الإصرار الأمريكي على تقسيم السودان

من البدهيات أن نذكر أن سياسات الدول الكبرى تنبع من مصالحها المباشرة التي ينبغي تغليفها بالشعارات القشيبة والكلمات الحنونة. ومن المعروف أيضا أن الدول العظمى تعمل بوحي من ثوابتها التي لا تتغير مع تغير الأشخاص. وقد سبق لنا أن أوضحنا أن موقف الولايات المتحدة من إسرائيل منذ عهد ترومان عام 1948 إلى الآن واحد وموحد وثابت ولا يخرج قيد أنملة عن فكرة ”حمايتها وتأمين بقائها مهما كان الثمن”.

ومن هنا، نتابع الموقف الأمريكي من السودان، الذي ينطلق من قرار استراتيجي بضرورة تقسيم هذه البلاد الشاسعة لإعطاء إسرائيل الفرصة للدخول والتأثير في الدويلات الناشئة، لتتسلمها بالرعاية والهيمنة منذ مرحلة الطفولة، كما صرح أفي ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الذي أعلن أن تفكيك السودان هو إضعاف لمصر، ومن ثم فهو قوة لإسرائيل.

ولأن الموقف الأمريكي مشترك مع إسرائيل وجماعات الضغط اليهودية، فهو سيدخل مراحل التنفيذ لا محالة، وما علينا إلا مراجعة أحداث ما قبل غزو العراق وتدميره، وما قبل احتلال أفغانستان ومحاولة تفريغها من هويتها. لذا لم يكن قرار أوباما ـــ الرئيس الديمقراطي الأسود الذي ظن معظم زعماء الدول النامية، بالخطأ، أنه أكثر تعاطفا مع قضاياهم ــــ بتجديد العقوبات على السودان والاستمرار في الضغط بخصوص الاستفتاء إلا مواصلة لهذا الاتجاه العدواني.

قرار أوباما يقطع الشك باليقين أمام بعض من يعتقد أن الأشخاص يصنعون السياسات، ولو صدق ذلك ما كان ممثل الدرجة الثانية ريجان أو مدمن المخدرات جورج بوش الابن أو الأسود حديث الهجرة أوباما قد سُمح لهم بتولي هذا المنصب. ولكنهم شغلوه لأن الجميع يعلم أن سياسات الولايات المتحدة محددة سلفا من مجالس وقوى علنية وسرية، وما على موظف البيت الأبيض إلا التنفيذ مهما بالغت وسائل الدعاية الأمريكية في الحديث عن صلاحياته الواسعة وسلطاته الكبيرة.

يستخدم الأمريكيون مصطلحات رشيقة مثل ”تحقيق التقدم”، ويقصد به الإسراع في الانفصال ومصطلح ”تحسين الوضع في دارفور”، والمقصود به انسحاب قوات السودان وترك الإقليم للقبائل الرعوية غير المهتمة بالاستقرار حتى تقرر واشنطن متى ترسل معدات استخراج النفط وغيره من المعادن.

وتبدي الولايات المتحدة اهتماما يمكن أن نطلق عليه مصطلح اهتمام ”الحالة الأولى”؛ أي ما يعادل المصلحة الأمنية المباشرة على أرض أمريكا، وهذا يعني في قواميس السياسة أن هناك ثروة كبيرة وموارد هائلة ستصب في الخزانة الأمريكية، لأن الجنوب يحتوي على 80 في المائة من نفط السودان، وتُمنِّي أمريكا نفسها بالاستيلاء عليه مقابل بعض الأبنية الحديثة والمنشآت وأجزاء من البنية التحتية، التي ستقيمها شركات أمريكية بطبيعة الحال. وهذه هي الجائزة الثانية.

والطريف أن الولايات المتحدة تصدر قرارات العقوبات ”بحكم القانون”، فقد أبلغ أوباما الكونجرس المولع بإسرائيل أنه سيمدد العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ سنوات عدة في إشعار سنوي مطلوب ”بحكم القانون” من أجل إبقاء العقوبات.

ومن أمثلة تلك العقوبات، تقييد بعض إجراءات التجارة والاستثمار، وتجميد أموال الحكومة السودانية (أشبه بإجراءات العصابات)، ولبعض الرعايا السودانيين. والطريف هنا، أن الولايات المتحدة لم تتوقف عن استقطاب رعايا سودانيين تعتبر أن لهم ولاء للولايات المتحدة، حتى يأتي اليوم الفصل فتمطر السودان برعاياه الموالين لتنفيذ ما تراه دون عناء الاحتلال.

ورغم أن السياسيين الأمريكيين الذين يعرفون القضية والمنطقة وأطراف المشكلة يعلمون علم اليقين أن المشكلات ثنائية؛ أي أن سببها الجنوبيون بالقدر نفسه مثل الشماليين، إلا أن الحكومة لم تحرك ساكنا أو ترفع أصبعا في وجه سيلفا كير وبطانته، لأنهم سدنة مصالحها القادمة. فعلى سبيل المثال، نجد أن مناطق الخلاف، هي:

ــــ وضع منطقة أبيي الغنية بالنفط، التي تريدها واشنطن جنوبية دون أن تعلن ذلك، ولكنها تنوي تحقيقه من خلال إضعاف المفاوض الشمالي ووضعه في زاوية قبول أي شيء حتى لا يتعرض لمزيد من العقوبات التي قد تصل إلى ما وصل إليه جون جارنج العنيد صاحب الرأي.

ــــ قضية الجنسية وهي في غاية التعقيد، ذلك أن أعدادا كبيرة من الجنوبيين عاشوا في الشمال واستقروا، ولا يعرفون عن الجنوب إلا أنهم من الشلك أو النوير أو الدينكا، وهؤلاء يُفترض إعادتهم إلى الجنوب وحملهم جوازات سفر جنوبية، وهو ما يرتطم بكل ما عاشوا عليه ومن أجله. والشيء نفسه يصدق على تجار شماليين يعيشون في جوبا وملكال وواو وليس لهم مورد في الشمال. إنها حقا معضلة ــــ ولكن متى كانت المشكلات المحلية تثني الوحش المستعمر عن أطماعه؟

ــــ أما ثالثة الأثافي فهي مسألة تقسيم النفط وعائداته. والولايات المتحدة لديها أجندة متكاملة حول المسألة النفطية، فهي سترسل شركاتها إكسكون وستاندارد أويل وتكساكو وغيرها ممن تكونوا حديثا للاستيلاء عليه واحتكار تكريره وتخطيط تسويقه بما يضمن لها الضغوط والقوة على عباد الله المشترين، أما الإخوة في السودان الجنوبي فلهم الفتات في إطار عقود إذعان محكمة، وهي عادة طويلة المدى، حتى إذا أفاق المتعاقد المحلي، وجد أن كل شيء قد انتهى تحت سطوة الضغوط التخويفية الأولى.

وانطلاقا من سياسة الوعد والوعيد والإغراء والتهديد والعصا والجزرة لا تنسى دوائر المستعمر الأمريكي أن تكرر عبارات وردت كثيرا في أدبيات الإمبراطورية الفرنسية والبريطانية بالذات، عن مكاسب وحماية وصداقة وتحالف مع الطرف المكروه، إذا أبدى خنوعا كافيا وخضوعا وافيا وقبولا بكل ما يُعرض عليه، لذلك فإن حكومة الخرطوم ـــ كما تبلغها واشنطن في بيان التهديد ـــ ستكون حكومة صديقة سندفع بها عاليا في موقع صحيح في المجتمع الدولي، شريطة تنفيذ اتفاق السلام وحسم المشكلات العالقة بما يرضاه الجنوب، إلى جانب تحسين الأمن وضمان تدفق المعونات الإنسانية إلى دارفور، وهي معونات غربية بتوقيع أمريكي وتُقدم إلى الفرقاء الموالين. ولم ينس أوباما في حديثه مع ثابو مبيكي رئيس جنوب إفريقيا السابق رئيس اللجنة المختصة في السودان في الاتحاد الإفريقي أن يذكره أن الولايات المتحدة شديدة الجدية في تعاملها مع السودان، بما يعني أن يتولى مبيكي الحديث إلى الرئيس البشير تفاديا لحدوث صِدام.

ويتحدث القريبون من الشأن السوداني عن احتمال إعلان الجنوب الاستقلال من جانب واحد، ومع ما في ذلك من مخالفة للقانون الدولي، إلا أنه يجد المباركة الأمريكية التي جعلت هذا حلا ثانيا إذا ما فشلت إجراءات التهديد كافة.

إن الولايات المتحدة ــــ ويدها في المياه الباردة ــــ لا تعرف عن السودان الذي فقد مليوني مواطن نتيجة الحروب، الذي يعاني تحديات الجيران، الذي يجأر بالشكوى من بطء التنمية والمطامع الدولية ــــ لا تعرف إلا أنه بئر نفط لن تنضب، ولا مفر من السيطرة عليها.

فائق فهيم
الاقتصادية

تعليق واحد

  1. ومن الذي أعطى الفرصة للولايات المتحدة وغيرها بالتدخل في شئون السودان ومن الذي أعطى الجنوبيين حق تقرير المصير. أنا آمن أن السوداني من أبلد البشر في العالم. كيف تقرر من تلقاء نفسك أن تبتر جزء منك لتصبح مكشوفا أما كافة أنواع الإصابات والالتهابات. بصراحة من كان يعتقد أن فصل الجنوب عن الشمال هو الحل فسوف يرى وسوف ييردد إلى أن يموت الندم -. أنا متأكد كما الكثيرون غيري أن قيادات المؤتمر الوطني تشعر بنوع من الخيبة والفشل والحسرة وتتجرع مرارات الهزيمة الماحقة كلما تذكر واحد منهم جنوب السودان حتى ولو كان في غرفة نومه ومعاشرت زوجته لأنهم سيدركون أن الله والشغب لن يغفر لهم. كنت من أيام المفاوضات ألاحظ بإعجاب ذكاء الإخوة الجنوبيين في أدارة الحوار وأنهم دائما يتمسكون بمواقفهم وفي النهاية يحققون ما يريدون أما ناس زعيط ومعيط فكان يبدو عليهم عدم الثقة في النفس والكسل والشرود وأحيانا البلادة. بصراحة لوكان لديه ذرة من نخوة لتنحوا منذ المفاوضات وسلموا البلد لقيادة جنوبية. هؤلاء استفادوا من تعليمهم واستوعبوا تاريخ كفاح الشعوب وأدركوا المعاني الكاملة لمعنى كلمة استراتيجية. أنظر للمسئولين الشماليين كيف يدلون بالتصريحات وكيف يأتي آخر لينفيها وكيف تصدر القرارت ثم يكتشفوا عيوبها في اليوم التالي وكيف وكيف

  2. السودان يتفكك بمساعدة من اهله الاعزاء لقد حققوا بدراية او بجهل ما تريده امريكا تحت بند المساعدات الخادعه وهي تحقق سياسة فرق تسد الفرقة حاصله ابطالنا السودانين طلعو المستعمر وهو ياتي بمساعدتكم والذي يحدث الان خيرشاهد وياوطني لقد انجبت الابطال والانزال

  3. الولايات المتحده قالت ان النفط السودانى هو احتياطى امريكى وعلى السودان عدم استخدامه فى الوقت الحالى ولما اصر البشير على احضار الصين واستخرج البترول لم يكن امام امريكا الا ان تعمل على فصل الجنوب حتى تتمكن من الاستيلاء على النفط الذى عجزت من اسيلائه عن طريق الشمال

  4. هل من فواق ؟

    كل شئ يهون مادامت عدسة الكاميرا تصور وجود بقايا عرب يجيئون ويروحون. نعم لم ينقرضوا بعد ومن يبقى لا يهمه من مضى. ويهون يوما بعدم ما نرى من نكوص في الأمة ليس تاريخا حسب وانما جغرافية كذلك. فبعد أن ملكت أمة الإسلام الدنى تضيق عليها الدروب لتهدد مثوى حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم جزيرة العرب من كل جهة من الشمال ومن الجنوب ومن الشرق ومن الغرب. نعم جزيرة العرب هي الهدف النهائي فاستفيقوا يارجال الحكم والسياسة. نراها (الأمة بكاملها) كما رآها حبيب الحق وصفي خالق الخلق تتداعى عليها الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها والعرب كثير ولكن .. آه مما بعد ولكن غثاء كغثاء السيل.

    ونرى الأمم تبني وتتعالى صروحها والمستضعفون تتهاوى السقوف على رؤوسهم شيئا فشيئا.
    وهنا يحضر الذي لا مفر منه. مجرد تساؤل يزيح عن القلب الموت من كمد عن فائدة العلم والعمل وكل الحياة والتشرذم قادم لا محالة والشتات أت لا مناص. ولئن تاهت اليهود أربعين سنة فالأمة بدأت بالتيه لأربعمائة سنة لم يمض منها الا ثلاثون أو خمسون لا أكثر.

    الأندلس، الإسكندرونة،عربستان (وهي دولة عربية أكبر مساحة من العراق،فلسطين، سبتة وطنجة، الجزر الثلاث،العراق، و و عدا التقطيعا لداخلي في كل جزء من اجزاء الأمة. اياكم ان تنظروا الى خارطة مستقبلية ايها الحكام فالسكتتة القلبية بانتظاركم اذا نظرتم. وقفوهم فانهم مسؤولون.

    ياهدى الحيران في ليل الظنى أين أنت الآن بل أين أنا
    تاه فكري بين أطياف المنى لست أدري يا حبيبي من أنا ..أين أنا

  5. أمريكا لم تستخدم العصا ولا حتى الشبشب لتقسيم السودان بل أستعانت بعملائها من يدوعون أنهم سودانيون وهم تولو المهمه على أكمل وجه بالنسبه للجنوب الأنفصال لا يشكل أي معضله للشمال وليس هناك أي ضرر من الأنفصال وهذا الشئ لا شك فيه ولا يختلف فيه إثنان في الشمال المعضله الحقيقيه هي التي سوف تواجه الجنوب وهذا ليس من وجهة نظر الجنوبيين ولله الحمد هذا من وجهة نظر الأمرييكيين والتقارير الأستخبارتيه الصادره من المخابرات الأمريكيه بعد أن قامت بمسح شامل للقبائل الجنوبيه فقد ورد في واحد من هذه التقارير الأستخباريتيه (والمعلن عنه في الإعلام الأمريكي) بأن كل القبائل في جنوب السودان عادا الدينكا والنوير ترفض أن تشارك في أي حروب قادمه خصوصاً من جهة الشمال فقد صرح هؤلاء بأنهم شاركو في الحروب السابقه من أجل تحرير الجنوب والآن الجنوب ليس ملكهم فقط هو ملك الدينكا والنوير وهم ليس مستعدين للموت دفاعاً عنهم!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! وهذا الكلام ينطبق تماماً على الاقليم المرشح للأنفصال بعد الجنوب غرب السودان!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! نقول هذا الكلام لأن أمريكا أوقعت عملائها في فخ الأنفصال الذي أصبح الآن لا مفر ولا مهرب منه حتى من أستخدمتهم آداة لهذا الأنفصال اصبحو يتخبطون يمين وشمال والتصريحات الناريه والويل والثبور كل هذا إن دل إنما يدل على أن هؤلاء وقعو في الفخ الأمريكي فخ العماله العريض الطويل والمظلم الذي لا مهرب منه الاّ بالموت.

  6. يافائق وفهيم من السهل جدا ايجاد شماعة لوضع كل البلاوى التى نمر بها
    لم يلوى احد يد على عصمان ليوقع على اتفاق لم يستشر فيه المواطن السودانى وانما وقع كانما يوقع على عقد بيع بيت او عربية . وبالرغم مايثار بان الرجل سياسى ومفاوض بارع الخ النعوت الا انه يدير البلد كانه يدير اتحاد طلاب وطبعا فى الحتة دى هم برعوا وتفننوا منذ زمن طويل فى كل السبل الملتوية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..