“شفيع”الإنقلاب و”شفيع”الديمقراطية..!

قبل 45 عاماً، تدحرجت الثورة الى الوراء.

الرجال الذين قالوا “لا ” قضوا نحبهم.

الشجاعة والشهامة، التي واجه بها ثوار 19 يوليو مصيرهم ، نقلت الحدث، من خانة إنتماءه إلى اليسار، ليكون حدثاً وطنياً بامتياز.

لم تزل دماءهم فائرة وطرية، كما لو أنها سالت بالأمس.

أربعةعقود نصف، لا تطفئ الحنين إلى معانقة رفاق الشهداء.

كان منفذي الحركة، فصيلاً متميّزاً داخل تنظيم الضباط الأحرار.

قالوا في بيانهم، أنّهم أرادوا تصحيح إنحراف النظام المايوي، عن برنامج الثورة الوطنية الديموقراطية.

تأسيساً علي هذا الفهم، تصبح محاولتهم جزء من نسيج الثورة السودانية الممتدة.

بعض الملابسات تجعلهم محسوبون علي اليسار، إذ كان بينهم في قيادة الإنقلاب، بعضاً من عضوية الحِزب الشيوعي، وبعض القوميين العرب.

الحكومة التي أزمع الانقلاب على إعلانها ، لم تتشكل من الشيوعيين وحدهم.

كان للحزب الشيوعي رأيه في تلك الحركة، لكنّها حين أصبحت واقِعاً، تصدى لها.

المواقف البطولية والعنفوان التي أظهره أبطال يوليو في المحاكمات، وعند تنفيذ الأحكام، يجعل منهم كوكبة شهداء يصعب نسيانها.

بحسابات غير عاطفية، كانت حركة يوليو إنقلاباً ضد انقلاب قائِم.

يمكن وصف الحدث بأنه حركة تصحيحية.

يمكن إعتبار انقلاب الشيوعيين قيدومة لإنقلاب الأُخوان، لولا أن مرارة الفقد كانت محسوسة لدى طرفي النّقيض.. لدى من كانوا داخل معسكر التصحيح، ومن كانوا خارجه.

ما حدث في تلك الأيام، لا يمكن تقييده بإثباتٍ أو نفي عجول.

عدم نضج الظروف الموضوعية للتغيير، أدى إلى إنهيار كافة التدابير الدقيقة التي اُعتُمدت.

تدحرجت عجلات الثورة، ودهست رجالاً من العُظماء.. كان الثّبات سيماهم، وفي وجوهِهم.

الثّبات الذي فعله من قبلهم رِجال، وفعله من بعدهم رِجال.

كان يوليو جرحاً عميقاً ، عبِّر بصورة واضحة، عن أزمة مثقف وعسكرتاريا العالم الثالث.

كان إنقلاباً، والإنقلاب العسكري، من أي جهة كان، هو محض مغامرة ، و “لائحة تفسيرية”، تسعى إلى تبرير الفشل السياسي، في الوصول إلى الحكم بطريقة شرعية.

تمر ذكري 19 يوليو، واللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، التي فقدت الشفيع بالإنقلاب، تفقد شفيعاً آخر عن طريق الديمقراطية المركزية..!

وما ندري، لو تخطى انقلاب هاشم العطا عتبة أيّامه الثلاث ، هل كنا سنعيش عهداً”تمكينياً”،مثل هذا العهد..؟

إن كان الحِزب كياناً لممارسة السياسة، لم يحتاج وسيلة الإنقلاب..؟

لقد سقط الإسلاميون بعد أن تمكنوا، فجاء سقوطهم مدوياً، بأكثر مما حاق الفشل بالشيوعيين، الذين دفعوا ثمن قفزتهم فوق الواقع.

الجماهير الشعبية كانت في قمه نشوتها وتفاؤلها بالنظام المايوي،الذي كان قد تبنى شعارات ثورة اكتوبر.

كانت مايو في بداياتها، وبسبب ما طرحته من شعارات تحررية، وجدت تاييداً ودعماً واسعاً من القوي الحديثة، وكذلك، كانت عمليات الالتفاف علي التغيير والإنحراف به واضحة، من خلال إبعاد القادة المحسوبون لصالح اليسار، داخل مجلس قيادة الثورة، كما أن إنقسام الحزب الشيوعي حول التغيير، وحول الموقف من السياسة الاقليمية، ومن دعم الاتحاد السوفيتي للجناح المؤيد للانقلاب،أربك الجماهير.

جاء إنقلاب هاشم العطا في ظرف مرتبك، وفرض علي المرحوم عبد الخالق واقعاً لم يتمكن من رفضه، فتحمل مسوليته بشرف، تماهياً مع القيم السودانية، في المرجلة ، والصمود، وعدم خزلان الرفاق..!

عدم نضج الظروف الموضوعية للتغيير، أدى إلى إنهيار كافة التدابير الدقيقة التي اُعتُمدت.

الدروس المستفادة من حركة 19 يوليو، نبه لها لينين مبكراً، عندما قال، بأن القفز فوق الواقع الموضوعي ، يُعد لعبة خطرة، يجب أن يحذرها الثوريون.

الواقِع الموضوعي ، كان قدراً مقدورا..قدرنا أن نعيش الانقلابات ونتائجها الكارثية، مالم تكن لنا القدرة والأهلية ، للإعتبار من أخطاءنا التاريخية.

و يا سبحان الله..!

من وُصفُو باليساريين المُلحِدين، كانوا أشد حِرصاً على تلقين الأجيال، قولاً ثابتاً، في الحياة الدنيا وفي الآخِرة.. ومن وَصَفو أنفسهم بالتُّقاة المؤمنين، كانت بِضاعتهم، “أغاني وأغاني”..!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..