في رثاء الموسيقار بشير عباس

د. عمر بادي
بالأمس مساءً تم رفع عزاء ( فراش) الراحل المقيم الأستاذ الموسيقار بشير عباس ولمدة أربعة أيام ومنذ إعلان وفاته في دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة في يوم 27 يناير 2022 توافدت جموع المعزين إلى سرادق عزائه في منزلهم الكائن في حلفاية الملوك إلى أن تم وصول جثمانه مسجىً بعلم السودان , وكان في إستقباله جموع أصدقائه الفنانين من إتحاد المهن الموسيقية وأصدقائه وأهله وعشيرته , ورافق جميع المشيعين الجثمان إلى مثواه الأخير بقرب عشيرته في مقابر الصوارد في حلفاية الملوك . يرحمه الله رحمة واسعة ويدخله فسيح جناته ويلهم آله الصبر والسلوان .
الأستاذ بشير عباس بشير ينتمي إلى شايقية حلفاية الملوك العادلاناب أبناء الملك شاويش الذين يعود نسبهم إلى أبناء الملك شاويش الستة وبناته الأربع وبعض من ذرية الملك صبير الذين إستقر معظمهم في العيلفون , فبعد موقعة كورتي في عام 1820 بين الشايقية والأتراك الغزاة إنسحب الملك شاويش والملك صبير بجيشهم جنوبا لمقاومة الأتراك وإستمروا في حروب كر وفر معهم لمدة عامين إلى أن إستقروا في الحلفاية والعيلفون وتحالفوا مع الأتراك من أجل تكوين دولة السودان الموحّدة . الأستاذ بشير عباس جده هو العمدة بشير نصر الذي كان مستشاراً للسلطان علي دينار وممثلا للحكومة السودانية في دارفور وهو والد اللواء حسن بشير نصر وزير شؤون الرئاسة ونائب القائد العام في حكومة الرئيس إبراهيم عبود .
كان مولد الأستاذ بشير عباس في يوم 5/8/1935 وبذلك يكون قد بلغ ال87 عاما عند وفاته . منذ صغره كان بشير عباس مولعا بالفن والموسيقى ووجد أمامه الكثيرين من أعمامه كانوا يعزفون على الآلات الموسيقية كالعود والكمنجة وصفارة القربة وكان يأتيهم المطربون أصدقاؤهم مثل عبد العزيز محمد داؤود وعبد الكريم الكابلي وصلاح بن البادية. لذلك أهدى العم عباس بشير إبنه صفارة أبنوس عند نجاحه في دراسته بعد أن أحس بميوله الفنية فصار يعزف عليها وبعد ذلك علمته إبنة عمه أسماء حمزة بشير العزف على العود وقد تقدمت بعد ذلك في مجال العزف والتلحين فصارت أول إمرأة ملحنة في السودان ومن الأوائل في الوطن العربي .
بحكم عمل والد بشير عباس صرافا في وزارة المالية فقد تنقل في مدن عدة في السودان كالروصيرص وسنار ومدني ولذلك درس بشير مراحله الدراسية ما بين تلك المدن وعمل لفترات قليلة في الري السوداني ومشروع الجزيرة , وكانت الفرصة له ليعزف مع فرقة الفنان عبد العزيز محمد داؤود عندما تغيب عازف العود الأستاذ برعي محمد دفع الله و بعد ذلك إنتقل بشير لفرقة الإذاعة السودانية في عام 1959 وايضا فرقة التليفزيون وعمل في الطيران المدني منذ عام 1972 بجانب عمله في الإذاعة والتليفزيون , ومنذ عام 1989 إغترب الأستاذ بشير في دولة الإمارات العربية المتحدة وكان معارضا للأوضاع السيئة التي أحاقت بالفنانين وتوجه الدولة ضدهم وفي عام 1996 كانت هجرته إلى كندا .
لم ينقطع الأستاذ بشير عباس عن السودان وصار يأتي من كندا إلى السودان كل عام ويمكث لعدة أشهر وكان أن تم تكريمه عدة مرات من أهله في حلفاية الملوك ومن وزارة الثقافة والإعلام وإتحاد المهن الموسيقية ومن جمعية خريجي الجامعات الرومانية , وكان ينوي في نهاية العام الماضي في نوفمبر أن يحضر إلي الخرطوم ليبدأ الإعداد لمهرجان الموسيقى الذي كان ينوي إقامته في ديسمبر الماضي ولكن ظروف البلاد الطارئة أحالت دون ذلك فمكث في دبي ينتظر أن تتغير الأحوال إلى أن وافته المنية .
الراحل المقيم الأستاذ بشير عباس ترك إرثا موسيقيا سيظل خالدا على مر السنين , فقد ألف ألحانا لأغنيات خالدات لفنانين كبار كان أولهم عبد العزيز محمد داؤود ثم حسن عطية ومحمد حسنين وعبد الكريم الكابلي وثنائي الجزيرة وثنائي النغم وزيدان إبراهيم وعبد العزيز المبارك وكوّن مع البلابل ثنائية إستمرت لسنوات عدة وأنتجت الكثير من الأغنيات التي إنتقلت بالأغنية السودانية إلى العالمية , وبجانب ذلك كان للأستاذ بشير عباس تجربة جديدة أدخلها في الموسيقى السودانية وهي تأليف المقطوعات الموسيقية التي تختلف عن المقطوعات الكلاسيكية بإدخاله الصفير بفمه فيها بدلا عن الغناء ثم أدخال التغني في المقطوعات الموسيقية بكلمات قلائل يظل يكررها كما في مقطوعات يا ترى والقمر في كنانة وكان ينوي أن يغني شطرات قلائل عن ثورة ديسمبر المجيدة في مقطوعات جديدة .
لقد تقاطرت قبيلة الفن لوداع الأستاذ بشير عباس لمثواه الأخير وتبادل المشيعون والمتحدثون الدعاء وإبداء مشاعرهم الحزينة للفقد الجلل وكان الحضور اللافت للإذاعات المختلفة وللقنوات الفضائية منذ وصول الجثمان لمطار الخرطوم وإلى المقابر ثم متابعة فراش المأتم فلهم جميعا الشكر لعملهم بالوفاء لأهل العطاء , إنا لله و إنا إليه راجعون .