بين الحواته و الألتراس ـ فسخ وجلخ

الرأى اليوم
💎تعرضت بعض قروبات الواتس أب، لمجموعة من الظواهر، فى بنية المجتمع السوداني، منها ظاهرة الحواته، وهم أتباع المغنى المرحوم محمود عبدالعزيز ، وظاهرة ألتراس الهلال التى رفعت صورة هتلر ، وظاهرة قروبات فسخ وجلخ التى ينتظم فيها عشرات الألوف من الشباب من الجنسين، وصفحة ملحدون، وغيرها من قروبات الشباب .
💎فقد ذكر البعض أن هذه الظواهر هى تعبير عن وعى خارج المواعين المألوفة للعمل السياسي ، وأنها تعبير عن تحلل من القديم ،والبحث عن الجديد وسط أزمة شاملة ضربت كل المجتمع ، ولكنها كانت أكثر تأثيراً على قطاعات الشباب التى تشعر بإنسداد الأفق ، وضياع المستقبل ، عاب البعض على المثقفين، عدم التفاعل مع هذه الظواهر، ودراستها وفحصها والتواصل معها ، لفهمها وإستيعابها ، أقول كل هذه الآراء صحيحة ومقدرة ، ولكن قبلها يجب إخضاع الظواهر، لحالة تقنين علمى وتاريخى ، لمعرفة هل هى ظواهر قائدة أم تابعة ، بمعنى هل هى تعبير عن ميلاد أم رفض لواقع فقط ، ومن ثم التعامل معها ووضع المؤشرات لها .
💎الظواهر الإجتماعية، هى مؤشرات لتحولات مجتمعية قادمة ، الجهاز المناعى للمجتمع السائد يلفت الإنتباه لها ، لدراستها ورصدها ومعرفة أبعادها ، وعمق تأثيرها، فالظاهرة الإجتماعية علمياً ذات خصائص ، منها أن الإنتماء لها تلقائى ،عن طريق العدوى الإجتماعية ، يتم الأنتماء دون تركيز أو البحث عن أسس فكرية، أو منطقية للظاهرة،وقد كانت هذه الظواهر ، محل إهتمام علم الإجتماع السياسي، وهو علم يدرس العلاقة بين السياسة ، والواقع الإجتماعى ، ويدرس تأثير الأحداث والظواهر ، على بنية المجتمع وتوجهاته ، مثل الحروب ، الكوارث ، الجفاف والتصحر ، إختلال القيم وغياب العدالة .
💎 دراسة واقع الظواهر الإجتماعية و أثرها على المجتمع ثقافيا وسياسيا ليست جديدة ، بل قديمة قدم علم الإجتماع نفسه، سوف أتعرض لبعض الظواهر التاريخية المشابهة ومدى تاثيرها و إستمراريتها ، كمؤشرات للتحولات السياسية فى المجتمع السودانى ومعالها ، لعل وعسي يقتنص الفرصة ، باحث ناشط ، ويتعمق بشكل علمى ،فى بحث هذه الظواهر ميدانيا ، من خلال العينات وأستنطاقها ،وتحليلها ،ورصد تاثيرها المتوقع على السياسة، والثقافة فى المجتمع السودانى، ساتعرض بإقتضاب للظواهر التاريخة التالية .
💎ظاهرة الحشاشين ، ظهرت هذه الجماعة عندما ضعفت دولة الخلافة و إنقسمت ، فى العهد العباسي والفاطمى ، وقد بدأت بخلاف فكرى داخل المدارس العلوية ، إنضم لها مجموعات من الشباب ، اقامو نظام أجتماعى خاص بهم ، وتحصنوا فى قمم الجبال وتدربوا على القتال ، فقد قيل إنهم يتعاطون الحشيش ، ويطيعون قائدهم طاعة عمياء فقد هددت فرق القتل التى أعتمدوا عليها ،العباسيين والفاطميين ، وحتى الدول الأوربية فقد كانوا ينفذون عمليات إنتحارية بفدائية للوصول لهدفهم ، لم تأثر هذه الظاهرة تاثير يذكر فى التاريخ ، فقد قضى عليهم المغول فى فارس، والمماليك فى الشام ، لم تترك ظاهرة الحشاشين اثراً ذا قيمة فى التاريخ .
💎حركة القرامطة ، بدأت كظاهرة تبحث عن العدالة الإجتماعية، وتدين الطبقة السياسية الحاكمة ، تطورت من ظاهرة لفكرة ، فهم أول من عرف الملكية العامة ، وقيم الإشتراكية، أقاموا دولة فى كل من العراق والبحرين واليمن ، فقد هاجموا الكعبة واخذوا الحجر الأسود ، فقد كانت فكرتهم بناء كعبة أخرى ، إحتفظوا بالحجر الأسود حوالى أثنين وعشرون عاماً، إنتهت ظاهرة القرامطة ،إلى الخروج من الاسلام والإساءة للرسول (ص) ، قضى الفاطميون على الحركة القرموطية ، لم تترك أثر يذكر فى مسار التاريخ ، سوي أخبار العنف الذى مارسته .
💎ظاهرة الفوضويين أو الأناركيز ، فهم يرون أن الظلم يبدا بالسلطة ،والدولة ويرفضون الملكية الفردية ويرفضون الأخلاق والقيم السائدة ، ويطالبون بخلق ثقافة جديدة للمجتمع وهى فلسفة تقوم على الثورة، فهى تخلط بين الإشتراكية والليبرالية ، أنتهت الظاهرة الفوضوية، لبروز المدارس الفكرية الأشتراكية والراسمالية ، ولكنها كحركة أجتماعية، لم تترك أثر كبير يذكر فى التااريخ، فقد قامت و أنتهت كحركة رفض ، ليست ميلاد متكامل قابل للحياة.
💎ظاهرة الهيبيز ، بدات فى منتصف الستينات ، فى الولايات المتحدة الامريكية ، كحركة مناهضة للراسمالية ، إنتشرت وضمت عشرات الملايين من الشباب فى أروبا الغربية ، وهى تقوم على التفكير خارج السياق الإجتماعى التقليدى ، تدعو الحركة للسلام العالمى والحرية الفردية ،وتناهض توحش النظام الرأسمالى ، كان الجامع بينهم مظهرهم المهلهل وذقونهم الطويلة ، وكانوا يوزعون الزهور للمارة تعبير عن الحب والسلام ويتعاطون المخدرات ، بصورة جماعية، فقد كانت لهم فرقة موسيقية مفضلة ،هى الخنافس (فرقة البتلز) قُدر معجبيها بعشرات الملايين ، وقد تاثر المغنى العالمى الشهير بوب مارلى بحركة الهيبيز، ولكن حركة الهبيز إنتهت كحركة رفض ، تنتج حرارة ولا تولد نور ، آثارها الباقية مجموعات السلام العالمى والخضر وأنصارالبيئة ، ولكنها لم تزل ذات تأثير خافت فى المجتمعات الغربية .
💎الواقع فى السودان فى حالة سيولة ، لا خلاف على ذلك ، وكل هذه الظواهر نتاج هذه الحالة الإنتقالية فى المجتمع ، وسيكون لها تاثير سياسي ،و أجتماعى وثقافى على المستقبل المنظور ، ولكن ليست باشكال الرفض الراهنه ، فالتحديات السياسية أمام القوى الوطنية كبيرة ، معالم خطورتها تتمظهر فى عدة ملامح ، داخل كل قوى سياسية و إجتماعية على حِدة، مثلاً.
💎الحركة الأتحادية ، منذ نشأتها ، هى تعبير سياسي و إجتماعى و إقتصادى عن قوى الوسط ، الإنقاذ قامت بتدمير الوسط بشكل شبه كامل ، وبالتالى دمرت الحركة الإتحادية ، وكان نتيجة ذلك تفككها وتشتتتها ، الذى أعتقد أنها لن تشفى منه ، نسبة لغياب حاضنتها الطبيعية، (قوى الوسط) ، فقد ينشا وسط جديد، غير الحركة الإتحادية التقليدية المعروفة .
💎حزب الأمة ، إنتقل الحزب من الوجود التقليدى يميناً، إلى الوسط السياسي ، ظهر ذلك فى إنتخابات1986 حيث فاز الحزب بمعظم الدوائر الإنتخابية فى المدن (الفاشر ونيالا والابيض وكوستى وسنار وبعض دائر الخرطوم وأمدرمان )، بالتالى تدمير الوسط السياسي ، هو تحدى رئيسي أمام الحزب ،كما أن تحدى حزب الأمة الوجودى ، هو حالة الحرب الأهلية فى دارفور وكردفان والنيل الأزرق ، وما أفرزته من نزوح وهجرة خارج الحدود ، وتغيير فى نمط حياة القطاع التقليدى ،الذى يمثل حاضنة الحزب السياسية ، بالنسبة لحزب الأمة ، مازالت أمامة فرصة مقرونة بتحدى كبير ، إما أن يتجدد ليوافق المتغيرات أمامة أو يتبدد وينتهى لمتحف االتاريخ ، كما سبقه على ذلك حزب الوفد المصرى والإستقلال المغربى ، وحزب حركة التحرير الجزائرية .
💎اليسار التقليدى الأممى والقومى ، يواجه تحدى وجودى أيضاً ، خاصة مع أنهيار الإتحاد السوفيتى ، ودول النموذج القومى (سوريا والعراق )، أمام هذه القوى فرصة التجدد ، وإعادة استيعاب قضايا العدالة الإجتماعية ،مقرونة مع الديمقراطية ومفهوم حقوق الإنسان ، لن يستمر اليسار السودانى بشكله التقليدى ، من الممكن أن يظهر فى شكل يسار جديد ، يطور مفاهيم الإشتراكية والعدالة الإجتماعية ، سيكون هناك يسار ، لكنه ليست يسار ما قبل السيولة .
💎الحركة الإسلامية ، شنقت نفسها ، بتجربتها الراهنة ، طال الزمن أو قصُر ، ستدفع ثمن غالى ، لخطئها التاريخى ،( إنقلاب الإنقاذ) ، فقد فقدت جاذبيتها ، كحركة تطهرية دينية أصبحت موسومة بالنفاق ، والفساد ، والضلال ، عكس كل قيمها ، التى تبنتها ، خيارها الوحيد العودة لمنصة التكوين، وتتخلق من جديد، لتكسب ثقة المجتمع ، هذا سيأخذ منها الكثير ،من الوقت والجهد .
💎ختامة
هذه الحالة من السيوله ، التى تقود للظواهر الإجتماعية ، وهى فى الغالب ، تعبير عن الواقع ، ولكن ليست قطيعة معه ، فإذا إستجاب الواقع للمتغيرات ، يمكنه إستيعاب معظمها ، وتنتهى كحركات رفض كسابقاتها فى التاريخ ، تولد حرارة ولا تنتج نور
الإجابة لكل هذه التعقيدات فى دراسة تشكيل الكتلة التاريخية ، التى أصبحت ضرورة وطنية ملحة، لمعالم المستقبل القادم بقوة ، مثل الكتابة على الجدران ، لمن كان عنده نظر و ألقى السمع وهو شهيد .
صلاح جلال