الامتداد المعرفي

إن حالة امتداد المعرفة تاريخيا عارضها فوكو واعتبر أن هناك طفرات غير مبررة ، تجاهل فوكو التلامس المعرفي ولم يأتنا بمثال واضح يعتبر قفزة ، فإذا كانت نظريات كالنسبية والتطور والليبيدو وغيرها ليست نابتة من العدم فإن خطاب فوكو يحتاج لدليل منهجي ، بالنظر الى أن المفاهيم والأفكار تتضخم فجأة فذلك لا يفصلها عن جذرها الأركيولوجي . قد تكون أقرب الى الديالكتيك الهيجيلي ولكن هي أيضا عبارة عن مقدمة خيط يتم ادخالها في ثقب الأبرة لتحصل على ماهيتها . ففي القانون لا توجد طفرات بل سياقات وحراك ، منذ نشأته طبيعيا وحتى تقعيده وانفصال القانون الوضعي عن الطبيعي واتصالهما سويا ، فالقواعد التوراتية نتاج تلاقح ثقافي عبري مصري منذ المراسيم الفرعونية كمراسيم حورمحب والمدونة الرومانية أثرت على فقه المعاملات الإسلامي مع أخذنا في الاعتبار للمبادلات الاقتصادية الرومانية العربية والفارسية التي كانت ابستيم للفقه الاسلامي في مرحلة الخروج من الأصول للفروع أي الاستنباط . فالحضارات تسلم بعض منتجاتها لبعضها في تسلسل مستمر ، القضية إذا قضية تركيز وتكثيف للحظة المعرفية لتبدو النظرية وكأنها من رحم نفسها أو لم تولد من أي رحم كان.
وبما أن المعرفة قد تكون ديالكتيك فهي إذن صيرورة سواء في شكل شبكي كما ذهب دولوز أو خطي ، فنحن لم نصل في ثقتنا بعد إلى الدرجة التي نفصل فيها في هذه المسألة بشكل قطعي. إن المعرفة كالدورة الزراعية خليط من البواعث المناخية والجيولوجية كعوامل ثابتة والإمكانيات والقدرات والسايكولوجية كمتغيرات تدور في حلقة سنوية أو شهرية بنمط ثابت للعوامل الأولى وتأتي العوامل المتغيرة لتكثف اللحظة المعرفية. وهذا ما يمنح البحث العلمي قوته ودرجته من الموثوقية في مقابل الرغبات الليبرالية في التحرر من المنهج . لأن البحث العلمي يعتمد على فكرة التلامس المعرفي وتكثيف اللحظة المعرفية . ولا يمنع ذلك من أن يبدو أن هنالك شذوذ في هذه القاعدة ولكنه -لو صدق- لما كان شذوذا في الواقع بل أيضا امتدادا معرفيا فقط بطريق أطول قليلا ، وهذا الشذوذ بما أنه ليس شذوذا في الواقع فإنه لا يعول عليه في صيرورته بل في مصبه المعرفي الأخير. فأين هي الفكرة التي يمكن أن نعتبرها شذوذا معرفيا؟ في الواقع لا يوجد . فمن أين أتى فوكو بنظريته ؟ جاء بها من نظرته المناهضة دائما الى السلطة باعتبار أن الامتداد المعرفي هو في حقيقته -أو كما يعتقد- شكل من أشكال السلطة. وقد يكون هذا الزعم حقيقيا نسبيا ولا اؤكده ولكن هذه السلطة لا يمكن لها -منطقيا- أن تنحسر وتنعدم تماما لينهض نبت معرفي من العدم ، فهذا ما ينفيه الواقع المعرفي ، حتى بالنسبة لأكثر النظريات جنونا ، إن المفكر نفسه ليس مكونا منفصلا عن الامتداد المعرفي ؛ فابستمولوجيا هو مجموع تشكيل لعدة معارف كمدخلات وانتاجه هو مخرجات وان كان بصورة تبدو ذاتية. يغفل فوكو هذه النقطة الجوهرية ويتعامل مع المعرفة كموجود مستقل عن العقل البشري أو أن العقل البشري -في حالات الشذوذ المزعومة- خال تماما من أي مدخلات . وهذا تجاهل أعتقد أنه مقصود لتستقيم نظريته.

د.آمل الكردفاني

24سبتمبر2015

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..