الفجيعة الثانية .. ماذا تواجه مجتمعاتنا

في الوقت الذي لم تمر فيه أيام معدودة على فجيعتنا في أحد شباب حينا وهو يمضي نحو المجهول ميمماً وجهه شطر الدولة الاسلامية أو ذاك الشيء المسمى ” داعش ” حتى فجعت لحظة دخولي المنزل قبل قليل برحيل شابٍ آخر على ذات خطى الأول في رحيل مفاجيء حيث يختفي الواحد منهم على حين غرة ومن ثم وبعيد أقل من ســ 12 ـــاعة تأتي الرسألة عبر وسائط التواصل لتخبر الأهل والأصدقاء والجيران بالوصول إلى تركيا استعداداً إلى العبور إلى المجهول إما إلى داخل العمق السوري أو العراقي ..

لم أتبين بعد تفاصيل رحيل الشاب الثاني.. أما الأول فأوجزها بأنه شاب لم يبلغ العشرين بعد .. وبعيد عمليات البحث والتحري يكتشف التالي
– تم استخراج جواز سفر له وباسم ثلاثي فقط …
– تم فتح حساب بنكي له لمقابلة متطلبات اثبات القدرة الاقتصادية للتحصل على فيزا للأراضي التركية ..
– تم شراء تذكرة سفر بقيمة تربو على تسعة من الملايين السودانية
بالاضافة إلى تفاصيل أخرى توضح حجم عمليات التشبيك ومقدرات القدرات المالية واللوجستة للداعشيبن داخل وطننا السودان .. وبالاضافة إلى هذا وهو الأهم التسلسل إلى أذهان وعقول أعداد مقدرة إن لم نقل مهولة من شبابنا …

عندما استخدمت مصطلح فجيعة أعلاه فإني أعني ذلك تماماً سواءاً على المستوى الشخصي أو العام .. فهولاء الماضون إلى ذلك المجهول الداعشي .. كانوا إلى وقتٍ قريب وقريبٍ للغاية أناساً عاديين وطبيعيين مثل غيرهم من البشر .. ولا استطيع تخيلهم إطلاقاً وقد اعيد انتجاهم ليكونا ذلك القيح والصديد الذي نتلقاه أخباراً صباحاً ومساءا .. جمعتني بهم أخوة وصداقة وجيرة .. ولعلنا أكلنا سوياً وشربنا سوياً وتناقشنا وتضاحكنا وتزاورنا ومارسنا الكثير مما يفرضه الجوار الممتد لسنوات طويلة.. وفي كثير من الأوقات تصبح الأواصر التي تجمع الأسر في الحي أقوى من علائق القربى والدم .
أمضي فأقول أن من المؤكد أن الفجيعة لتتجاوزالشابين لأني أعرفهم لمجموعات كبيرة لا أعرفها وقعت في أتون هذا الخطل ومضت المجهول ليكونوا وقوداً في حروب لا نعرف لها شرعيةً وطنية او دينيةً أو انسانيا .. ووليصيروا زادأ تحت راياتٍ مسمومة ومشاريع لا نعرف هل تدار بالوكالة أم بالاصالة لأني إلى اللحظة لا استطيع على مستوى قدرات وملكات المتخيل الذهني لدي في أنه يمكن ان تحدث للإنسان ردة فكريةٍ واجتماعية وتاريخية بقدرالنموذج الذي تقدمه لنا الدولة الداعشية .

خلاصة القول أننا نفقد شباباً كان من المفترض أن تكون حياتهم طبيعية بين أسرهم التي تعاني الأمرين الآن عوضأً عن أن يكونوا قاتلين أو مقتولين في معترك لا ناقة لهم فيه ولا جمل … وكانوا يمكن أن يكون نواة لمشاريع واسهاماتٍ وطنية لو وظفت طاقتهم وقدراتهم أكاديميا أو مهنيا عوضاً عن المشروع الداعشي الذي لا يزيد عن كونه طعنةً نجلاء في خاصرة الانسانية .. والأدهى من ذلك أننا لا نعلم حجم هذا السرطان الخفي وكم الخلايا النائمة والتي يمكن أن تجعل من المشهد العراقي أو السوري مجرد دعاية للفليم الذي سيكون دور عرضه الأرض السودانية في زمانٍ عاجلٍ أو آجل ..

أود أن أقول بصراحة أنني من هذه الزاوية أو تلك قد أجد العذر لهذين الشابين أو حتى لغيرهم .. فأنا أراهم ضحايا في ظل الوضعية المعقدة التي تحياها الدولة السودانية وفشل المشاريع الوطنية في أن تؤسس لواقع يجعلهم شيئاً غير الذي هم الآن .. نحن لا نعاني من غياب الحريات السياسية فحسب بل إنها تمتد لتشمل الحريات الاجتماعية .. نحن موبؤون بمناهج تعليمية وتربوية عاجزة أن أن تشعر الانسان بإنسانيته .. نحن متواجدون في مجتمعات ما زالت تؤمن بالخرافة وما زالت ذهنيتها معتقلة في الماضي تجتر انتصاراته في ظل اخفاقات الواقع السياسية والاقتصادية وحتى المعرفية .. والأمر من ذلك أن الحملة المدعين لمشاريع التنوير والحداثة لا تجد لهم العذر في تقوقعهم وصفويتهم وعزلتهم عن مجتمعاتهم .. بل وفي بعض الأحيان ربما لا تجد حرجاً في أن تعبر عن شعورك بالخيبة عندما تجد ابتذالاً لمفاهيم الحرية والليبرالية والحداثة والتنوير .. وفي النهاية فإن متطرفي هذا المعسكر أو ذلك هم ضحايا لهذا الواقع والمأزوم .

نحن الآن أمام خطرٍ داهمٍ يتغشانا من كل صوبٍ وحدب .. وعلينا فعل كل الممكن وبل وحتى المستحيل من اجل المواجهة والتصدي لهذا المشروع الظلامي البغيض .. والذي وبكل أسف يجد تربةً خصبة في مجتماعتنا في ظل تراثٍ وتركةٍ فقهية تقاصرت عنها أي مشاريع تجديدية تربطها بواقعنا وزماننا .. وتبقى مرتبطةً بواقعٍ مأزوم وظروفٍ قاهرة تجعل الغلبة الغالبة تبحث عن الخلاص في الهروب منه حيث قد تكون المخدرات ملاذأ وقد يكون الانتحار حلاً وقد يكون الرحول التاريخي المسستنخ بشكل موغلٍ في الخطأ كما في المشروع الداعشي واحداً من الخيارات المطروحة .

في النهاية أجد أنه من المؤسف وربما من المخزي أني لا أملك ما أفعله لأجل جاريّ اللذين ارتحلا نحو داعش أو حتى ما أقدمهم لأهليهم غير المواساة والأماني والدعوات .. وأتمنى أن لا أكون مزايداً في قولي ان خوفي وقلقي عليهما وحزني لأجلهما قد يعادل ذات مشاعر ذويهم .. فأننا احبهما وأتمنى لهم الخير … وكلي أمل ورغبة ولهفة في أن تحفظهما رعاية الله وأن يوقفهما شيء ما قبل أن يصلا إلى الأماكن التي تقع تحت سيطرة التنظيم الداعشي وأن يجدا شيئاً من رشدٍ أو وعي ولو في الوقت بدل الضائع يعيدهم هنا إلى حيث أسرهم وأصدقائهم ليعيشا حياةً كريمة سعيدةً سوية.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الجماعة شغالين غسيل ساااكت غسيل مخ وغسيل أموال وغسيل انتخابات وغسيل شنو ما عارفة والجايات أكتر من الرايحات …

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..