مقالات وآراء سياسية

اما يبلغن عندك الكبر ..

محمد حسن شوربجي

قصص إهمال الأبناء للآباء والأمهات تهز المشاعر كثيرا.
فكم من مسن عجوز قد قابلك في الاسواق والطرقات وهو تائه لا يدري أين هو تملأ عيناه الدموع لأبناء قد تنكروا له فتركوه هائما على وجهه في الاصقاع.
واباء وامهات افنوا حياتها في تربية ابنائهم وضحوا في سبيلهم بكل ما يملكون فتكون نهايتهم دور العجزة والمسنين اوالشارع.
وكم منهم من نراهم وقوفا في إشارات المرور يتسولون.
وان كنا ولله الحمد احسن حالا من دول كثيرة. وتظل هذه الظاهرة محدودة جدا في بلادنا مقارنة بالآخرين.
ولكن لابد لنا ان ندق ناقوسها بقوة حتى لا تستفحل ونعجز عن حلها.
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)
فلا يكفي ان تبر والديك بأن تهتم فقط بمأكلهم ومشربهم أو ان توفر لهم المسكن ،
بل البر الحقيقي هو البر النفسي الذي يفوق البر المادي.
قبل زمن هزني خبر وفاة ثلاثة مسنين بدار العجزة والمسنين بالقضارف بسبب اهمال بلدية القضارف في توفير حصة الغذاءات والعلاج لنزلاء تلك الدار.
والسؤال أين هم أبناء وأهل هؤلاء النزلاء في قضارف الخير.
ولم اصلا غفل المحسنون في القضارف وغيرها عن تقديم العون لهم .
وهل من عمل أعظم من خدمة الآباء والامهات.
وهل اصلا تملك وزارة التخطيط الاجتماعي إحصائية دقيقة بعدد النزلاء وإعداد الهائمين منهم في في الشوارع.
وهل هناك ميزانيات مرصودة لخدمة هذه الفئة.
وان كنت على يقين أن بلادنا المنهارة اقتصاديا لن يكون بمقدورها رصد أي ميزانية لدور المسنين والعجزة.
لذا لابد علينا الاعتماد كليا علي الأسر و البيوت والعمل بحديث الرسول الكريم ص الخاص باحترام الكبير وتوقير الصغير.
فنحث الأبناء ليكونوا الصدر الحنون لأبائهم وامهاتهم عند الكبر.
وهنا تستحضرني قصة من أرمينيا البعيدة.
ففي عام ١٩٨٨ ضرب زلزال مدمر هذه المدينه ،
وكان من أقسى زلازل القرن العشرين حيث أودى بحياة أكثر من خمسة و عشرين ألف شخص ، ولقد شلت المنطقة التي ضربها الزلزال تماماً وتحولت إلى خرائب متراكمة،
وعلى طرف تلك المنطقة كان يسكن فلاح مع زوجته حيث تخلخل منزله ولكنه لم يسقط،
وبعد أن اطمأن على زوجته تركها بالمنزل وانطلق راكضاً نحو المدرسة الابتدائية التي يدرس فيها ابنه والواقعة في وسط البلدة المنكوبة،
وعندما وصل وإذا به يشاهد مبنى المدرسة وقد تحول إلى حطام،
لحظتها وقف مذهولاً واجماً،
لكن وبعد أن تلقى الصدمة الأولى ما هي إلاّ لحظة أخرى وتذكر جملته التي كان يرددها دائماً لابنه ويقول له فيها: مهما كان (سأكون دائماً هناك إلى جانبك)،
و بدأت الدموع تنهمر على وجنتيه،
وما هي إلاّ لحظة ثالثة إلاّ وهو يستنهض قوة إرادته و يمسح الدموع بيديه ويركز تفكيره ونظره نحو كومة الأنقاض ليحدد موقع الفصل الدراسي لابنه وإذا به يتذكر أن الفصل كان يقع في الركن الخلفي ناحية اليمين من المبنى،
ولم تمر غير لحظات إلا وهو ينطلق إلى هناك ويجثو على ركبتيه ويبدأ بالحفر وسط ذهول الآباء والناس العاجزين.
حاول أبوان أن يجراه بعيداً قائلين له: لقد فات الأوان.
لقد ماتوا فما كان منه إلا أن قال لهما: هل ستساعدانني؟!،
واستمر يحفر ويزيل الأحجار حجراً وراء حجر، ثم أتاه رجل إطفاء يريده أن يتوقف لأنه بفعله هذا قد يتسبب بإشعال حريق،
فرفع رأسه قائلاً: هل ستساعدني؟!،
واستمر في محاولاته وأتاه رجال الشرطة يعتقدون أنه قد جنّ،
وقالوا له: إنك بحفرك هذا قد تسبب خطراً وهدماً أكثر،
فصرخ بالجميع قائلا: إما أن تساعدوني أو اتركوني وفعلا تركوه،
ويقال أنه استمر يحفر ويزيح الأحجار بدون كلل أو ملل بيديه النازفتين لمدة 37 ساعة ،
وبعد أن أزاح حجراً كبيراً بانت له فجوة يستطيع أن يدخل منها فصاح ينادي: (ارماند… ارماند )، فأتاه صوت ابنه يقول: أنا هنا يا أبي،
لقد قلت لزملائي لا تخافوا فأبي سوف يأتي لينقذني وينقذكم لأنه وعدني أنه مهما كان سوف سيكون إلى جانبي.
في الزلزال مات من التلاميذ نحو 14تلميذا ، وخرج منهم 33 كان آخر من خرج منهم (ارماند)، ولو أن إنقاذهم تأخر عدة ساعات أخرى لماتوا جميعا، والذي ساعدهم على المكوث أن المبنى عندما انهار كان على شكل المثلث،
نقل الوالد بعدها للمستشفى وخرج بعد عدة أسابيع.
والوالد اليوم متقاعد عن العمل يعيش مع زوجته وابنه المهندس ارماند.
الذي أصبح يقول لوالده: مهما كان سأكون دائماً إلى جانبك…!
فليتنا اخوتي نكون معهم على الدوام مع كبارنا وندخل البهجة في نفوسهم .
فكما كان الوالدان معك منذ الصغر وحتي كبرت فكن معهم انت ايضا أن كبروا وتبادل معهم الادوار ارضاءا لله عز وجل .
ففي الأثر : «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم».
وظني ان الامر كله وكأنه سلسلة مترابطة الحلقات لا تنفرط.
اللهم احفظ ترابطنا الأسرى الذي بدونه لا نسوي شيئا .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..