 

‫4 تعليقات

  1. تحليل لجانب منسي للمشكلة في مناطق النزاع وهو يتطرق للجانب الخفي والاصعب ،،، أنا مع النصف الجميل لعثمان ميرغني وعفاه الله من النصف القبيح الذي يرفض ان يبقى في مكانه من الماضي ويطل بوجهه القبيح على قلم كاتبنا عثمان ميرغني من حين لاخر.

  2. مقال كلام فارغ لنه نظرة مثالية
    الآن لا توجد حكومة حقيقة في السودان
    في ظل ما يحدث يلجأ كل بالاحتماء والحفاظ على كينونته ومصالحه بقبيلته
    القبيلية اعاد احياءها المخلوع وحزبه
    حمدوك وحكومته الضعيفه كان يجب ان يتحلى بحس امني اجتماعي
    يحافظ على السلم الاجتماعي وكل مستفزاته.. كاان يجب ان يدركوا
    النظام الهالك احيا القبيلية في الناس وكان عليه ان يحتاط في اقليم كشرق السودان
    عندما عين والي من الهدندوة على البحر الاحمر وعين والي من البني عامر في القضارف
    – ارى لم يكنوا مصيبين في ذلك – يعين حمدوك بني عامري آخر والي على كسلا حضن الهدندوة؟
    ياخي هذا غير مقبول .. الا يوجد في شرق السودان غير البني العامر الذين في مشاكل مع الآخرين في
    القضارف وحلفا الجديدة وكسلا وبورسودان. لم يكن من الحكمة اطلاقا تعين والي كسلا من البني عامر
    لم لا يكون هساوي او حلفاوي او نوباوي فوراوي او شكري او او او او كل هؤلاء من سكان الشرق … لم الاصرار على البني عامر
    ياخي ما هو الفرق اذن بين حمدوك وابراهيم حامد محمود؟

  3. # طالما أن اهل الشرق تنادوا إلي القبلية البغيضة…كان الاجدي للحكومة اختيار الوالي من خارج الولاية…وذلك حقنا للدماء المهدرة…
    # كما يجب علي الحكومة بسط هيبة الدولة…وتقديم كل المتورطين لمحاكمات طوارئ عاجلة.
    # كما يجب علي الأجهزة الأمنية القيام بدورها الوقائي..والعلاجي لتفادي الخسائر والأرواح.

  4. لقد بح صوتنا ونحن ننادي بتبنى النظام الإداري الصارم الذي خلفه الإنجليز وتبنته الحكومات الوطنية مدنية وعسكرية بعد الاستقلال وذلك بحكم السودان حكماً إدارياً صارماً عبر تقسيمه إلى مديريات ومحافظات ومراكز إدارية وعُمد في المدن ومجالس ريفية تابعة لمراكز المدن. وقد كان الهيكل الوظيفي الذي يسير هذا النظام الإداري من موظفين إداريين مدربين تدريبا أكاديمياً وعملياً ويساعدهم في المناطق الريفية نظام إدارة أهلية يستوعب الرعاة والمزارعين. كما ذكرت فقد حافظت على هذا التقسيم والنظام الإداري كل الحكومات الوطنية الديمقراطية والعسكرية حتى حكومة الفريق عبود الذي نفذه بانضباط شبه عسكري ثم تسلمه الحكم الحزبي من جديد وحافظ عليه نوعاً ما حتى جاء نظام نميري الذي أدخل السياسية في النظام الإداري على حسب تنظير منظريه أمثال جعفر محمد علي بخيت وعمر الحاج موسى فأصبح بعض الموظفين فيه من أصحاب الولاء للنظام الحاكم الاتحاد الاشتراكي، ومع ذلك لم يؤثر نظام مايو سلبا على الخدمة المدنية إلا قليلاً.
    ويلاحظ الارتباط الوثيق بين النظام الإداري الذي ابتدعه الحكم البريطاني والخدمة المدنية المهنية المكملة له.
    وميزة هذا النظام الاداري أن الاستعمار قد تجنب فيه الآثار القبلية السلبية وتفادى الزج بها فيما يؤجج الصراع بين القبائل على المناصب بل وحينما اضطر المستعمر في التعامل مع سكان الأرياف خارج المدن من مزارعين مستقرين أو رعاة رحل وحتمية ادخالهم في النظام الاداري كان يختار لذلك من القبائل الصغيرة أو فروع القبائل الكبيرة لتفادي تكالب القبائل على الحاكم المستعمر وحصر كافة صلاحياتهم تحت اشراف مأمور المركز التابع للمحافظ ومساعديه والذين يتبعون لمدير المديرية ومساعديه ويتبعون للسكرتير الاداري والسكرتيرين الآخرين معاوني الحاكم العام.
    ولا تخفى الميزة الكبرى لهذا النظام في اخضاع النظام الاداري كله في الخدمة المدنية العامة وقوانينها الادارية ومحاسبة الموظفين والعاملين وبالتالي ضمان الانضضضضباط التام وأهم من ذلك استبعاد الانتماء الحزبي والعمل السياسي الحزبي وانفلاته من رقابة القانون وضمانة المصلحة العامة.
    أما كان الأفل في الفترة السابقة التي كان الولاة فيها عسكريين أن تنكب قحت على التحضير لاقامة هذا النطام الاداري البحت ووضع ضوابط ومؤهلات من يستوعبون موظفين اداريين فيه من مديرين مديريات ومحافظين ومساعدين محافظ وضباط مراكزويترك لهم تعيين الجانب الأهلي من عمد وشيوخ وشراتي ونظار؟؟ أما كنا قد نفادينا هذا الاقتتال بسبب تعيين والي مفتقراً لأيه أهلية إدارية وكل مؤهلاته أنه من قبيلة كذا وبعهم لا خبرة ولا قبيلة ليش الهردبيس دا يا حمدوك يا خبير أممي؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..