مقالات وآراء سياسية

من بيده المفتاح.. 30 يونيو نقطة البداية لتفكيك السودان

د. مهدي تاج الدين عبد النور

أحداث دراماتيكية صاحبت الثورة منذ مطلعها شعارات رنانة قفزت فوق الواقع المعاش لتدغدغ المشاعر وتخاطب الوجدان، تم تهيئة الشعب نفسيا وعملياً لحياة ما بعد الإنقاذ، تم تصوير مرحلة مابعد الإنقاذ بالفردوس الموعود لشعب السودان ، تم ذلك بتدبير مسبق مُحكم للغاية وتبع ذلك رفع توقعات الشعب من خلال الدعاية التي لاحقت الناس باستمرار حتى أصبح كل ما يقال يتم تصديقه دون تردد، كان الحديث مركزا حول الفساد الكبير من قبل قادة الإنقاذ وأن هنالك أموال طائلة ستعود لخزينة الدولة، وغاب عن المشهد أي حديث لمخاطبة جذور المشكل السوداني ، تلك المشكلات الحقيقية التي تقود إلى الإنقلابات والصراعات والتمرد ( مشكلات بناء الدولة السودانية) وكانت تلك الأخبار  المحبوكة بعناية تتدفق باستمرار ويتم تصديقها من قبل عامة الناس على مضض.

كانت الآمال منصبةً تجاه حكومة وطنية تعبر عن تلك التطلعات البريئة وتلبي الأشواق المشروعة، ولكن سرعان ما انحرف المسار عن أهداف الثورة وتطلعات الجماهير ودخلت الأجندة الخزبية وانتهت حكومة الثورة إلى محاصصة أنهكتها وقضت على آمال الشعب، حادت الحومة وغضت الطرف عن معاش المواطنين وكرامتهم وبدأت بأولوياتها الحزبية ضاربة بأولويات الثورة الشعبية أرض الحائط، أرادت أحزاب اليسار أن تصفي حساباتها مع الإسلاميين وحلفائهم؛ فأدخلت نفسها في معارك بلا نهاية ، كان ينبغي أن يكون التركيز تجاه بناء وطن يسع الجميع من خلال معالجة الشروخ والاختلالات التي حدثت خلال عقود مضت، من خلال سياسة تصالحية شاملة دون أن تسمح لأي مجرم  بما فيهم من تثبت ضده التهم من قيادات الإنقاذ أن يفلتوا من العقاب، لكن للأسف، الأجندة الحزبية انتهت إلى تشرزم المدنيين وصراعهم مع بعضهم البعض ومع العسكر ، وما كان لهذا الصراع أن يظهر لو خلصت النوايا تجاه بناء وطن يتكامل فيه كل الأدوار ( المدني والعسكري).

إن المشهد الحالي معقد للغاية بكل مكوناتها المدنية والعسكرية وبات واضحا أن كل طرف يحاول الاستقواء لتعزيز مواقفه، وفي ظل هذا التردي المعلن من قبل رئيس وزراء الحكومة؛ تململ الشعب نتيجة للمعاناة الناتجة من غلاء طاحن في الأسعار وانعدام أي دور رقابي للدولة لضبط الأسواق ، فأصبح المواطن بين سندان الآمال ومطرقة الأسعار.
إن حراك ٣٠ يونيو في ظل انقسام القوى المدنية والتجييش الحادث ( الجيش ، الدعم السريع، قوات الحركات المسلحة) سيجعل من السيناريو القادم أكثر قتامة، وأن أشد ما يُخشى هو انهيار السلطة ودخول البلد في حالة من الفوضى لا يحمد عقباه.
إن كراهية اليساريين للإسلاميين أعمتهم عن رؤية الحقائق الموضوعية عن الدولة، فلم يحالفهم التوفيق لإنجاز أي تقدم يجعل المواطن مطمئناً في لقمة عيشه أو شربة مائه أو غفوة نومه، ثم إن كراهية الإسلاميين لليساريين وفي ظل استغلال الفشل والتردي القائم ستقود حتما لإنتاج الأزمة من جديد وهكذا تدور الرحى وتصنع ضجيجا بلا طحين.
يجب أن تكون حكومة الفترة الانتقالية بكل مكوناتها على قدر من الحكمة والمسؤولية لتجنيب البلاد أي صدام محتمل، وذلك لا يتأتى إلا بتكوين حكومة كفاءات لا حزبية لأجل محدد ومهام محددة (إصلاح الاقتصاد،  إنجاز مهمة السلام وتصفية المظالم لضحايا الحرب وغيرهم ، العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، تبني سياسة خارجية تقوم على مصالح السودان الحقيقية، الاعداد للانتخابات).
إن لم يحدث هذا ؛ فإن حراك ٣٠ يونيو تُعد البداية لرحلة نحو المجهول ، إن التصعيد الثوري التالي إذا لم يقابله استجابة عاجلة من الحكومة وانتظرت لحظة سقوطها ،ستختفي من الجغرافيا تلك الرقعة العزيزة التي تسمى بالسودان.

‫7 تعليقات

  1. (إن التصعيد الثوري التالي إذا لم يقابله استجابة عاجلة من الحكومة وانتظرت لحظة سقوطها ،ستختفي من الجغرافيا تلك الرقعة العزيزة التي تسمى بالسودان.)..اولا لن تختفي البلاد من الجغرافيا.. وسيظل الشعب عصيا ضد اي انقلاب عسكري..ثانيا..مسيرة 30يونيو تأتي ضمن مسيرة ثورة ديسمبر الظافرة المنتصرة..للضغط لتغيير الوجوه والسياسات سلميا…بعدين ماف حاجة اسمها اسلاميين ..الشعب يعرف الكيزان…والشعار معروف ..اي كوز ندوسو دوس….وفي العالم كلو ..كان زمان ..مايسمى باليمين واليسار واليمين المتطرف..ودا عصر انتهى..العالم يتغير والسياسة تحالفات داخلية وخارجية لتحقيق مصالح مشتركة..

  2. دا شنو الكلام القديم دا(يجب أن تكون حكومة الفترة الانتقالية بكل مكوناتها على قدر من الحكمة والمسؤولية لتجنيب البلاد أي صدام محتمل، وذلك لا يتأتى إلا بتكوين حكومة كفاءات لا حزبية لأجل محدد ومهام محددة)….الكلام دا اتقال قبل سنتين….حاليا في حاجة اسمها اتفاقية جوبا..جابت ناس جدد يادوب..والي شمال دارفور الجديد استلم مهامو امبارح…ودا ماعنو شغلة بالفات ولا بمسيرة الخرطوم….مسيرة الخرطوم لتغيير وجوه..وإبعاد العسكر من السيادي نهائيا..حسب الوثيقة الدستورية برهان يجب أن يتخارج.

  3. من بيده مفتاح البلد…الشعب طبعا..والشعب قال يسقط حكم العسكر…بلا شراكة بلا بطيخ ..الناس تنفذ اتفاقية السلام والبرهان يتخارج يركز مع الترتيبات الأمنية.. بدل قاعدين هو وجماعات في السيادي بلا عمل ويصرف مرتبات..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..