أخبار السياسة الدولية

معادلات جديدة في الصراع الإثيوبي.. أسباب “تراجع” قوات تيغراي

بعد أن كانت “جبهة تحرير تيغراي” تزحف نحو العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وكانت على مقربة 250 كيلومترا تقريبا، استطاعت القوات الفيدرالية أن تبعد هذه القوات إلى أكثر من 650 كيلو مترا.

فما الذي حدث وقلب الطاولة؟

كانت إثيوبيا قد أكدت، السبت، أن القوات الحكومية استعادت عدة مدن من متمردي تيغراي في شمال البلاد الذي يشهد نزاعا مستمرا منذ أكثر من عام أودى بحياة آلاف الأشخاص.

يرجع المحلل الإثيوبي، عبد الشكور حسن، في حديثه مع موقع “الحرة”، نجاح القوات الفيدرالية في استعادة السيطرة على بعض المدن وتراجع قوات “جبهة تحرير تيغراي” إلى عدة أسباب.

ويشير المحلل إلى أن “رئيس الوزراء آبي أحمد، أخذ زمام المبادرة، وقام بتجميع الجيش الإثيوبي الذي كان ينسحب، وعزز من الروح المعنوية بنزوله إلى أرض الميدان، بعد التهديد الذي كانت تمثله قوات المتمردين”.

وتقود حكومة رئيس الوزراء “هجوما مضادا” منذ أسابيع لاستعادة أراض من مقاتلي الجبهة التي تقاتلها منذ نوفمبر 2020.

وارتدى آبي أحمد الزي العسكري أكثر من مرة وظهر في مقاطع فيديو متعددة نزوله على خط الجبهة الأمامي مع الجيش الذي يقاتل قوات تيغراي في منطقة عفر شمال شرق البلاد، لكن مقاتلي تيغراي يرون أن ذلك محض “دعاية” فقط.

والسبت، قالت إدارة خدمة الاتصالات الحكومية، إن القوات “نجحت في السيطرة بشكل كامل على سانكا وسيرينغا وبلدات ولديا وحارا والكوبيا وروبيت وكوبو”، وأضافت في بيان على فيسبوك أن “قواتنا المتحالفة… تلاحق قوات العدو التي أفلتت من التدمير وهربت”.

لكن الناشطة الإثيوبية سعاد عبده تقول لموقع “الحرة”: إن ما “يعلنه نظام آبي أحمد كذب وتضليل، هناك مناطق في عفر كان فيها حرب ونسمع عن انتصارات كبيرة أيضا من “جبهة تحرير تيغراي” التي لا تزال تسيطر على مناطق في إقليمي أمهرة وعفر”.

وتفرض الحكومة الفيدرالية في إثيوبيا قيودا صارمة على تداول المعلومات عن الحرب في شمال البلاد، تنص على أن تطورات الأحداث على الجبهات الأمامية للمعارك يجب أن تصدر فقط من الحكومة.

ومنذ نهاية أكتوبر، أكد كلا الجانبان تحقيق تقدم كبير على الأرض، وتغيرت المعلومات عن الجهة المسيطرة على المدن عدة مرات.

واستولى متمردو تيغراي، الأحد الماضي، مرة أخرى على مدينة لاليبيلا الرمزية التي تضم أحد مواقع التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) بعد 11 يوما من إعلان الحكومة أنها استعادت السيطرة عليها.

طائرات مسيرة

ويشير المحلل الإثيوبي، عبد الشكور حسن، إلى أن آبي أحمد “عمل في الفترة الماضية على تحديث الأسلحة والعتاد للجيش من الصين وروسيا، وأدخل طائرات بدون طيار في الحرب، سواء كانت صينية أو تركية، وهناك حديث إعلامي عن وجود طائرات مسيرة إيرانية، ما كان له دور فاعل وتأثير قوي جدا”، مشيرا إلى أنه لم يتم الإعلان من هذه الدول عن صفقات بهذا الشكل.

وتقر المحللة سعاد عبده بتأثير الطائرات بدون طيار، وتقول: “كل من مات من جانب الجبهة كان عن طريق الطائرات بدون طيار… لم يستطع رئيس الوزراء أن يسيطر على أي مدينة عن طريق الجيش نفسه. آبي أحمد يسيطر فقط من خلال الطائرات المسيرة وهي التي أعطته ميزة، فهل هذا يعتبر انتصارا في النهاية؟”.

ووقعّت تركيا عقد تعاون عسكري في أغسطس مع رئيس الوزراء الإثيوبي، ما أثار مخاوف بسبب وحشية الصراع في تيغراي الذي خلف آلاف القتلى من المدنيين ونزوح مئات الآلاف، وفقا للأمم المتحدة.

ولا تُفصِّل الإحصاءات الرسمية التركية مبيعات المعدات العسكرية، بل تُظهِر فقط كمياتها شهريا، وقد أظهرت ارتفاعا ملحوظا في المبيعات العام الماضي.

وبلغت قيمة صادرات وسائل الدفاع والطيران التركية إلى إثيوبيا 94.6 مليون دولار بين يناير ونوفمبر، مقارنة بنحو 235 ألف دولار خلال الفترة ذاتها من العام السابق، وفق فرانس برس.

“بدون ظهير عسكري”

تبعد ميكاللي، عاصمة تيغراي، عن العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، حوالي 700 كيلو متر، وهو ما جعل زحف عناصر متمردي تيغراي نحو العاصمة أديس أبابا محاطا بكثير من المخاطر.

ويقول حسن: “هم زحفوا 500 كيلومتر بعيدين عن مناطق قيادتهم وتمركزاتهم التي انطلقوا منها، وسيطروا على مناطق ليس لهم أي تواجد عسكري فيها، ولذلك تمكن سلاح الجو من قطع خطوط الإمداد، فكان هناك استنزاف كبير للمتمردين”.

وترد عبده قائلة إنه “لم يكن هدف جيش تحرير تيغراي التغلغل في المناطق التي يكسبها، بقدر ما كانت فقط ممرا لوصول القوات إلى أديس أبابا. الهدف هو إضعاف قوات جيش آبي أحمد وإسقاط حكومته”، مشيرة إلى أن “هذه الاستراتيجية مستمرة”.

ويرى حسن أن “جبهة تحرير تيغراي” لن تتمكن من تحقيق أهدافها المتمثلة في السيطرة على ميناء جيبوتي، ولا الوصول إلى العاصمة أو إسقاط الحكومة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “الحكومة الفيدرالية لن تستطيع أيضا السيطرة على إقليم تيغراي بسهولة”.

ويقول: “المتمردون رأوا ضراوة وقوة الهجمات التي واجهوها خلال الثلاثة أشهر الماضية، وخاصة في إقليم عفر، وتأثير الطائرات المسيرة، كما واجهوا ضغطوا دوليا ومطالبات بالانسحاب ووقف الزحف نحو العاصمة، كما يشعرون بنتيجة الاستنزاف”.

وترفض عبده أن يتم إطلاق وصف “الهزيمة” على تراجع قوات تيغراي وتعتبره “انسحابا تكتيكيا”، مضيفة: “إذا تراجعنا خطوة فإننا سنأخذ خطوتين بعد ذلك، وهذا حدث في أكثر من من مناسبة”.

لكن حسن يقول إن “جبهة تيغراي لم تحقق أي نتائج من الذين خرجوا لها في زحفهم نحو العاصمة، هم تجرعوا هزيمة لكن لا يمكن أن يعلنوا عنها، وأعتقد أنهم شعروا أنهم لا يستطيعون تحقيق نصر حاسم”.

مبادرة حوار وطني

ويقول حسن إن الحكومة الإثيوبية تستعد للإعلان عن مبادرة لحوار وطني بعد “دحر متمردي تيغراي في إقليمهم”، مشيرا إلى أن انخراط الجميع في المفاوضات “هي أقصر الطرق للخروج من هذه المأساة”.

وقال: “سيكون هذا هو الخيار الأول للحكومة الإثيوبية، لكن إذا لم يتم التوصل إلى نتيجة سيكون على الجيش الفيدرالي العودة إلى مواجهة قوات جبهة تيغراي داخل الإقليم حتى ولو بعد فترة، وهو ما سيطيل أمد الحرب”.

الحرة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..