المسلمون بين روحانيات الشهر الكريم وغفلة الإعلام

روحانيات شهر رمضان تستشعرها وأنت تزور بيت الله الحرام معتمرا , فتنال البركة والإحساس بالهدوء والسعادة الحقة .. ويثلج صدرك وأنت ترى تسابق الناس للخيرات , أهل مكة وغيرهم من الزوار وهم يتسابقون لنيل كرم إفطار الصائم . والواحد منهم ينسى نفسه لأن السعادة أن يرى البشر في وجه أخيه المسلم وقد تناول تمرا أو قارورة ماء . إنها البهجة الحقة في النفس . وترى هذا العمل في المدينة المنورة في مسجد رسول الله صل الله عليه وسلم والجميع يتسابق لنيل شرف إفطار صائم . فترى أسر لها مواقع في الحرم النبوي الشريف تجهزه بالماء والتمر والزبادي والخبز والقهوة العربية . مسلمون من كل الأجناس يسارعون في الخيرات ولهم مواقع اعتادوها يسعدون هم وأبنائهم بهذا العمل في رمضان ..
ما زالت الدنيا بخير .. ففي كل بلداننا الإسلامية ترى صور هذا الكرم الرمضاني الشفاف والمليء بخيرات النفوس وطبائعها الجميلة الحسنة ..
ترى في السودان هؤلاء الطيبين وهم يقفون على الطرقات ليوقفوا كل عابر وكل قائد مركبة يعبر عليهم في وقت الإفطار ويصرون عليه ليتوقف للإفطار لينالوا شرف أن يناولوه تمرة وماء ..
هذا العطاء الرباني الذي يمنع عنك توجسات وضجيج النفس مما تراه وتسمعه في الإعلام من صور القتل والدمار . والتسلط والنهب والسرقة ..والصخب والعنف ممن هم في السلطة تجاه الآخر ألا يكون .. وكأنك حين تشاهد التلفازات وتطلع على الصفحات الأولى من الجرائم اليومية تردد مع البحتري :
إنّ الزّمَانَ زَمَانُ سَوْ **وجميع هذا الخلق بو
وإذا سألتهم ندى**فجوابهم عن ذاك وو
لو يملكون الضوء بخ**لا لم يكن للخلق ضو
ذهب الكرام بأسرهم،**وبقي لنا ليت ولو
إن الإعلام غابة أو غابات من الكلام .. أو هو مستنقعات متصلة مليئة بالأوحال , لا يتولد عنها سوى البعوض والذباب والروائح الكريهة . ماذا ينتج معظم هذا الإعلام سوى تكريس التفاهة والاضمحلال .. أجلس إليه في رمضان فلن تجد سوى الظلمة وانتزاعك من روحانيات أيامك وأنت تسعى أن تجعلها النور وأن تبيض وجهك الذي يسوده الإعلام ليل نهار .. فلا برامج تسر الخاطر .. فهي إما سعي لأكل أموال الناس بالباطل , بتخدير أن تفوز بجائزة , فلا حصاد غير السراب . لتسمع عن أناس فقدوا الكثير من الأموال أو صدمتهم فواتير اتصالاتهم بحلم الفوز بحلم أو غيرها .. حتى برامج الأطفال تجدها تمارس هذا الكذب وهذا الخداع .. وتتعجب أن يتصل طفل وتكلمه المذيعة ويجيب على ثلاثة أرباع الأسئلة وحين يخطأ في إجابة واحدة تغلق دونه الخط ولا ينال شيئا ..فلا تحفيز للأطفال حتى لو أجابوا إجابة واحدة .. ومن عجب أن البرامج تنتج في بلاد المليارات .. وهم إن أرادوا أن يسعدوا الأطفال في الوطن العربي كله لفعلوا , ولو شاءوا أن يزودوا كل طفل بمستلزمات المدارس والتكنولوجيا لَفعلوا ..ولكن القلة القليلة ممن تمكنوا من الإعلام تفعل بالمشاهد الاستخفاف والاستغفال وتأخذه إلى حيث الغباء في رمضان وغير رمضان . أما إذا دلفت إلى عالم المسلسلات وما يدفع فيه من أموال طائلة لإنتاج التفاهة والانحطاط والسعي للفراغ .. لتجد الجزء السادس من مسلسل وكذا الجزء الرابع من آخر .. ثم سيل الرومانسيات التركية الذي جرف كل شئ في طريقه . فتجد هذا التخدير لجيل بأكمله , لا يجد في حياته سوى الجفاف والكذب والخداع ليكون المسلسل التركي واحته بما يحويه من المناظر والرومانسيات .. وهو ببساطة طريقة جديدة للإعلان والتسويق للحياة التركية من مستشفيات ومصحات وفنادق وشواطئ ومعاهد وغيرها..
فعلينا أن ننأى بأنفسنا عن هذا الصندوق الأسود والذي يروج للغفلة والانجرار وراء الفراغ أكثر مما يروج للحق والفضيلة و اعمار الأوقات بما يعود علينا بالنفع الدنيوي والأخروي ..
ولترى النكبة والضياع جراء هذا المقتحم لبيوتنا : انظر كيف انحرف الربيع وعدنا مرة أخرى إلى العصر الحجري , بعد ما أملنا في غد بلا طغاة , ومستقبل دون لصوص .. وهاهم من أزحناهم يتفرجون ويضحكون ويسخرون : قال ربيع عربي قال !
وعودة أخرى إلى أجواء الشهر الكريم .. فإننا لا نريد أن تضيع أوقاته مع هؤلاء الذين تفننوا في استخلاص أنواع سموم جديدة تمل على القتل الفوري …
وبرغم ضخامة هذه الجبال ..فهناك أمل عظيم في أن ينسفها ربك نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا .. إن هذه الجبال ستزول بإذن الله وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ..
وكل عام وأنتم بخير .. وتهنئتي لكل مسلم ومسلمة ,أسأل الله أن تنالوا في هذا الشهر الكريم رحمة ومغفرة وعتقا من النار , ودمتم .

أسماء عبد اللطيف
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..