أخبار السياسة الدولية

حركات تمرد وانقلابات تقوض الديمقراطية في الساحل

شهدت دولة أخرى في الساحل الأفريقي انقلابا عسكريا، وهو انقلاب آخر تشهده المنطقة للسنة الثالثة على التوالي، حيث سارت بوركينا فاسو خلال الأسبوع الماضي في نفس النفق المظلم الذي سلكه الآخرون، ولدى بوركينا فاسو حكومة ضعيفة غير قادرة على السيطرة على عنف الجهاديين، وسكانها سئموا من موت الأبناء والبنات في القرى النائية، فضلا عن الاحتجاجات الشعبية، وأخيرا، وعد الجيش ببذل المزيد من الجهد، أكثر مما بذلته الحكومة المدنية.

وبشكل عام فإن جميع البلدان الأربعة الأكثر اكتظاظا بالسكان في منطقة الساحل الأفريقي قد شهدت انقلابات أو أجهضتها في خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية فقط، إضافة إلى جمهورية غينيا، التي تشارك مالي نفس الخط الحدودي، والتي وقع انقلاب بها في فصل الخريف الماضي. ومن الواضح أن المشكلة آخذة في الانتشار، والأسبوع الماضي وقعت محاولة انقلاب في غينيا بيساو، وهي دولة صغيرة أخرى تقع مباشرة أسفل الساحل.

تمرد يقوض الديمقراطية

وجدت الحكومات المدنية في منطقة الساحل الأفريقي والصحراء صعوبات كبيرة لوقف تمرد الإسلاميين المتشددين وهو ما جعل المزاج الشعبي يميل أكثر لتحفيز الضباط والجنود على تسلم مشعل القيادة بنفسها لخوض الحرب ضد الإرهاب.

ويقول فيصل اليافعي، وهو كاتب ومحلل سياسي إن “التمرد الإسلامي في منطقة الساحل يزعزع الأسس الديمقراطية في غرب أفريقيا، ويدفع الجماهير لتحفيز الجنود على محاولة إنهاء إراقة الدماء، وهذا المزيج السياسي من شأنه تأجيج المزيد من التمرد، ولكن يبدو أن دولا أخرى في المنطقة لا ترغب في التعامل مع ذلك المزيج، حيث يعاني حزام البلدان الواقعة أسفل الصحراء مباشرة من عدم الاستقرار لسنوات، منذ منتصف عام 2010، عندما نفذ مسلحون مرتبطون بداعش والقاعدة هجمات في جميع أنحاء المنطقة”.

وبالفعل، أصبحت المشكلة واضحة بشكل خاص في بوركينا فاسو، حيث قُتل مسلحون مدنيين وجنودا في البلدات الشمالية النائية، في هجوم مميت في الصيف الماضي، فقد قُتل أكثر من 100 شخص في قرية الصلحان. ومنذ ذلك الحين، تراجعت الثقة في الحكومة المدنية، وعندما هوجمت قاعدة عسكرية في الشمال في نوفمبر وقتل أكثر من عشرين جنديا، وصل غضب الجمهور إلى ذروته، ولم يكن من المستغرب احتفال البعض في العاصمة واغادوغو، عندما أُقيل الرئيس روش كابوري.

ويرى خبراء أن انتشار التمرد الإسلامي في بلدان الساحل الأفريقي انتشار النار في الهشيم سيفضي إلى تقويض دعائم المؤسسات الديمقراطية الضعيفة أصلا.

كما أن الروابط بين الحكومات والشعوب آخذة في التصدع، مثلها مثل الروابط بين القوى الاستعمارية السابقة مثل فرنسا والجماهير، وكذلك العلاقات بين البلدان داخل “إيكواس” وهي (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا).

وتنتشر آثار هذا التمرد إلى خارج الحدود، محطمة ما في طريقها، وكأنها موجة لا يمكن إيقافها، تتجه بقوة إلى المراكز السكانية على الساحل.

وتتمثل تلك المخاطر في فرار الكثير من الناس من القرى النائية، حيث قدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الشهر الماضي أن 2.5 مليون شخص قد فروا من ديارهم عبر بلدان الساحل الأفريقي.

الحكومات المدنية في منطقة الساحل الأفريقي والصحراء تجد صعوبات كبيرة لوقف تمرد الإسلاميين المتشددين وهو ما جعل المزاج الشعبي يميل أكثر لتحفيز الضباط والجنود على تسلم مشعل القيادة.

واعتبر اليافعي أن “النزوح الداخلي يخلق لهؤلاء النازحين ضغطا هائلا على المجتمعات، وهو ضغط يشعر به كثير من الأحيان في الأجزاء الأكثر فقرا في تلك البلدان، ونتيجة لذلك النزوح الواسع والذي يولد أخطارا كبيرة بدأ الجمهور في الاعتقاد بوجوب الاختيار بين السياسة أو الجيش، وذلك اختيار تضليلي، لكنه خيار يبدو معقولا في وقت الأزمة، فقد برزت فائدة القوة العسكرية لحل المشاكل السياسية”.

ويبدو أن مواجهة الجنود المسلحين ضد المتمردين المسلحين تبدو مواجهة أكثر إنصافا، ولكن خلف تلك المواجهة هناك عنصر السياسات الفاشلة، والذي عادة ما يضمن المزيد من الانقلابات والمزيد من عدم الاستقرار. وعادة ما يكون مدبرو الانقلاب غير مختبرين سياسيا ويبذلون الكثير من الطاقة في محاولة للاحتفاظ بسلطتهم السياسية بحيث يضمنون عمليا نجاح المتمردين، مما يخلق الظروف لانقلاب آخر.

وتعتبر مالي مثالا لذلك، حيث كان الهدف من انقلاب 2020 هو تشكيل حكومة أكثر قدرة على محاربة التمرد الإسلامي، وبدلا من ذلك، أدى ذلك الانقلاب إلى عيش شهور من عدم اليقين السياسي، مما أدى إلى انقلاب ثان بعد عام. وفي غضون ذلك، استمرت هجمات المتمردين، ولا تزال مالي تمشي بخطى متعثرة نحو انتخابات جديدة، والتي من المقرر إجراؤها هذا العام.

تصاعد الهجمات

مع بقاء القليل من رجال الأمن للدفاع عن المؤسسات الديمقراطية، لا عجب أن يبدأ الجنود في البلدان المجاورة للساحل في التطلع إلى نيل السلطة ويبدو أن الشعوب تشعر بالارتياح لذلك

لا يظهر في الأفق أي تباطؤ لهجمات الجهاديين، ويتمثل جزء كبير من صعوبة مواجهة التمرد الإسلامي في الحجم الهائل لتلك البلدان وقلة عدد سكانها.

وتتركز غالبية سكان غرب أفريقيا في المناطق الساحلية، مما يمنح الجهاديين مجالا للمناورة، حيث يمكنهم التحرك والتخفي بسهولة في المساحات بين القرى وعبر الحدود.

وتحت سلسلة بلدان الساحل توجد مجموعة أخرى من الدول الصغيرة على طول الخط، والتي يتزايد النشاط الجهادي فيها.

وكانت هناك هجمات جهادية منذ عام 2016 في ساحل العاج الواقعة في الجنوب من مالي وبوركينا فاسو، كما تم إحباط هجمات أخرى في السنغال، التي لها حدود مع موريتانيا.

كما تعتبر غينيا بيساو واحدة من أصغر دول غرب أفريقيا، وكانت منذ فترة طويلة هدفا لمثل هذه الهجمات وقد اعتقلت السلطات العديد من الإرهابيين المشتبه بهم.

وتعتبر محاولة الانقلاب الأخيرة في البلاد دليلا على فشل السياسة، ليس فقط على المستوى الوطني، ولكن أيضا على المستوى الإقليمي، وقد رد “إيكواس” وهو الاتحاد الاقتصادي والسياسي الإقليمي، بشكل غير منتظم على الانقلابات المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة، حيث فرض عقوبات على مالي وعلق عضوية بوركينا فاسو من المجموعة، ولكنه في النهاية غير قادر على فعل الكثير لمنع الجنود من الاستيلاء على السلطة.

وقال اليافعي إنه “مع بقاء القليل من رجال الأمن للدفاع عن المؤسسات الديمقراطية، فلا عجب أن يبدأ الجنود في البلدان المجاورة في التطلع لنيل كرسي السلطة، ويبدو أن الشعوب تشعر بالارتياح عندما يتولى الجيش زمام الأمور. ومع انتشار التمرد في منطقة الساحل عبر غرب أفريقيا، تنتشر على إثره موجة من الانقلابات العسكرية”.

العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..