وماذا عن المستقبل ؟… ومن الذي يصنع المستقبل ؟

وماذا عن المستقبل ؟… ومن الذي يصنع المستقبل ؟
أشياء غريبة تحدث في السودان الآن وموضوعات وقضايا تطرح على الساحة للجدل والنقاش … وقرارات مصيرية يتم إتخاذها على عجل وهي أبعد ما تكون عن الحسابات الصحيحة والأفكار السليمة وهذا يرجع لعدم وجود مراكز متخصصة للدراسات تعطي النتيجة الصحيحة لأصحاب القرار وهذا أدى إلى التخبط في إتخاذ القرارات العشوائية والتصريحات الهوجاء … والتداخل في المهام حتى في الوزارات السيادية .
في الدُول المحترمة أو حتى الأقل نمواً كأثيوبيا وكينيا ورواندا …. أصبحت مراكز الأبحاث والدراسات جزءا لا يتجزّأ من المشهد السياسي والتنموي في العديد من هذه البلدان وأصبحت هذه المراكز تؤثر تأثيرا مباشرا على صُنّاع القرار فيها بالإضافة إلى دورها الفكري في إتخاذ القرارات وقد لا أبالغ إذا قلت إن لها دورا أساسيا في نهوض الأمم وتقدُّم الشعوب نحو تحقيق أهدافها وأصبحت من أهم مصادر الكوادر التي تعمل في الحكومة خصوصا ذوي الرتب المتوسطة والمتقدمة .. لأن العمل البحثي يمنح الباحث خبرة ومهارات مميزة ومفيدة جدا لاتخاذ القرارات التي تخدم مصلحة الوطن مستقبلاً .. وتقوم هذه المراكز بتأهيل الكوادر التي ستتولى مناصب مستقبلا حتى تغلق الطريق أمام أنصاف المتعلمين والجهلاء الذين إعتلوا مناصب حساسة وباعوا الوطن في مزادات عالمية وهذا الواقع المرير الذي نعيشه اليوم هو نتيجة هذه الفوضى
إنشاء مراكز متخصصة ومستقلة لدراسة أوضاعنا المستقبلية في جميع المجالات أصبح ضرورة اليوم أكثر من أي وقت مضى وهذه المراكز تعطي نتائج أفضل من المؤتمرات الخاوية ولقد شهدت البلاد مئات المؤتمرات وصرفت عليها مليارات الجنيهات فماذا كانت النتيجة ؟ النتيجة تكوين لجان !! ثم ماذا ؟ ثم لا شيء … والغريب الإستمرار والإصرار على الخطأ … تشهد منطقتنا اليوم أحداثاً وتحولات تاريخية كبيرة تقرر مستقبلنا السياسي والإقتصادي بل والوجودي … دولا أخرى تقوم بدراسة أوضاعنا التي لا نعرف نحن أنفسنا عنها شئ .
ما يجب أن تطرحه القوى السياسية والإقتصادية في البلاد على نفسها هو ما قيمة السلطة السياسية أو السيطرة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد إذا لم تحقق تلك القيادات أي تقدم علمي أو إستقرار سياسي أو رفاه إقتصادي أو وئام إجتماعي ؟ وجميعها لن تأتي بإتخاذ القرارات الفردية العشوائية الإرتجالية ..!!.
إسرائيل عن طريق مراكز الأباحاث لقد حصلت على كل شئ وبأقل الموارد وفي فترة زمنية قصيرة للغاية في أقل من سبعين عاماً هو عمر دولة إسرائيل… تقوم إسرائيل بدراسة أوضاع دول المنطقة وخاصة الدول العربية وتتخذ قراراتها عن طريق هذه المراكز وهي الآن لديها كل المعلومات عن كل دولة وحتى عن الشخصيات المؤثرة فيها … لذلك لا أحد يسأل كيف وضعت إسرائيل أنفها في كل شئ إبتداء بتخطيط مستقبل العالم العربي وإنتهاء بتوزيع حصص المياه من النيل إلى الفرات والأسواق ومناطق النفوذ الإقتصادي الجغرافي ..ولها اليد الطولي في الصراع الدائر الآن في الشرق الأوسط وتستطيع تحريك الرؤساء كالدُمي واللُعب … نعم إنها هذه الدولة الصغيرة التي لم يتجاوز عمرها السبعون عاماً ..
ما يجب أن تفكر فيه الصفوة السياسية والإقتصادية والإجتماعية في البلاد … وهي أن تعيش حالة الأزمة ومستقبل هذه الأرض والمنطقة … العالم يعطي أهمية كبيرة للدراسات والبرامج المستقبلية لعشرات بل مئات السنين المقبلة .. لذلك يصبح من الضروري وضع نهاية لحالة الخلافات والخصومات والحروب السائدة في البلاد ويصبح ترشيد العقول وتهذيب النفوس وسيادة القانون مقومات رئيسية في أي مشروع حضاري وإلا ستتساقط الدولة وتنهار فنحن الآن نواجه خطر التلاشي …
إن غياب المؤسسات ومراكز البحوث المتخصصة المستقلة في البلاد سمحت للكثير من الجمعيات والجماعات السياسية وحتى الدينية الفاشلة أن تطرح أفكارها ومشاريعها الخاصة وتدير بها البلاد وهي في النهاية إجتهادات فردية وتعتمد على الصدفة ووضع حلول تتغلب بها على المشاكل والأزمات الإقتصادية والإجتماعية المزمنة في البلاد ( يعني رزق اليوم باليوم ).. لأن معظم هذه الدراسات تنقصها الشمولية واللجوء إلى الاسلوب العلمي في حل المشاكل لذلك كان الفشل ملازم لها طيلة هذه العقود … والسودان زاخر بأبنائه الوطنيين الشرفاء من العلماء والأكاديميين في كل المجالات فلا ينقصنا إلا الإرادة والعزيمة وصفاء النفوس ..
فهنالك الكثير من الأمثلة لقضايا مصيرية أُتخذت فيها قرارات عشوائية بدون الخضوع لدراسة فكانت قاتلة مثال لذلك : إنفصال الجنوب .. تدمير التعليم … الدخول في حرب اليمن .. تدمير مشروع الجزيرة .. قطع العلاقات مع إيران !!! …. نوعية العلاقة مع مصر وكيفية التعامل معها …والكثير والكثير …. فكلها قضايا تمس مستقبل الوطن والمواطن … !!!
السؤال : هل هناك أي مراكز أبحاث قامت بدراسة الواقع لهذه القضايا ثم أعطت تقريرها النهائي لأصحاب القرار لإتخاذ القرار المناسب ؟ طبعا لا .. وكل القرارات الخطيرة والتي تحدد مصير الدولة والأمة إتخذت في لحظات مزاجية لشخص أو شخصين لذلك المواطن والوطن يدفع الثمن وسيظل يدفعه إلى مئات السنين نتيجة هذه الأخطاء الفردية … وإن كانت هناك دراسات يقوم بها أفراد عادة أو لجان وزارة وتصور الأمور دائماً بأنها جميلة ووردية … إن عشوائية إتخاذ القرارات المصيرية أصبحت تهدد وجودنا كدولة مستقبلاً ويجب أن يقتنع من هم في السلطة الآن بأن زمن إدارة الدولة بالموبايل والتلفونات ورفع الصوت العالي والتهديد والوعيد وكتم الأنفاس قد ولّى .. ولم يعد للدولة التي تعيش رزق اليوم باليوم أي مكان في هذا العالم المتسارع
لكن الذي يطمئن النفس أن هناك يقظة وإدراك ولو لبعض أبعاد المشاكل أو الأزمات وسنحتاج لبعض الوقت لكي تتضح الرؤية المستقبلية … ومن المؤكد هذا الواقع سيتغير مهما طال الزمن وإن تعديلات وتطورات كبيرة ستحدث على خارطة المنطقة وإذا لم تحدث بإرادة الدولة فستحدث بحكم وسنن المتغيرات الكونية فلا محال.
ياسر عبد الكريم
[email][email protected][/email]
قبل مراكز الأبحاث نحن نحتاج للديمقراطية، لأن رأي الجماعة أصوب وأرجح من رأي الفرد أو القلة. إن كثير من القرارات المصيرية تم اتخاذها والمسؤول في حالة “نشوة” أو تجلي أو “هوشة”، فكانت النتائج كارثية ووبال على الوطن والمواطن. وفي النظم الديمقراطية هناك حساب للسلطة التنفيذية من قبل السلطة التشريعة وهناك استقلال للقضاء الذي يحكم بالقسطاس المستقيم.