علاقات السودان الخارجية حرثٌ في البحر

د. ياسر محجوب الحسين

المتابع لمسار علاقات السودان الخارجية يلاحظ أن تسلسلها المنطقي لا يقود دائما إلى نتائج منطقية، بمعنى أن الجهود التي تبذلها الخرطوم لأجل تحسين علاقاتها الخارجية المأزومة سرعان ما تنتهي إلى لا شيء وتغدو كمن يحرث في البحر.. في الفترة الأخيرة أغلقت الخرطوم المركز الثقافي الإيراني في السودان وطردت الملحق الثقافي الإيراني، ثم أعقب ذلك زيارة قام بها الرئيس عمر البشير إلى السعودية في سياق أدائه لفريضة الحج، ثم زيارة إلى مصر الحليف الأقرب للسعودية، ثم زيارة رئيس الوزراء الليبي للخرطوم. بيد أنه لا تبدو هناك أي آثار ظاهرة لنتائج تلك التحركات بل بالعكس قد تظهر آثار سالبة في كثير من الأحيان؛ فإن تركنا مخرجات زيارة البشير إلى السعودية جانبا لشح المعلومات بسبب التحفظ الذي يسم الحكومة السعودية، نجد أن زيارة البشير إلى القاهرة كانت نتائجها محبطة وفقا لكثير من المراقبين من سياسيين وإعلاميين.. فالبشير يقول عقب الزيارة: “لقد اتفقنا على تأجيل القضايا الخلافية وعدم مناقشاتها، لأننا قد لا نتفق إذا ما بدأنا بها، وقضية حلايب ليست جديدة، والخلاف حولها مستمر منذ عام 1958، لذلك فضلنا عدم مناقشاتها”، وهذا أمر خصم على الموقف السوداني من تلك القطعة المتنازع عليها، إذ إن مصر تضع يدها بالكامل على المثلث منذ عام 1995 وقد قطعت خطوات متسارعة نحو (التمصير) وفرض الأمر الواقع، فحتى إذا ما تنازلت مصر مستقبلا قليلا واقترحت استفتاء على أهالي المثلث كانت النتيجة حتما لصالحها.

واعتبر البشير استجابة الجانب المصري لمقترحه بترفيع مستوى اللجنة المشتركة بين البلدين إلى المستوى الرئاسي إنجازا من إنجازات الزيارة في حين أن اللجنة كانت في السابق برئاسة كل من النائب الأول للرئيس البشير ورئيس الوزراء المصري وهذا أمر كان يضمن لها فعالية أكبر من أن يرأسها رئيسا البلدين حيث يصعب اجتماعها دوريا لمشاغل الرئيسين، ويبدو أن الجانب المصري زاهد في نتائج لهذه اللجنة فوافق على مقترح البشير، إذ إن تركيز مصر في علاقاتها بالسودان مازال على الجوانب الأمنية والعسكرية، وكان ولا يزال ملف العلاقات مع السودان في جهاز المخابرات المصري وليس في وزارة الخارجية المصرية.. ولم يستحسن الكثيرون ذلك “التعجل” نحو مصر في عهد المشير عبد الفتاح السيسي، وزير الخارجية السوداني علي كرتي الذي كان ضمن وفد الرئيس البشير قال إن علاقة بلاده بمصر “توترت في عهد مرسي أكثر مما توترت في عهد حسني مبارك لأن كثيرا من الملفّات التي كان متوقع أن تنهيها الثورة لم تستطع حكومة مرسي أن تفعل فيها شيئا على الإطلاق”، ومعلوم مدى العلاقة الحميمة التي كانت تربط الخرطوم بالقاهرة في عهد الرئيس محمد مرسي.

مع ذلك كله شنت وسائل إعلام مصرية مقربة من الحكومة حملة على الحكومة السودانية أثناء الزيارة، بلغت حد الاستخفاف، وفقًا لتقرير لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية خاصة ما ذهب إليه إعلامي مصري في برنامج تلفزيوني، سخر فيه من قبول الرئيس البشير الخضوع لقواعد البروتوكول الرئاسي المصري الذي لا يشترط علم الدولة المضيفة، وعقد جلسة المباحثات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحت خريطة مصر وهي تتضمن منطقة حلايب المتنازع عليها باعتبارها مصرية.

وقال وزير الاستثمار والأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان ردا على ذلك، إن الانتقادات التي طالت الرئيس البشير، من وسائل الإعلام المصرية، “أن بعضها تجاوز حدود اللياقة في التعامل مع رئيس السودان”. وعلى النقيض من كلام وزير الاستثمار أكد رئيس حزب الوفد المصري الذي زار السودان لاحقا أن البشير قال له إنه “زار مصر كثيرًا جدًا، ولكن في الزيارة الأخيرة شعر براحة شديدة ومدى صدق وشفافية ومدى صلاح الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأنه جدير بحكم شعب في ثقافة وحضارة الشعب المصري”.

على جانب آخر ارتفعت أصوات سودانية مهللة بقرب انفراج العلاقات مع واشنطن ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة من جانب واشنطن على الخرطوم، إذ ذكرت مصادر مصرفية سودانية أن واشنطن وافقت على النظر في طلب الخرطوم بشأن وضع العقوبات الأمريكية على السودان وفك أرصدة البنوك السودانية المجمدة منذ 1997 إثر اجتماع لمدير بنك السودان المركزي مع مكتب الرقابة على الأصول الخارجية الأمريكية (أوفاك) المسؤول عن تنفيذ العقوبات التي تفرضها أمريكا على بعض الدول.. في ذات الوقت أعلنت الخارجية الأميركية عن وضع تدابير تقيد تحركات الأميركيين بالسودان تصل لحد حظر سفرهم خارج العاصمة الخرطوم دون إذن مسبق، فيما القائم بالأعمال الأميركي بالخرطوم جيري لانير أن الحروب والنزاعات تعد العائق الأساس الذي يشوّه صورة السودان ويؤثر سلبا على الكونغرس والمواطن الأميركي، ولا يشك أحد اليوم في أن واشنطن ? خاصة الكونجرس – قد اقتنعت بانتهاء الحروب والنزاعات في السودان.. يشار إلى أن هذه العقوبات تم تجديدها في نهاية أكتوبر الماضي، وهي تكبد السودان 40 مليار دولار سنويا حسب اللجنة الوطنية السودانية لحقوق الإنسان.

وسبق أن قدمت واشنطن عرضا للخرطوم في يناير 2011 برفع العقوبات إذا ما وافق على نتائج الاستفتاء الذي أدى إلى فصل جنوب البلاد وذكر حينها برنستون ليمان كبير المفاوضين الأمريكيين حول السودان، أن السودان قد يُسحب اعتباراً من يوليو المقبل من لائحة الدول التي تعتبرها واشنطن راعية للإرهاب، في حال احترام نتائج استفتاء الجنوب ووافقت الخرطوم على نتائج ذلك الاستفتاء الكارثي بيد أن واشنطن نكصت وعدها.

تعليق واحد

  1. اقتباس :— وسبق أن قدمت واشنطن عرضا للخرطوم في يناير 2011 برفع العقوبات إذا ما وافق على نتائج الاستفتاء الذي أدى إلى فصل جنوب البلاد وذكر حينها برنستون ليمان كبير المفاوضين الأمريكيين حول السودان، أن السودان قد يُسحب اعتباراً من يوليو المقبل من لائحة الدول التي تعتبرها واشنطن راعية للإرهاب، في حال احترام نتائج استفتاء الجنوب ووافقت الخرطوم على نتائج ذلك الاستفتاء الكارثي بيد أن واشنطن نكصت وعدها.
    اذا الانفصال كان خدعه كبرى من أمريكا. أي زول في سنة أولى سياسة لا تنطلي عليه هذه الخدعة. هذه المؤامرة ظل يخطط لها الغرب منذ الاستغلال ولم يستطع تنفيذها الا في عهد هؤلاء.
    الجنوب عائد انشاءاللة —
    ولابد من الحساب وان طال السفر —

  2. الحمدلله الكاركاتير دا ما رسمه ود دفع الله ولا ود أبو… والحمدلله الكاراكاتير وقف علي كدا وما تم… خلاهم سكتو (جم) عسي دا كاراكاتير بسكتو عليه…؟؟؟؟ الزيارة الجاية لعمر البشير لمصر حيختو ليه الكاراكاتير دا في خلفية الحائط مع خريطة السودان وحلايب المقلوعة بالعين الحمرا والرسمة اللاذعة… وعمر البشير مابهمو (أن كتر و إن راح) راقصاً محركاً مؤخرته… الكيزان عمرهم ما بعرفوا الكرامة لا ليهم ولا للسودان… والله الشعب السوداني كان ما كراهيتهم للكيزان ولعمر البشير كان رحلو الحلب ديل من الدنيا بعد أن يقيموها ولم يقعدوها…

  3. ههههههههههههههه والله كاركتير معبر ، فحقيقه الانسان حين يفقد جزء من مايغطى به مؤخرته اى الغطاء العلوى فتظهر جليا الملابس الداخليه والا بدونها سيصبح فى (السهله)وياها حالنا بعد فقدنا الجنوب وحلايب فى الطريق قربنا نصبح فى السهله،،،، لاتدع ريشتك تقف يارسام وكما يقال بالانجليزيه(go head)

  4. قطعا ان الزيارات التي قام بها الرئيس البشير الى كل من السعودية ومصر لن تغير من واقع الامر شيئا كونها زيارات تكتيكية اكثر منها اي شئ اخر حيث الغرض منها تسويق اغلاق المركز الثقافية الايرانية للسعودية عسى ان تكون بادرة حسن نية لتطبيع العلاقات وفك الخناق الاقتصادي والمقاطعة المصرفية وهذا فهم وصولي ومتعجل لكنه هذه المشكلة لانها مرتبطة تماما بقائمة الدول الراعية للارهاب الامريكية والا واجهت السعودية ودول الخليج عقوبات مثل العقوبة التي جرت بتغريم احدى البنوك الفرنسية 9 مليار لتعاونه مع دول قائمة الارهاب المحظورة امريكيا وببالطبع ان العلاقات الامريكية السعودية والخليجية عميقة جدا ولارتباط اقتصاد هذه الدول بالدولار الامريكي وكل معاملاتها المصرفية تمر من خلال مقاصة مع بنوك امريكية
    اما الزيارة الى مصر بقناع عدم التبعية لنظام الاخوان المسلمين فهذه مغالطة لقناعة المصريين وحتى عدم اثارة موضوع حلايب وشلاتين المحتلتين لم يكن موفقا بل ان المصريين ينظرون اليه بانه تكتيك يراد به التهدئة ولكن تبقى الثوابت ولا يمكن للنظام المصري ان يتناسى ان النظام الحاكم في السودان تابع لتنظيم الاخوان المسلمين بمصر وملاذ لهم ومن المحتمل جدا ان يستجمعوا قواهم ويزلزلوا استقرار مصر ووحدتها على نهج ما حدث في السودان تماما
    اما امريكا فانها تعلم بانها احكمت حصارها للسودان فتقدم له الجزرة بيد وتخفي العصا الغليظة باليد الاخرى ولكنها لن تقدم على تطبيع علاقاتها مع النظام الحاكم في السودان بل كل ماتهدف اليه من تواصل واتصالات ان تتاكد بانها احكمت سياستها وان لم تفعل فانها تستكشف ذلك لتعرف مواطن الضعف لاحكام سياستها ولكنها لن تطبع علاقتها مع النظام الحاكم في السودان مهما يكن من امر
    والله اعلم

  5. ـحياتي د. ياسر ..

    أظنك استعجلت في تحليلكـ .. فالزيارة للسعودية ومصر تمت قؤيبا جدا.. ومن المستبعد
    ان تاتي النتائج سريعا كما تتوقع .. فالعلاقات الدولية لها طرق قد تكون معقدة احيانا.. لكن انا متاكد بان نتائج الزيارات التي قام بها الرئيس سيكون لها مردود ايجابي جدا قؤيبا.. ومحاولات السودان بتحسين علاقاته الخارجية شيئ يحمد لها.. 25 سنة من الحكم كفيلة بان تجعل الحكومة اكثر خبرة في ادارة ملفاتها وتصحيح مسارها ان ارادت ان تستمر في الحكم ..

    هذا والله اعلم ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..