مبتلـعـاً 55 مليـاراً..قاش كسلا يفيض قبل موعده!!

صديق رمضان:

هذا عام الزراعة .. هكذا أعلنت الدولة ،وجاءت منطلقات هذا التأكيد مختلفة الدواعي منها إعادة الحياة لهذا القطاع الحيوي والمهم ليعود ويسهم في الناتج القومي مثلما كان فاعلا في الماضي ،والدولة تسعي من وراء ذلك لتغطية العجز المتوقع في الميزان التجاري بعد نقصان ايرادات البترول عقب التاسع من يوليو ،وعوضا عن إشتعال الحقول قمحا ووعدا وتمني مثلما أعلنت الدولة ،ضجت ردهات المحاكم وقاعات المجلس الوطني بقضايا تناولها الرأي العام والاعلام بشفافية وجراءة ،لتفتح ملفات كثيرة متعلقة بالزراعة كقضايا تقاوي زهرة الشمس و الصمغ العربي وإحتكار الاقطان والشراكة بين كنانة ومشروع الرهد ،وجدوي مشروع النهضة الزراعية ،حقوق ملاك مشروع الجزيرة ،ضعف دور المخزون الاستراتيجي ،وأخيرا اموال مشروع القاش .
وتباينت الآراء حول التناول الشفاف من جانب الدولة لهذه القضايا التي مضي علي بعضها وقت ليس بالقصير ،وهناك من اعتبر ان فتح هذه الملفات في هذا التوقيت الحرج من تاريخ البلاد أمر لابد منه وذلك لإصلاح أخطاء الماضي ،وأخرون نظروا للأمر من زاوية أن الدولة تبدو أكثر جدية في محاربة الفساد والمحسوبية ،معتبرين ان هذه هي السياسة المطلوبة في المرحلة المقبلة ،بينما يعتقد البعض أن هذه المراجعات الحاسمة التي تقوم بها الدولة فرضتها ضرورة المتغيرات الداخلية والاقليمية ،ويتخوف أصحاب الرأي الرابع من سياسة (خلوها مستورة ) ويشكك هؤلاء في ان يطال الاتهام والجزاء الكبار ..وبعيدا عن هذه الآراء المختلفة يؤكد الكثير من المراقبين أن فتح هكذا ملفات وتناولها بكل شفافية أمر يحسب للنظام وليس عليه حتي ولو أفضي الي إدانة بعض منسوبيه صغارا كانوا ام كبارا ،مشيرين الي أن مثل هذه الخطوات الشجاعة تعضض من ثقة المواطنين بالدولة وجدوي أطروحات الجمهورية الثانية ،محذرين في ذات الوقت من المجاملة والتراجع عن اخطوات الإصلاح.
وتعتبر قضية ازالة المسكيت بمشروع القاش بولاية كسلا من القضايا المتعلقة بالزراعة التي وجدت طريقها الي المحاكم أثر البلاغ الذي تقدم به المزارع بالمشروع ، طه محمد موسى الى نيابة المال العام، موجها الاتهام لإدارة المشروع والشركة التي قامت في 2006 بتنفيذ الإزالة بإهدار المال العام والوقوع في تجاوزات ،ويشير الي أنه قام بتناول أمر التجاوزات بأمر ازالة المسكيت عبر مقال نشر بصحيفة الوطن في عام 2007 ،قابله وزير الزراعة الاتحادي وقتها مهندس امين كباشي باهتمام بالغ، حيث اتصل برئيس الادراة القانونية بولاية كسلا وطالبه بتحقيق عاجل فيما ذكر بالصحيفة، واذا ثبت الامر يقدم المسؤولون للمحاكمة ويضيف: تم التحقيق معي من قبل النيابة العامه بكسلا التي قامت بتحويلي الي لجنة كونتها حكومة الولاية وقتها للنظر في القضية ،وطالبت وقتها النيابة بتحويل الملف الي نيابة المال العام بكسلا وليس لجنة الوالي التي رفضت مقابلتها ،ولما تم رفض طلبي تقدمت باستئناف لوزير العدل مولانا عبد الباسط سبدرات الذي طالب المستشار العام بكسلا بالتحقيق في الاتهامات التي قدمتها وافادته عاجلا بتفاصيل القضية ،وبالفعل قام المستشار بتوجيه نيابة المال العام بكسلا بفتح تحقيق ومن خلاله تم استجواب المتهمين والشهود والشاكي ،والبلاغ الذي تقدمت به كان متعلقا بتنفيذ العقد الثاني من ازالة المسكيت في 2006 ضد إدارة المشروع والشركة المنفذة وذلك لوجود تجاوزات واهدار للمال العام في التنفيذ الذي وحسب العقد الموقع كان من المفترض أن تتم الازالة بالآليات مثلما حدث بمشروع حلفا، بيد أن التنفيذ تم بطريقة يدوية ،وشكوتي تعود الي ان الشركة ومن خلال العقد تقاضت في الفدان 360 جنيها وقامت بإعطائه لمقاولين نظير 100 جنيه، وهذا يعني انها كسبت في الفدان 260 جنيها دون أن تنفذ امر الازالة بالآليات ،وماحدث أعتبرته إهدارا للمال العام وذلك لأن المسكيت لم تتم ازالته كما يجب، وتمت مخالفة بنود العقد بعلم حكومة الولاية وقتها وإدارة المشروع .
واخيرا وبعد مرور اسبوعين علي القضية التي استحوذت علي اهتمام الرأي العام بكسلا، اعلن مولانا الحسين يوسف علي وكيل نيابة المال العام بولاية كسلا في تصريحات صحفية الافراج عن 6 من المتهمين بالضمان العادي في بلاغ تبديد خمس وعشرين مليارا من اموال ازالة المسكيت بمشروع القاش الزراعي، وقال ان المتهمين المفرج عنهم وجه لهم الاتهام بموجب المواد 89 و97 من القانون الجنائي لسنة 1991 ،وكشف عن ان قانون الاجراءات الجنائية يسمح بذلك مع الإبقاء علي المتهمين الاولين بنص القانون الذي يمنع الإفراج عنهما بالضمان العادي، وحدد القانون طرق الافراج عنهم بعد ايداع مبلغ من المال لا يقل عن المبلغ موضوع الدعوى الجنائية او بتقديم سك مصرفي معتمد، او خطاب ضمان مصرفي. واضاف وكيل نيابة نيابة المال العام بأن هناك اثنين في ذات البلاغ وجه لهما اتهام من القانون الجنائي تحت المادة 181 لسنة 1991 استلام المال المسروق، والمادة 177 ق2 تبديد المال والتصرف فيه بإهمال فاحش، وقال مولانا الحسين تم توجيه التهم في البلاغ بواسطة وكيل نيابة المال العام في وجه المتهمين بموجب المادة 25 / 177 والمادة 89 و97 من القانون الجنائي لسنة 91 والمواد 29و29/ق د من قانون الاجراءات المالية المحاسبية ،وقال إن هناك استئنافا قدم من قبل الشاكي عن مسار الشكوي التي قدمت من قبل بعض المزارعين بتهمة تبديد المال العام في مايتعلق بالعقد الاول لازالة المسكيت في مساحة 120 الف فدان بمبلغ اكثر من 30مليارا، الذي نفذته احدي الشركات، وأكد مولانا الحسين عن تلقيهم شكوي في هذا الموضوع وانها حولت لرئيس نيابة الأموال العامة بالخرطوم وذلك لان تنمية المشاريع الرائدة إدارة تابعة لوزارة الزراعة الاتحادية؛ ولان كل الإجراءات المتعلقة بالعقد تمت بالخرطوم.
وكشف مولانا عن تقديم شكوى اخرى من قبل عدد من المزارعين حول سد ابوعلقة الذي انهار في وقت مبكر من تشييده، وقال وجهنا بالتحري الاولي تحت المادة 47.
اذن القضية قيد التحري من قبل نيابة المال العام بكسلا وهي وحسب القانون الجهة الوحيدة المخول لها كشف معالمها وتوضيح الخطأ من الصواب ،ولكن هناك اسئلة يتداولها الشارع بكسلا تحتاج لاجابات وابرزها ، لماذا خالفت الشركة المنفذة بنود العقد ،وماهو دور حكومة ولاية كسلا وقتها ؟،واين كان إتحاد مزارعي القاش، وماهو الدور الرقابي الذي قامت به إدارة مشروع القاش؟ قبل الإجابة عن الاسئلة السابقة لابد من الإشارة الي ان اراضي مشروع دلتا القاش تصنف علي انها الاخصب في العالم، وتأتي في المرتبة الثانية بعد دلتا المسسبي بالولايات المتحدة وذلك بحسب خبراء المان ،وأن هذا المشروع تم انشاؤه في عشرينيات القرن الماضي في العهد الإنجليزي المصري وكانت تمتلكه شركة الأقطان البريطانية والغرض الرئيس من تأسيسه كان توفير النوعيات الجيدة من القطن لمصانع لانكشير في بريطانيا ،وقد تم شق الترع ،كما تم البدء في ربط المشروع عبر السكك الحديدية ،وفي العهد الوطني وتحديداً ستينيات القرن الماضي أضيفت أهداف جديدة للمشروع منها توطين الرعاة من القبائل البجاوية، وتم إصدار قرار باستبدال زراعة القطن بالذرة وذلك لتأمين الغذاء للسكان وأنعامهم، وفي العام 1992 صدر قرار بأيلولة إدراة المشروع للحكومة الولائية، ولكن في العام 2002 تمت إعادته إلى وزارة الزراعة الاتحادية مجدداً كمشروع قومي وتبلغ المساحة الكلية للمشروع 750 ألف فدان وتبلغ المساحة القابلة للري 400 ألف كم والمساحة المستغلة منها 250 ألفاً فقط، زرع منها العام الماضي حوالى 80 ألفاً ويتكون المشروع من 253 حوضاً بكل حوض 25 مربعاً وبكل مربع 160 فداناً موزعة إلى عشرات،وتعود قصة المشروع مع المسكيت الي بداية عقد الثمانينيات حيث تمت زراعته في بعض المناطق مثل هداليا وذلك لمكافحة الزحف الصحراوي ،وبمرور السنوات ونسبه لخصوبة اراضي المشروع ولسرعة إنتقال المسكيت عن طريق الهواء والماء والحيوان ، احتل 60% من مساحة المشروع ليسهم في اخراج 30 الف مزارع من 45 الفا من الدورة الزراعية كليا ،ولمحاربة المسكيت خصصت الدولة في عامي 2006 و2007 قرابة الخمسة وخمسين مليارا ،ورغم ذلك لم يختف المسكيت وارجع البعض نجاح ازالته بمشروع حلفا الي استعمال الشركات لآليات من جهة،ووجود المتابعة من قبل المزارعين من جهه اخري ،بينما تم نزعه بطريقة يدوية بالقاش وغابت المتابعة من قبل إدارة المشروع لعمليات الازالة ،لان الحيازات بالقاش ليست ثابته وعلاقة المزارع مع الارض موسمية وبذلك يغيب الاهتمام والمتابعة .
عودا الي الاسئلة السابقة نفي ناظر الهدندوة ورئيس إتحاد مزارعي مشروع القاش محمد الامين ترك علاقة إتحادهم بما تم في المشروع والمتعلق بأمر الازالة ،وقال بأن النظار والعمد لم يمارسوا ضغوطا علي الشركة المنفذة للعقد الثاني من اجل ان يتحول عمل الازالة الي يدوي سعيا وراء الفائدة ،وأكد ان الذين نفذوا العمل مقاولون ليس من بينهم نظار وعمد ومشائخ قبائل ،وأضاف : استطيع التأكيد أن المشروع لم يستفد من اموال العطاء الثاني إلا بنسبه تقل عن الربع مليار وهي التي وجهت للإزالة ونالها المقاولون نظير المائة جنيه للفدان التي منحتها لهم الشركة بعد تعاقدها معهم ،ووهناك 21 مليارا لم يستفد منها المشروع ،وأعتقد أن دور حكومة الولاية الرقابي وقتها كان ضعيفا ،واذا كان بخلاف ذلك لقامت بإيقاف عمل الشركتين وذلك لأن حكومة الولاية هي الجهه التي وقعت العقد ،ولكنها لم تفعل وهذا الغموض كان يجب ان يكون مثار تساؤلات من قبل الحكومية الإتحادية والتي للأمانة والتاريخ لم تقصر واهتمت كثيرا بأمر مشروع القاش وخصصت له اموالا ضخمة ،ولكن يجب أن تسأل عن دور حكومة الولاية وقتها وعن غياب اشرافها ومحاسبتها للشركتين ،ولماذا لم تعترض علي استبدال العمل الي يدوي؟ ،والحكومة الاتحادية مطالبة بالبحث عن 21 مليارا لم تذهب الي الغرض الذي خصصت من اجله ،كما ان البحث والتقصي مطلوبان عن مصير اموال سبعة آلاف فدان وخمسمائة وتبلغ أكثر من أثنين مليار وهي مساحة تمت الاشارة الي نظافتها رسميا وبمستندات من المسكيت ولكن علي ارض الواقع لم يحدث هذا الامر وهو تزوير واضح ،ويقول ترك ردا علي سؤالي حول مصير القضية الحالية ونهايتها المتوقعة (اذا اثبتت النيابة الاتهامات اتوقع ان يطبق القانون علي الصغار واذا كان هناك كبار ونافذون ضالعون في الامر سيتبع فقه خلوها مستورة)،ويشير المزارع محمد دين الامين اولوس الي أنه توجه من قبل بسؤال لوالي الولاية الذي تمت في عهده الازالة عن الاسباب التي جعلتهم كحكومة ولاية يوافقون علي استبدال الشركة للعمل من الآلة الي اليدوي فأجابني قائلا: (تربة القاش لاتحتمل العمل بالألة ،وناسكم عاوزين كدا)،ويشير اولوس الي انه توجه بذات السؤال الي وزير الزراعة السابق ونائب الوالي الحالي واجابه بذات الاجابة ،وقال إن جزءا من اموال الازالة وجهت الي غير موضعها وضرب مثلا بسد ابوعلقه.
من جانبه، يري المراقب سيف الدين ادم هارون ان الخطأ الأول الذي وقعت فيه الحكومة الاتحادية هو السماح بفرز العطاءات للعقد الثاني بكسلا ،ويضيف:كان يجب أن تتولي إدارة المشاريع الرائدة بوزارة المالية الإتحادية الامر مثلما فعلت في العطاء الاول ،وحسب متابعتي اللصيقه لهذا الملف تقدمت للعطاء الثاني 11 شركة من ضمنها شركة اعلنت عن تنفيذ الازالة نظير عشرة مليارات، ولكن العطاء رسا علي الشركة صاحبت الخمس وعشرين مليارا ،وحسب العقد كان يجب ان يتم التنفيذ عبر الآليات ولكن تم بطريقة يدوية في مخالفة صريحة لبنود العقد وهذا الامر لم يحرك ساكن حكومة الولاية وقتها وإدارة مشروع القاش التي قامت بتحرير الشهادة الحمراء رغم أن العمل وحسب تأكيدات الكثير من المزارعين لم يتم بالصورة المطلوبة ،ومثل غيري تعجبت من عدم حماس الحكومة الحالية لهذه القضية الكبيرة حيث ظلت تمارس دور المتفرج ،وبصفة عامة تتحمل حكومة الولاية السابقة وإدارة مشروع القاش وقتها والشركتان مسؤولية ماحدث ،ولابد من وضع حد لمثل هذه القضايا وذلك لأن مزارعي القاش تضرروا كثيرا .
في الحلقة القادمة نواصل ألقاء الضوء علي هذا الملف وذلك عبر توضيح إفادات وزير الزراعة الحالي حول مشروع القاش ،وايضا معرفة رأي إدارة المشروع وإفادات الشركات المنفذة للإزالة.

الصحافة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..