ثقافة وفنون

أبو القدح يتخطى هاء السّكت

اقبل منير على قريته المظلمة التي هي بلا كهرباء فلا مصابيح فيها إلا (حبوبة ونّسيني) ولا تلفزيونات إلا حبوبة حجيني ؛ أقبل عليهم في الخريف بسلحفاة.
.الدهشة ملأت حناجر الأطفال فاقبلوا على الكائن العجيب الذي ظنوه للوهلة الأولى مع الخلعة ضفدعاً كبيراً .الصغار لم يشاهدوا سلحفاة من قبل وكبار القرية كلهم لم يشاهدوا سلحفاة في حياتهم ولا في السينما المتجولة على أيام الستينات، فهي لم تعرض قط سلحفاة.أما أطفال المدن والقرى الأخرى التي حظيت بالكهرباء فقد توغلوا عبر الشاشات الصغيرة بعيداً حتى وصلوا إلى سلاحف النينجا.
أطفال هذه القرية المنسية لو لا الطين وأعواد القصب فهم بلا ألعاب تقريباً. ما سمعوا بهذا الكائن لكن لم يعدموا حيلة .ولاندري من أطلق عليه اسم (أبو القدح) في تلك الظهيرة المطيرة إذ انطلقت به ألسنتهم المبتهجة وهم يتجولون ويتقاذفونه كأنه (مونة) طين نهارهم كله، من يدين لرجل، ومن رجل ليدين إلى أن حلّ الظلام ،حتى أنهم خرقوا ناموس القرية العام الذي من أول بنوده النوم المبكّر.
لم يخبرهم منير كيف يطعمونه ولذا في صباح اليوم التالي جاءوا للكائن الجديد ، و كانوا قد تركوه في بيت زعيمهم، بالعنكوليب والقنقر وأم فتفت والموليتة. والكائن ساكت لا يلوي على شيء.ولا يعرفون إن كان نباتياً أم آكل لحوم .قلبوه بقسوة كي يتعرفوا على نوعه، ولو في مقدورهم لأدخلوا عبر فمه أنبوباً مليئاً بالعصيدة بملاح الرّوب .
لكن السلحفاة لم تأبه لاستكشافاتهم الحائرة. وجلبوا لها الماء في علبة صلصة فارغة وهي تذهب برأسها الصغير إلى الأمام وإلى الوراء كأنها مجذوب في ليلة ذكر لكنها لا تشرب..
ثم ما لبث الأطفال أن تجولوا بها وسط الطين وهم يتصايحون
-أبو القدح.. أبو القدح ..الصوت با بّح
بهذا الاسم أصبح الكائن التعيس ذكراً. يقذفونه إلى أعلى وإلى أسفل. بعضهم تعلم فيه الدافوري والكثيرون منهم اعتلوا قدحه الصلب إلى أن مد عنقه الأنبوبي كأنه يطلب النجدة لكنه ظلّ مع ذلك صامتاً لا يتكلم.
عند العصر أصبح قدحاً فقط لا رأس له ولا ذنب.لم يصرح أحد بمن اجتث مظاهره الحيوانية وتركه جثة في أصلها الحجري. تفرق دمه بين الأيدي والأرجل المليئة رؤوس أصحابها بحب استطلاع بدائي.
هكذا دخل أبو القدح تاريخ القرية لكن انتهى به الحال خلال يومين إلى أن أصبح قدحاً في صمته الأبدي ؛ حتى هاء السكت لم تطف بخياله. ولم يعلم منير الذي سافر في رحلة استكشاف جديدة بالقصّة الفاجعة.

بشرى الفاضل

تعليق واحد

  1. دي ما وقع لي مغزاها غلبني تب دايرة شرح دي رغم تفهمنا لأحوال القرية والقرويين قبل الكهرباء وتوابعها لأن هذا واقع الريف فعلاً بل كل المدن في كل العالم بل الإنسانية جمعاء قبل اكتشاف الكهرباء….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..